السبت، 12 أكتوبر 2013

للطبيعة حق علينا .. فلناحافظ عليها!

سبحان الخالق!

العبارة التي تجد لها مصاديق متعددة في تلك البقعة الفريدة من الأرض. "سبحان الله".. تنساب بتلقائية أبعد من أن يتمكن الانسان التحكم بها حينما يكون أمام مشهد مبدع قل نظيره، وحينها تنطلق عبارة "سبحان الله"...


http://www.alwatan.com/graphics/2013/10OCT/PDF/pdf13.10/ash3.pdf


سبحان الخالق!

العبارة التي تجد لها مصاديق متعددة في تلك البقعة الفريدة من الأرض. "سبحان الله".. تنساب بتلقائية أبعد من أن يتمكن الانسان التحكم بها حينما يكون أمام مشهد مبدع قل نظيره، وحينها تنطلق عبارة "سبحان الله" من أعماق النفس المتلهفة للجمال والجلال والبهاء. كانت "سبحان الله" كل ما كنت أستطيع قوله وأنا أمام مشاهد تتوالى الواحد بعد الاخر، كل مشهد منها فريد بذاته ومختلف عن الآخر. سبحان الله من إبداع قل نظيره وأنت تشهده في محمية تسمى بـ "يلوستون Yellowstone " الواقعة في ولاية وايومينج الأمريكية.

تبلغ مساحة محمية يلوستون قرابة (8983) كيلومترا مربعا (أي نصف مساحة دولة الكويت). وقد تم الاعتراف بها كأول محمية وطنية في الولايات المتحدة الاميركية عام 1872. ومن أجل المحافظة على الجمال الطبيعي لهذه المحمية، وُضِعت الكثيرُ من القيود لحماية الحياة الطبيعية والبرية فيها وأيضا لحماية تلك الإبداعات الخلابة التي يعجز اللسان عن وصفها كما أن الخيال يبقى قاصرا عن بلوغ روعتها!

قلت إن اللسان يعجز عن وصفها والخيال يقصر عن بلوغ روعتها لأن المشاهد التي تنبض بها تلك الأرض أبلغ من الوصف وأشمل من أن يتمكن الخيال من حصرها في حدود المخيلة. تضم محمية يلوستون نصف كمية منابع المياه الساخنة (Hydrothermal) المكتشفة على وجه الأرض تقريبا. وهذه المياه التي تتسرب من أعماق الأرض إلى السطح من خلال فوهات بركانية صغيرة تبدو كبراكين نبتت هنا وهناك وآنى وقت ولادتها. في هذه المحمية الخلابة بجمالها ترى الشلالات نابضة بالحياة، ورائعة بتدفق مياهها المنسابة وبألحان خريرها المتناغم مع تلك الصور الطبيعية التي تحيط بها من كل جهة وصوب. وما أن تلتقط عيناك جزءا من الصورة الطبيعية وأنت في حركتك لاكتشاف المزيد حتى تبهرك الصورة التي تكتمل بالتدريج أمام ناظريك، لتشكل صورة كبيرة مكونة من شلالات منحدرة من على تلك الصخور الشامخة، ومياه جارية وصخور ملونة والتي تتداخل أخاديدها وتنساب في تجاويفها المياه. ومن هذه الصور تنتقل الى أخرى حيث تشاهد كيفية تخلص الأرض من تلك المياه والغازات المعدنية التي تنبثق من أعماق تلك الصخور لتفتت ما بداخلها من غازات ومياه فيما يسمى بالبركان الطيني.

هناك نوعا من التضامن، لا بل التكامل بين ثلاثة عناصر أساسية اتسقت معا لتصوغ أمامك مشاهد مدهشة فائقة الجمال إنها الماء والحجر والضوء أو إشعاعات النور، تمازجت مع بعضها كما تمتزج الألوان بفرشاة الرسام. أما المياه الساخنة المعروفة بـ(Geysers) المحبوسة في أرض تلك المحمية فتقتنص لحظة وجودك لتعلن عن ظهورها في صور ملونة في أجواء المحمية لتكسب الصخور المحيطة بها ألوانا بهيجة متناسقة. وهناك بين مشاهد تلك المحمية، الانتظار يعني "آهة" إعجاب تنبثق من القلب والروح لتنطلق إلى الكون الواسع. تصاحب تلك الـ "آهة" اتساع في حدقة العينين ويتشكل الفم في هيئة دائرة لتنطلق حروف الـ"آه" بأبعد مداها وهي تشهد ولادة بركان مائي (Old Faithful) من باطن الأرض بمدى يبلغ طوله تقريبا 130 الى 190 قدما.
في تلك الرحلة، الصمت هو سيد الموقف؛ لأن الجوارح أعجزُ من أن تتحدث وإن حدث ذلك فالكلمات تنساب من داخلك قاصرة الا عن قول "سبحان الله ".
كنت دائما ومنذ زيارتي الأولى لمحمية يلوستون في التسعينات من القرن الماضي وأنا أؤكد انه "ليس لها مثيل أو نظير"!.

