“كم هي جميلة بلادي” أقولها في كل مساء حينما تعانق عيناي زرقة السماء وانعكاساتها على تموجات ماء البحر الممتد على تلك الرمال الناعمة ليشكلها في أكثر من صورة ولون! أقولها حينما تنعكس تلك الإبداعات اللامتناهية في كل يوم على قرنية عيني فتنبلج عنها صور تضاهي الخيال في رونقها ويعجز اللسان عن وصفها.
فصور البحر في صمته وهدوئه يأسرني كما أن هدير الموج وعلوه يلهمني! تلك هي إبداعات رب العالمين الذي تعالى عن كل نقص.
هذه الصور المبدعة اكتملت مع خطط البلدية الحالية في تخضير المنطقة المحاذية للشاطئ. فبدأ ظهور العشب الأخضر على امتداد الشاطئ ليشكل مرفأ يلجأ إليه المواطن والوافد والسائح حيث الرمال والمياه والاخضرار. هناك تجدد الأسر بجميع أطيافها هممهما والشباب نشاطهم والأطفال خيالهم والرياضيون تدريباتهم وأولئك الذين استهوتهم رياضة المشي وجدوا فيها حلبتهم والهواة جاؤوا بعدساتهم أو ريشهم او أقلامهم. هناك حيث تتكلم تلك الصور عن عمان وجمالها وبهائها ورونقها.
إلا أن ما يشوب تلك المناظر الخلابة غياب بعض الأسس والقيم التي طالما عرفناها وحافظنا عليها جيلا بعد جيل! أتذكر حينما كنا صغارا، كانت الاسرة تصطحبنا الى سيح المالح.. وسيح المالح هي المنطقة الوحيدة التي كانت مزودة بألعاب الأطفال والتي عمرتها وقتذاك شركة نفط عمان! في تلك المنطقة، رغم أن اكثر روادها كانوا من الغربيين إلا انه كان يمنع السباحة فيها إلا وفق اسس ومعايير تحترم عادات وتقاليد شعبنا العربي المسلم الأصيل. وهكذا منذ تلك الفترة نشأنا على فكرة أن شواطئنا يغمرها الأمان والأمن وأن هذه الصور البهيجة التي حبا الله تعالى بها عماننا هي لنا ولكننا نشارك فيها زوارنا والسائحين في وطننا بالتمتع بها وفقا لقيمنا وعاداتنا وديننا! ففي شهر الله المبارك الأكل جهارا في النهار غير مسموح، وهذه قيمة تربينا ونشأنا عليها منذ صغرنا وما زلنا نربي أولادنا عليها. والسباحة بالملابس التي لا تتناسب مع قيمنا وديننا وعاداتنا كانت من الممنوعات.. لأنها تضر وتمس أصالة الوطن وقيمه. هذا ما تعلمناه.. ولكن ومع الاسف، لقد طال المساس قيمنا تلك ولحق ضرر بالغ بها على سواحلنا.. والسبب هم مسؤولونا القائمون على الشأن السياحي!
أتذكر عند دراستي في الولايات المتحدة في جامعة يوتا، كانت هناك بعض القيود على النساء والرجال على السواء في طريقة اللبس عند استخدام المسابح الخاصة بالجامعة. إنها جامعة في دولة غربية وتدين بالدين المسيحي إلا ان قيمهم وقوانين الجامعة لا تسمح للمرأة بالسباحة بملابس فاضحة جدا ولا للرجل بذلك اللباس الضيق والقصير في المسابح العائلية. هذه القيم احترمت من قبل الجميع. وحينما أرادت النسوة المسلمات في الجامعة يوما مخصصا لهن .. لبت الجامعة طلبهن في عدم السماح للرجال بالدخول أو التواجد حول المسبح، وحتى النوافذ المطلة على المسبح من الطبقات العليا كان يسدل عليها الستار، كل ذلك كان انطلاقا من أنها قيم إنسانية وقيم الإنسان لا بد أن تحترم وتقدر! المساس بهذه القيم الإنسانية للشعوب هو مساس بكرامة الشعب وتقاليده. لكننا نرى أن هذه القيم تنتهك وبكل سهولة على شواطئنا العمانية وذلك لعدم حرص المسؤولين في تقييد وتثقيف السائح بضرورة احترامها! عدد كبير من الصور التي نمر عليها ونحن نستمتع بالمشي على شاطئ القرم، الا اننا نقف عاجزين على معرفة ما ينبغي علينا ان نفعله؟ فبينما يحاول البعض الاتصال بالشرطة، يحاول البعض الآخر اظهار استياءه للسياح موضحين لهم تارة بأن مشيهم بملابس السباحة بأجسادهم العارية مخالف لقيمنا، وأخرى بأنه لا يجوز لهم الأكل علنا في شهر رمضان المبارك.
