السبت، 28 يوليو 2012

لك كل التقدير والاحترام أيها الكاتب العربي

لقد تعودنا من باب الموضوعية أن ندعم كتاباتنا بأرقام واحصائيات أوبالتوثيق من خلال الاعتماد على دراسات وأبحاث أخرى. والأبحاث والدراسات المرموقة تعتمد على 



لقد تعودنا من باب الموضوعية أن ندعم كتاباتنا بأرقام واحصائيات أوبالتوثيق من خلال الاعتماد على دراسات وأبحاث أخرى. والأبحاث والدراسات المرموقة تعتمد على عدد من الطرق في طرح منظورها الفكري أو خلاصة نتائجها. من تلك الطرق هي الأبحاث الكمية والتي تعتمد على الأرقام في تحليل بياناتها ومن ثم تعميم نتائجها، أو الأبحاث النوعية والتي تعتمد على وصف أو تحليل الواقع من خلال الملاحظة العينية أو المقابلات الشخصية. والهدف من هذا النوع من الدراسات هو فهم الواقع بشكل أفضل وأعمق للوصول الى الخلاصات الفكرية التي تسهم بشكل ما في عملية التطور التي تستهدف جانبا من جوانب حياة البشر. ومن هنا فإن دراسة واقع البشر يتوقف في أحد أشكاله على المعاينة والملاحظة والمعاشرة والتي من خلالها يبدأ العقل عملية التحليل والتمحيص واستخلاص النتائج. هذه العمليات العقلية هي التي جعلتني أعيش في عمق الاحصائيات والأرقام التي تؤكد تفوق الغرب علينا في عدد ما يصدر من كتب. وتجربتي الواقعية في تلمس هذا الواقع بدأت في الحلقة التي التحقت بها خلال الإجازة الصيفية. كانت الحلقة لمدة خمسة أيام وقد تركزت على عدد من المواضيع في مجال الكتابة للأطفال. كما صاحب هذه الحلقة عدد من الحلقات الأخرى التي استهدفت الراغبين للكتابة لفئات عمرية مختلفة ابتداء من الكتابات التي تسمى "picture books" أي الكتب المصورة أوكتب للأطفال المبتدئين وكتب المراهقين أو ما يسمى بـ"Young Adults". لقد كان الحضور يتعدى الثلاثمائة شخصا، بعضهم التحق بالفترتين الصباحية والمسائية والبعض اكتفى بالفترة المسائية فقط. كان هدف التحاقي بالحلقة هو تنمية قدراتي في مجال الكتابة للأطفال، إلا أن ما تعلمته فاق ذلك بكثير وأيضا احتجت إلى بعض الوقت لاستيعاب ما شاهدت ولمست وعايشت لأصل في النهاية الى عدد من الاستنتاجات.
تمحورت بعض استنتاجاتي حول ان الكتابة فعل عام (بمعنى عدم اقتصاره على فئة محددة). وعمومية فعل الكتابة كان قد تجلى ذلك بوضوح في التباين في عمر الملتحقين بالحلقات المختلفة فمن الفتاة ذات السادسة عشر من عمرها الى تلك المسنة ذات السبعين عاما أو أكثر والتي لم تستطع المشي من دون عكاز. لقد تحدثت مع الكثيرين من الذي التحقوا بالحلقات وغالبيتهم كانوا قد التحق بها سابقا عدة مرات. لاحظت توجها كبيرا عند الكثيرين نحو الكتابة والذي بدأ عند البعض منهم بعد تفرغهم سواء بعد أن كبر ابناؤهم أو بعد أن أحيلوا للتقاعدـ، هذا الفراغ الذي يعيشونه جعلهم يتجهون نحو تنمية قدراتهم في هذا المجال. والملاحظ أن عملية الكتابة بحد ذاتها لم تكن حائلا لان إمكانياتهم وقدراتهم العامة في الكتاية اهلتهم لاكتساب تقنيات الكتابة للصغار، فهم يملكون القدرة على الكتابة وما كان ينقصهم هي المهارات الفنية. وامتلاكهم القدرة على الكتابة عائد بشكل كبير إلى انهم ينتمون الى شعوب تقرأ، والقراءة غذت امكانياتهم اللغوية. فالكتابة فعل متحرك لديهم تجده عند الطبيب والمحاسب والمعلم والكيميائي والرياضي وأيضا تلك الممرضة المسنة التي لها عدد من الإصدارات.
