السبت، 25 أغسطس 2012

السلطة الرابعة.. جعجعة من غير طحن!

يقال ويحرص القائلون على التأكيد على المقولة الشائعة بأن الصحافة هي «سلطة رابعة». ورغم ان الصحافة ليست بسلطة كالسلطات الدستورية الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية إلا أن تأثير الصحافة ...

http://main.omandaily.om/node/106688

يقال ويحرص القائلون على التأكيد على المقولة الشائعة بأن الصحافة هي «سلطة رابعة». ورغم ان الصحافة ليست بسلطة كالسلطات الدستورية الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية إلا أن تأثير الصحافة وقوتها في توجيه الرأي العام والتأثير عليه يوازي قوة جميع تلك السلطات الثلاث مجتمعةوتسمية الصحافة بالسلطة الرابعة ليست بالتسمية الحديثة فقد مضى عليها أكثر من مائة عام. فأول من أشار اليها هو المؤرخ الاسكتلندي توماس كارليل حيث أورد هذا المصطلح في كتابه «الأبطال وعبادة البطل» وذلك عام 1841 مقتبسا ذلك من عبارات للمفكر الايرالندي ادموند بيرك الذي ذكر أن المراسلين الصحفيين هم الحزب الرابع «السلطة الرابعة» الأكثر تأثيرا من السلطات الأخرى في صياغة الرأي العام.

وحينما يشار إلى الصحافة كسلطة رابعة فهذه الإشارة ليست منحصرة في الصحافة فقط وإنما تشمل جميع وسائل التواصل مع الرأي العام من إذاعة وتلفاز وغيرها من الوسائل. وتأثير الصحافة أو الإعلام على الرأي العام ليس من اكتشافات العصر الحديث، فقد لعبت «الكلمة» دورا بارزا في حياة الشعوب منذ القدم. فقديما لعب الشعر دورا كبيرا في التأثير على الرأي العام عن طريق هجاء أو مدح السلطة الحاكمة أو تكريس أو انتقاد ظاهرة ما. فالشاعر كان يمتلك في تلك الأيام مفاتيح الصحفي السحرية.
وقد لعب الإعلام على مر التاريخ أدوارا كبيرة في تشكيل الرأي العالمي. فبتأثير الإعلام جرت حروب وسقطت حكومات وشرعت أنظمة واستبدلت أخرى. ولم يكن تأثير الصحافة مقتصرا على التأثير في الشأن السياسي فحسب. فيذكر أن كثيرا من البرامج التعليمية في الولايات المتحدة (على سبيل المثال) أُقِرَتْ بتأثير الضغط الذي مارسه أولياء الأمور من خلال الصحافة.
في مقال بعنوان: (How Mass Media Simulate Political Transparency) ذكر الكاتب أن الإعلام يسهم في تشكيل القيم السياسية من حيث إقرار نوع من الشفافية عن طريق الانفتاح على المساءلة الديمقراطية. ثم يعقب مضيفا في أن هناك ثلاثة أنواع من الشفافيات غالبا ما تعمل معا وإن كانت كل منها تختلف عن الأخرى من الناحية التحليلية. النوع الأول من الشفافية هو شفافية المعلومات من حيث القرارات الحكومية التي تنشر للمواطنين. والنوع الثاني من الشفافية هو شفافية المشاركة ويعني بذلك المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات السياسية سواء من خلال التمثيل العادل أو المشاركة المباشرة. وهناك نوع ثالث من الشفافية هو الشفافية في المساءلة أي القدرة على إخضاع المسؤولين الحكوميين للمساءلة - إما أمام القضاء أو أمام الرأي العام - حينما ترتكب مخالفة للقانون أو عندما يتصرف مسؤول حكومي بطرق تؤثر سلبا على مصالح الناس.