كل ذلك من غير دعم من السلطات المختصة لمسعاهم.. فتبقى مساعيهم مساع فردية ناقصة! وتلك الإهانات المتكررة من قبل السياح سواء جهلا او قصدا تتواصل. ومع الاسف الشديد، هؤلاء السياح الذين وجدوا مرتعا جميلا على شواطئنا لم يكفهم مياه ذلك البحر الجميل، بل أصبحوا بعريهم يمشون على الممشى ويفرشون أنفسهم على العشب الاخضر محتكرين كل ما لدينا من خير لأنفسهم، ومن غير وضع اية اعتبارات لقيمنا.. إنها قيمنا التي يتم المساس بها على أرض وطننا.. بل إنها مبادئنا التي يستهتر بها من قبل القائمين على الشأن السياحي!
هناك العديد من المواقف التي حدثت معي شخصيا مع بعض السياح. فقد كان البعض متفهما بينما الآخرون كانوا ينظرون إلى بازدراء.
واحدة من تلك المواقف كانت حين استوقفت واحدة من النسوة العاريات وبدأت حديثي معها سائلة اياها ان كانت بلدي قد اعجبها، واي من المناطق زارت.. ومن ثم قلت لها: نحن نرحب بكم في عمان لكننا نجد ان مشيها بملابس السباحة لا تتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا.. ونشعر انها تهيننا! وبكل رحابة صدر وتقدير تفهمت الرجاء، وقالت: هذه آخر مرة أكون على الشاطئ بهذا الوضع. عموما لم أعرف ان كانت هي آخر مرة لها ام لا.. لكن ما تيقنت منه هو تقصير المسؤولين والمعنيين في توضيح قيم مجتمعنا العربي والاسلامي للسائحين. اما في المرة الثانية فكانت تجربتي مختلفة تماما.. بدأت حديثي بالروح المرحبة نفسها مع مجموعة من السياح، ثلاث نساء وثلاثة رجال وهم بلباس السباحة والذي كان يقتصر على تلك القطعتين الصغيرتين بالنسبة للنساء والرجال بقطعته الفاضحة التي تخدش الحياء، وهم يتجولون على تلك البقعة الخضراء المخصصة للأسر. قلت لهم: "بما أنكم هنا للسباحة والاستمتاع بمياه البحر فالأفضل ان تكونوا قريبين من الشاطئ لأن هذه الأماكن مخصصة للاسرة.." ولكن بدلا من الشكر في استضافتنا لهم.. كانت نظراتهم المصرة على البقاء والاستهانة بقيمنا آلمتني فعلا! أليس هذا البلد بلدنا.. السنا مطالبين باحترام قوانينهم وقيمهم أثناء سفرنا وترحالنا الى أراضيهم.. لكن العتب كل العتب على المعنيين بالشأن السياحي لتقصيرهم في توضيح الأمور للسياح التي تجعلهم أكثر ترحابا في بلد عربي ومسلم له قيمه وعاداته وتقاليده التي لا بد للغريب من احترامها. مع الأسف، عدم الاحترام او الاعتناء بهذه القيم لم تقتصر على شواطئ مسقط العاصمة، وانما امتدت الى تلك الوديان والمناطق السياحية حيث ما زالت القيم في صلابتها والعادات والتقاليد في عنفوانها، أليس لنا في تلك السياحة من مكان ونصيب ونحن أصحاب البلد؟... هل تم اقتصارها على أولئك السياح الذين يمعنون في المساس بقيمنا الدينية؟ أم أن ذلك بسبب اولئك المعنيين بالشأن السياحي الذين لا يرون للعماني والمسلم أية حرمة ولا قيمة؟ ألم يأن الأوان أن تسن قوانين وأنظمة واضحة ويتم تثقيف السياح بها ليحترموها باعتبارها قيمنا واخلاقياتنا؟ فالسياحة هي التمتع بما حبانا الله بها من نعم واتاحة المجال لعباد الله الشعور بهذا الاستمتاع. السياحة تعني ابراز القيم والثقافة والتراث والمساهمة بتعريف الآخرين بأننا نفتخر بقيمنا وثقافنا واساءتهم لها لا يمكننا احتمالها! إذا أردنا من الآخرين أن يحترمونا فإن علينا نحن أن نحترم تراثنا وقيمنا وذواتنا.. هكذا تعلمنا!.. فلندع عيوننا تعانق صفاء السماء وأرواحنا تسبح في أمواج بحارنا اللامتناهية من غير ان يكدر صفوها تلك الصور البشعة الغريبة عن أرض هذا الوطن.. فلنعد النظر!