نعم أيها السادة الوزراء والوكلاء وأصحاب السمو والمعالي وجميع الألقاب التي سمعت بها أو لم أسمع. وكل من لديه سلطة وقلم يقر ويلغي.. يأمر وينهى. نعم إليكم تتوجه أولا ثم إلى مواطنينا الأعزاء ثانيا جريدة (عُمان) في كلمتها التي نشرت يوم الثلاثاء بتاريخ 31 يوليو 2012 تحت عنوان (الولاء والفداء والبناء). ثلاث كلمات تصاغ بها سيمفونية جميلة يمكن أن تجعل الوطن يعيش بسلام وأمان. لكن الواقع الحالي يحكي لنا كيف أن هذه الكلمات الثلاث ومع الأسف، انتهكت من قبل بعض أصحاب القرار وما زالت تنتهك من قبل بعض من لديهم السلطة.

فعلا إن تاريخ عمان الحر ضارب في الجذور وعمان ليست دولة مثل بعض الدول الأخرى وليدة أموال النفط، فهي ضاربة بجذورها في عمق التاريخ. ومتانة هذه الجذور تجعلها صامدة وراكزة وتتجدد حيويتها بأيدي أولئك الأبناء الذين أبوا إلا أن يفعِّلوا حركة التغيير بتلك الكلمات الثلاث. لكن أعاصير شتى تحاول أن تشل حركتهم. إلا أن المسيرة ماضية والعطاء مستمر ومتجدد وكلنا فداء لعمان!

العدالة.. أشارت كلمة جريدة (عُمان) إلى التوجه السامي في إقرار العدالة. والفعل المنبثق بإقرار العدالة فعل طبيعي يتجاوب مع الفطرة الإنسانية والمنطق. وحينما يتم التعدي عليه يصاب البنيان الاجتماعي بالاختلال. ومن هنا فإن المواطنة الحقة تتيح لكل عماني أن يقف ليحاسب مسؤوله ويسأله إن كان يحقق مصطلح العدالة وما يعنيه وتطبيقاته. سائلا إياه في الوقت نفسه ما هي العدالة في مفهومه وكيف يتم تطبيقها في المؤسسة التي يديرها؟
أرجو أن لا تكون تجاربهم شبيهة لما سأقوله. فخلال عشرين سنة من عملي في إحدى المؤسسات لم أر للعدالة صورة ولم أجد لتطبيقاتها أثرا! ولهذا اسأل: هل يا ترى سوف يفقه أبناؤنا الطلبة والطالبات والأجيال القادمة مفهوم العدالة؟ وكيف من الممكن أن تحكم مسيرتهم؟ وكيف من الممكن أن يتبنوها في حياتهم؟ وهم يرون صورا مضادة لها في كثير من المواقع.. في توزيع الأراضي.. في العلاج المجاني لغير المستحقين.. في التعليم.. في المناصب التي تذهب أحيانا لغير المؤهلين.. والقائمة تضم ما لا يعد ولا يحصى من الصور! ففي هذا الخضم من الصور المزدوجة بالألوان البيضاء تارة والملونة تارة أخرى أضحت عيوننا تعبة، وأسماعنا مثقلة بضجيج خفافيش الليل التي اتخذت من المحسوبيات والمصالح طرقا للوصول إلى مبتغاهم.

كلمة جريدة (عُمان) تطالبنا بـــــ(المحافظة على قيم المجتمع)، فما هي هذه القيم؟ أليست هي هذه القيم الوطنية مثل العدالة والمساواة والرفق بالآخرين والمسامحة وإعطاء كل ذي حق حقه والأمانة والاهتمام بالمصلحة العامة والتفاني في خدمة الوطن و.. و.. ؟ فمن الذي ينتهكها؟ هل هي تنتهك من قبل المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة أو من قبل بعض أصحاب القرار؟ من الذي يقدم الوافد على المواطن في الوظائف فيفرط في حق المواطن ثم يدعي عبر وسائل الإعلام غير ذلك؟ أليست هذه قيمة اجتماعية تنتهك وبكل وضوح من قبل الكثير ومن ضمنها صرح تعليمي كبير وفي وضح النهار؟ من الذي يحرص على جلب خبرات أجنبية وتجميد خبرات وطنية بحجة الاستفادة من (بيوت الخبرة)؟ أليست هي دعوة واضحة إلى تجميد الكفاءات الوطنية؟ من الذي يسرف في المال العام من غير خوف أو ورع من العاقبة؟ من الذي يحرص أن يتقاسم أراضي الوطن فيما بينهم ويرصف طرقا خاصة بهم؟ من ومن ومن ؟؟؟.. نعم كلنا فداء لعمان ولقائدها.. وكلنا نؤيد ما قالته كلمة جريدة (عُمان) من أن هذه المرحلة تتطلب (من كل فئات المجتمع المتماسك الصدق مع النفس واتخاذ مواقف واضحة تجاه الوطن وقضاياه والخوف على سمعته والإساءة إليه والمطالبة بمعاقبة المسيء وردع غيره عن الإساءة). هذه في الحقيقة هي مطالب كل مواطن صالح. وكل مواطن مهما بلغ مستواه أو درجته الوظيفية لا بد له من أن يقف أمام القانون ليتم الاقتصاص منه إن قصر أو استهان تجاه الوطن وقضاياه وقيمه!وقد ركزت الكلمة أيضا على أهمية (التخلق بالشفافية والتعامل مع كل مقصر بالمستوى نفسه). فالمستهتر بأموال الوطن مقصر، والمتخذ منصبه سلما نحو مصالحه من غير رعاية لقيم المجتمع مقصر. وإن استبيانا بسيطا للرأي العام سيخبرك من هم المقصرون الحقيقيون من غير أن يتعب الادعاء العام نفسه!