حينما يكون فعل الكتابة له مردود معنوي ومادي، يكون للكاتب مساحة واسعة للإبداع والعطاء. فالعمل أيا كان، يقوم على عدد من المعايير أولها الإحساس بحاجة المجتمع له ومن ثم وجود الأجواء المشجعة والداعمة له. إن إحساس الكاتب بأهمية الكتاب الجيد وتلهف دور النشر من أجل كسبه هي واحدة من تلك المعايير التي تجعل فعل الكتابة ليس فعلا مستمرا فقط بل وفعلا مبدعا يرتقي دوما إلى الأفضل. وهذا المعيار لا يحدده السوق بقدر ما تحدده فلسفة الدار. وقد أتيح لنا الالتقاء مع عدد من ممثلي دور النشر "editors" والذين يملكون القرار في نشر مادة ما أو عدم نشرها. وهؤلاء يتلقون مواد بالمئات أسبوعيا وبعد قراءتها يتم إقرار نشر الدار للكتاب ام لا. ولا يتحمل الكاتب أيا من التبعات المادية كما أنه يقبض عند بداية موافقه الدار على نشر كتابه مبلغا مقدما يتم خصمه بعد ذلك من نسبته من المبيعات والتي تتراوح عادة بين 15% و20% من سعر بيع الكتاب في السوق. كما أن الكاتب يقوم بتفويض شخص "Agent" يكون وكيلا له يتابع أمر التفاوض مع دور النشر ويساعد الكاتب على عملية المراجعة والتدقيق اللغوي وصقل المادة بحيث تكون جديرة بالنشر ويتقاضى على ذلك نسبة من الأرباح، فأهمية المادة تكمن في الفكرة المبتكرة. هذا المردود المادي والمعنوي للكاتب هو الذي يدعو جميع الأجيال إلى أن تتكاتف من أجل خلق عمل مبدع والعمل المبدع يتبناه الناشر حتى وإن كان قد طبع سابقا من قبل طرف آخر، لأن الموضة القديمة في عدم تبني دور النشر ما تم طباعته من قبل دار أخرى والتي بدأنا في تبنيها في الوطن العربي تم تعديلها في الدول التي تثمن الفكر.
إذن فالكتابة ليست فعلا فرديا بل هي إنتاج اجتماعي. فالكاتب لا يعيش فعل الكتابة بمعزل عن مجتمع الكتاب والمبدعين الذين يتبادلون معه الأفكار والآراء والاقتراحات من أجل عمل متطور ومتكامل. فالكاتب في هذه المجتمعات مثل نحلة في خلية متكاملة تعمل من أجل عسل صافي من خلال التواصل البناء وتكوين مجموعات عمل "critic groups". فكل كاتب منتم الى أكثر من مجموعة واحدة يقوم من خلالها بمبادلة النصوص وقراءتها ومن ثم التعليق عليها ونقدها.
من ضمن الأمور التي لفتت انتباهي الإيمان بالكوادر المحلية وهو شأن أي مجتمع متطور. فالولايات المتحدة دولة كبيرة ومترامية الأطراف، لذلك فهي تضم فئات ومذاهب ومكونات مختلفة ومتعددة. وإدراكهم بتأثر المرء بمن حوله وبمحيطه بشكل أشد من تأثره بمن هو غريب عن بيئته ولديهم إحساسا بأهمية الاستعانة بالكوادر المحلية (أي من نفس الولاية) والتي هي أساس عملية التطور والتنافس البناء. فالإنسان بطبيعته أكثر تأثرا بمن حوله من الأشخاص الذين يختلفون عنه. لهذا رأيت أن هناك حرصا واضحا في ضم كوادر وكتاب من نفس المجتمع والبيئة، إلا في بعض الحالات التي ندر وجودهم في تخصص ما، فيتم حينها اللجوء إلى كادر من خارج الولاية. فالكوادر المحلية هي التي كانت تقوم بالعمل وإدارة حلبة العطاء وكتبهم هي الأكثر بروزا وهم أكثر فهما للمشاركين من نفس الولاية والبيئة.
بعد هذه التجربة الواقعية والتي خضت قبلها تجارب عديدة في عملية النشر في الوطن العربي عامة وفي السلطنة بالخصوص ومنذ اكثر من عشرة أعوام، لم أعد اسأل لماذا بعض كتاباتنا لا تلامس الإبداع؟ ولماذا بعض كتابنا لا يواصلون فعل الكتابة؟ ولماذا يعتزل بعض مبدعين ساحة العطاء؟و لماذا ولماذا.. أسئلة كثيرة وجدت لها أخيرا إجابات.. ولكني ايضا احنيت رأسي فخرا واحتراما لكتابنا العرب على استمرارهم وابداعاتهم رغم كثرة العقبات ..و حينها قلت: لك مني كل التقدير والاحترام أيها الكاتب العربي.. وأتمنى أن.. نعيد النظر!