عندما ننظر إلى واقعنا العماني الحالي نلاحظ أن هناك نوعا من التغيير حدث في الاعلام العماني الذي انتهج أسلوب الشفافية في التعامل مع بعض الوقائع وذلك من خلال عرض معلومات ما حول واقعة معينة أو الاضاءة على بعض القرارات. وما نشهده حاليا من حراك في مجال المشاركة الشعبية سواء من خلال مجلس الشورى او غيره في الشأن الحكومي تعتبر خطوة ايجابية نحو الانفتاح والمساءلة السياسية وبالتالي الشفافية في التعامل الوطني. وهذه الحالة الوطنية التي بدأت بالانفتاح على المتغيرات المختلفة في الوطن حول الشأن العام كالشأن التعليمي أو الصحي او غيرهما من الشؤون تبدو مؤشرا جيدا نحو إقرار بعض جوانب الديمقراطية كما حدث مناقشة بعض الوزراء من قبل مجلس الشورى. إن هذه الخطوات التي أخذت تخطو خارج الدائرة المغلقة التي كانت غالبة بشكل او بآخر سابقا وذلك بوضع السلطنة ضمن منظومة الدول التي تحترم شعوبها وتقر بحقها الديمقراطي في المشاركة الشعبية وفي اتخاذ القرارات الوطنية المهمة ما زالت في حاجة الى المزيد لتتفاعل مع طموحات المواطنين بشكل اكبر. والانفتاح الذي نشهده من خلال بعض وسائل الإعلام (والجدير بالاشارة الى دور جريدة «عمان» الإيجابي في اتاحة المجال لطرح الرأي الآخر) ما زال غير قادر على تغيير الواقع على النحو المأمول من جانب الكثيرين.

قبل عدة أشهر شهدنا تحركا كبيرا في مجال تغيير او تبديل في المناهج التعليمية. وأيضا تناول بعض الكتاب هذه المواضيع وغيرها من المواضيع الوطنية وإن كان البعض نأى بنفسه عن تناولها بوضوح خوفا من ردات فعل المسؤولين غير الإيجابية. والغريب أن المطالبة الحثيثة للمعلمين وغيرهم من التربويين المدعوم بمطالبة واضحة لأعضاء مجلس الشورى بعدم تغيير المناهج التربوية أو مطالبة افراد الشعب بضرورة محاسبة المسؤولين لتقصيرهم أو استرجاع الأراضي التي ملكت للبعض من غير وجه حق لم تثمر عن أية نتائج، ربما حتى الان على الاقل، وظلت مجرد كلمات في الهواء من غير أي ثقل أو صدى في الواقع العملي. وظلت تلك الكتابات الوطنية حبرا على ورق ليس لها أي مفعول سوى معاناة كاتبها، وبقي المسؤول في حل حتى من المساءلة بعدم تنفيذها أو تقديم أي تبرير مقنع بشأنها. وظلت كل تلك الأمور ضمن الكلام الصحفي من غير أي أثر له على تغيير للمواقف في الواقع العملي. وهذا ما يدعو للاستغراب عن سبب قصور السلطة الرابعة عن ملامسة الواقع ومن ثم الاسهام في تغيير هذا الواقع بما يلبي الطموحات بينما نجد التأثير الكبير لهذه السلطة سواء بالأسلوب السلبي أو الإيجابي في ساحات أخرى لها شواهد كثيرة لا تعد ولا تحصى. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا ؟

إن واقع الصحافة الذي يحاول ان يلامس طموحات المواطنين في تحقيق نوع من الديمقراطية أو إقرار حرية التعبير ضمن حدود المعقول والمطلوب يبدو أنه لا ينطلق من ولا يستند على مبدأ شفافية المشاركة في القرارات أو المحاسبة والمساءلة للمسؤولين عند مخالفة القانون أو عندما يتصرفون بطرق تؤثر على مصالح الناس. وهذا يقودنا للاستنتاج بأن المسؤول ربما يشعر بأنه لا يستمد قوته او سلطته من أفراد الشعب لهذا فهو غير معني بتلبية رغباتهم أو الاهتمام بحاجاتهم أو الاستماع إلى مطالباتهم منطقية ومحقة كانت أم لا، لأنه باق وموجود في موقعه وكرسيه بغض النظر عما يفعله أو ما يقوم به. فبعض المسؤولين قد لا يهمه رضى مجلس الشورى أو المواطنين لأنه لا يستمد قوته وسلطته عبر هذه القنوات ، كما أن موقعه لا يتأثر برضاها أو رضى الرأي العام. فليس من المهم عنده أن يرضى الموظف أو لا يرضى وليس مهما أن تتم مخالفة القوانين أو الأنظمة أم تم اتباعها ما دامت تلبي حاجات المسؤول، ولا يهم إن ظلم موظف أو تم تجميد آخر ، ولن يستطيع أحد أن يحاسب المسؤول إذا تصرف بالمال العام بشكل غير عقلائي.
لهذا فإن الصحافة بهذه الهيئة يبدو أنها ليست سوى معبر ليتم من خلالها التنفيس عما يجول في أذهان كتابنا فهي أشبه بجعجعة من غير طحن!....والحمد لله على كل حال..لكن.. هناك دائما خط مستقيم يمكننا من خلاله أن نفكر في أن.. نعيد النظر!.