إننا كنا وما زلنا نؤمن بأن من واجب الوفاء أن نفدي قائد مسيرتنا.. لكن كيف يكون الفداء؟
إن من أبسط أنواع الفداء في هذه الساحة هو التعامل بناء على القيم النبيلة في جميع المجالات وعلى مختلف الصعد حتى نضع بصمات جميلة على نهضتنا التي بدأت منذ أربعين عاما. وهذه البصمات الجميلة لا تتأتى فقط من معلم يكافح طوال اليوم لتعليم أجيالنا، ولا من طبيب يسهر ليله لتخفيف معاناة مريض، ولا من أم تحاول أن تلقن فلذات كبدها دروسا في الصدق والعدالة والخير وحب الوطن! إنها يجب أن تأتي أيضا من ذلك المسؤول الذي لم يرف له جفن وهو يرى مدارس تتساقط أسقفها، ومن ذلك المسؤول الذي لم يعبأ حين أهمل الطبيب في علاج مرض طفل لا ينتسب إليه، ومن ذلك المسؤول الذي كرس مفهوم المحسوبية فحصر العطاء لغير المستحق، ومن ذلك التاجر الذي خالف أصول التجارة بجشعه.. إنها تأتي من هؤلاء الذين هالتهم المسميات والألقاب فأصبحوا أسارى التبجيلات الكاذبة وأحاطوا أنفسهم بأسوار عالية وقوقعوا أنفسهم في بروجهم العاجية بعيدا عن المواطن وهمومه والشعب ومعاناته. وغرقوا في تلك الأدوار المحدودة في حدود الأنا والمصلحة، ولو أنهم التزموا بقَسَمهم وأيقنوا أن هناك حسابا على تقصيرهم لكنا شاهدنا كل أبنائنا وشبابنا من غير استثناء تأبى إلا أن تكون فداء للقائد والوطن ولما توهمت خطأ صورا مبهمة! إلا أنهم أعني بعض أصحاب السلطة والقرار هم من ساهموا في إيجاد حالة عدم المحافظة على مكتسباتنا (المادية والمعنوية) أحيانا من جانب البعض.

لقد تطرقت كلمة جريدة (عُمان) إلى أفكار توعوية من أجل رفعة شأن الوطن. أحد تلك الأفكار المطروحة هي عمل حلقات تساعد على (تحديد مفهوم الدولة لدى الجميع). هذا رأي جميل، لكن من الأولى أن نبدأ ببعض أصحاب المناصب. فمعرفة ما استوعبوه ثم طبقوه سوف يجعلنا نختصر فترات تلك الحلقات وقد لا نحتاج إليها، لأن دروسا عملية سوف تقدم لكل مواطن، كما نرى أثر فتح بعض مسؤولينا الأخيار (ولله الحمد) أبوابهم من خلال مختلف قنوات التواصل أسهم بشكل ما في وضع صورة أرقى لهم تختلف عن صورة من أوصدوا أبوابهم حتى لا يسمعوا كلمة حق تقال لهم.. فهم ما زالوا في مواقفهم المعروفة!

إن لنا في تاريخنا الإسلامي دروسا كثيرة وعبرا مختلفة من ضمنها وصية الإمام علي لواليه على مصر مالك الأشتر حيث أوصاه في رسالة له إليه طويلة فيها الكثير من الدروس والعبر لمن أراد لنفسه نهاية سعيدة: (أشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبُعَاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك ! وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم). وشهر رمضان شهر الخير والبركة... فلنعد النظر! .