هذه الرحلة الى محمية يلوستون التي أسرتني بجمالها الا إنها في نفس الوقت أيقظت فيّ الكثير من الصور التي كنت أحسب أن ابتعادي عن أرض الوطن جعلتها في أسفل الذاكرة، لأكتشف أن بركانا يتأجج في كياني كثوران تلك المياه البركانية. أهو من نعومة رمال بوشر أو من أمواج شواطئ القرم أو من عبق أراضي صور أو من ذكريات طفولتي على شواطئ الباطنة أو أنها من بخور ولبان أراض أخرى في مشارق ومغارب أرض بلادي الجميلة ؟ أم أنها من شموخ تلك الأراضي المختارة من قبل النخب المزعومة والتي يتم تخصيصها لهم دون غيرهم من أبناء الوطن؟ أم أنها من تلك الحدائق العامة التي كانت فيما مضى تضج بضحكات طفل أو مناغاة أم أو رجاءات صغير في البقاء لساعة أو أكثر؟ حينما وقفت أراقب تلك الشلالات والتي تسمى بـ (Yellowstone Grand Canyon) قلت في نفسي من كان سيستولي على هذه المواقع لو أنها كانت في وطني؟ وهل كنا سننعم بهذه المناظر دون أن تكون قد خصصت لأحد المسئولين أو التجار النهمين أو غيرهم؟.

قبل عدة أيام عرض الصحفي زاهر العبري صورا جميلة التقطتها عدسته لرأس مركز في ولاية الدقم بمحافظة الوسطى. من خلال الصور التي عرضت ورغم قصور آلة التصوير في تمكين المشاهد بعمق وأبعاد المكان الا أنها استطاعت أن تنعش الكثير من الصور الغائرة في الذاكرة. الصور التي عُرضت لطيور اتخذت من الشاطئ الأمن مسكنا لها ولرمال ما زالت بعيدة عن وطأة الأقدام العنيفة ولهواء نقي ما زالت الكائنات المجاورة له تنعم به ... لكن إلى متى؟

لقد عقدت شركة عمان للصهاريج اتفاقية تفاهم مع شركة تكامل للاستثمار لتأسيس خط أنابيب لنقل النفط في رأس مركز بمحافظة الوسطى. وستكون منطقة رأس مركز مركزا لتخزين النفط الخام وهي تبعد 70 كيلومترا عن شمال الدقم. يعتبر النفط المصدر الأساسي للاقتصاد العماني وقد أولي اهتماما كبيرا رغم التخوفات التي تشير إلى نضوب النفط سواء كان في القريب العاجل أو بعد أمد ليس ببعيد. فهل يُعقل من أجل مصدر سوف ينضب أن نضحي بمصادر طبيعية أخرى؟ ألا يكفي التضحيات التي قدمناها من أجل أن نعيش تقدما قشريا في وطن ذي حضارة وتراث وثروات طبيعية؟ ألا يكفي ما تم سفكه من طبيعة هذا الوطن لينعم البعض برفاهيةٍ نهايتُها التعاسة؟.

حينما شاهدت الصور التي التقطهتا كاميرا الصحفي زاهر العبري تبادر الى ذهني مقاطع من قصة قرأتها للروائي عبدالرحمن منيف يروي فيها عن شاطئ جميل عاشت حوله مختلف الأحياء بسلام فتم تحويله إلى ميناء غدا مرتعا خصبا للأجانب والغرباء وغيرهم من الجشعين! .. فهل نريد لشواطئنا أن تكون غريبة عن أوطانها؟ أليست محمية يلوستون نموذجا من الممكن الاحتذاء به والتعلم من تلك الأمم المتقدمة في كيفية حماية مواردنا الطبيعية.. ألا يجدر بنا أن نعيد النظر!.