السبت، 24 مارس 2012

الرواية العربية الى أين؟

عند التجول في أروقة معرض الكتاب يواجهك ذلك الكم الهائل من الروايات التي تتصدر معظم نشرات دور النشر ورفوفها. هذا الكم الهائل من الروايات العربية ...

عند التجول في أروقة معرض الكتاب يواجهك ذلك الكم الهائل من الروايات التي تتصدر معظم نشرات دور النشر ورفوفها. هذا الكم الهائل من الروايات العربية الصادرة لروائيين عرب تشعرك بمدى الاهتمام الذي يوليه أولئك الكتاب والمؤلفون للشباب والفتيان، فهم الفئة الأكثر انجذابا للرواية، لكون الرواية من الأدب الأكثر استمتاعا ويسرا في القراءة. كما أنها الطريق الأنجع لتوصيل فكرة أو عرض مشكلة اجتماعية أو سياسية أو غيرها من قضايا المجتمع والشباب والامم.
ومن خلال رصدك لهذا الكم الهائل من الروايات والكتب تشعر باسترخاء بأن ابنك أو ابنتك سوف لن يحتاجا إلى بذل جهد كبير للحصول على كتاب جيد يسد وقت فراغهما بقضايا تهم الوطن والامة.
فعلى المستوى العالمي هناك العديد من القضايا التي من الممكن أن تعالج من خلال هذا الأدب الراقي مثل قضايا الفقر المستشري في افريقيا والبطالة والأمية والقتل الجماعي على أسس طائفية وعرقية والإرهاب وتأثيرات طبقة الأوزون على الأرض، والأسلحة الفتاكة التي غدت مصدرا للحروب، والصراع على الثروات الطبيعية التي تحولت إلى بلاء على الشعوب، والآثار المدمرة لوسائل الاعلام على الأمم وثقافاتها، والعبث بالبيئة والطبيعة التي يحول جمال الطبيعة إلى مدن اسمنتية تلبية لعوامل التحضر. وعلى المستوى الوطني والفردي فها هي شواطئنا ساحة احيانا لتلك الاجسام العارية التي لا تشعر بأدنى حرج في الظهور بمظهر ضد عادات وتقاليد ودين الشعب والسكوت عنها ضرورة بحجة الترويج للسياحة! والثقافة الاجتماعية التي بدأت تتلاشى بسبب آثار الزحف غير المخطط للمدنية، وتحويل بعض من تلك الشواطئ إلى شوارع مشتتين بذلك البنية الاجتماعية والثقافية لتلك الفئة الاجتماعية، وضياع الشباب وتأثير المخدرات ووسائل الاعلام، ونقص في فرص العمل والتعليم، والانغماس في الكماليات، وتأثير القوى العاملة الخارجية على بيوتنا وأبنائنا، ونمو روحية الاستهتار بالمال العام وعدم الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية، واستبعاد الكفاءات الوطنية أحيانا وتجميدها إلى غيرها من الامور التي لا حصر لها. والكثير من القضايا على مستوى الأمة العربية والإسلامية وحتى العالمية التي يخالك أنها تقض مضاجع أولئك الكتاب الذين يحملون هموم الامة!
هذا الوضع المأساوي في عالمنا يدعونا إلى الإيمان بأن هذا الكم الهائل من الروايات لا شك ستتناسب مع هذا الكم الهائل من المشاكل الاجتماعية والانسانية التي نحتاج إلى توجيه أذهان الشباب اليها. فالأمة التي لا يحمل شبابها هم تطويرها أمة بلا شك آيلة إلى هلاك.
يُذكر أن ظهور الرواية في العالم العربي في بداية نشأتها كان من الأمور المستهجنة في ظل انشغال المثقفين في ميدان النضال السياسي ضد المستعمر والإصلاح الاجتماعي. ويحكى أن الأستاذ محمد حسين هيكل لم يضع اسمه على روايته الأولى التي عنونت باسم «زينب». إلا أن تطور الرواية وتقبل الناس لهذا الاسلوب الأدبي لما فيه من مرونة في مخاطبة مختلف الفئات، كان من العوامل التي لربما ساهمت في إعادة طباعة رواية هيكل ونشرها تحت اسمه بدلا من اسم الفلاح الذي نسبت إليه عند ظهورها الأول.
وهذا التطور في تقبل الفن الروائي من قبل النخب المثقفة زادت من أهميتها وبدأت تجد لها ميادين شتى لنشر القيم ومعالجة مختلف القضايا خصوصا في ظل الأوضاع السياسية لبعض الأنظمة الدكتاتورية. حيث وجد الكتاب والحريصون على بلورة قيم الحق والعدالة في الرواية متسعا لأفكارهم وآرائهم الفكرية المخالفة للقيم السائدة. وفي مثل تلك الأجواء الخانقة التي كان يعيشها العربي، كان القارئ للرواية يجد من يخاطب فكره وروحه وعقله ويغذيه بقضايا وهموم الأمة والإنسان. لكن..
لكن هذا الكم الهائل من الروايات التي تجدها بين أروقة المعرض وأجنحته تفتقر الكثير منها (إن لم يكن معظمها) إلى ملامسة حاجات الناس وقضاياهم. وهذا الافتقار ازداد فقرا بسبب التقصير في عملية التصنيف. ففي بعض البلدان الغربية كأمريكا على سبيل المثال حينما ترغب في اقتناء رواية فيمكنك أن تستهدي من خلال التصنيفات في اختيار الرواية المناسبة من حيث المحتوى والمستوى. فهناك روايات بوليسية وأخرى رومانسية وغيرها من التصنيفات.. وأيضا تقسم حسب الفئات العمرية.
وهذا التقسيم والتصنيف يساعد القارئ على أقل تقدير في حسن اختيار الرواية التي تتناسب مع ذوقه وتوجهاته. أما في عالمنا العربي، فمع الأسف الشديد، إن معظم الروايات تفتقر إلى أي تصنيف بجانب أن أغلبها يطغى عليها الحالة الرومانسية المشوهة والمواقف الجنسية المبتذلة.
إذن.. فانطباعاتك الاولى في أن أبناءنا سوف لن يحتاجوا إلى جهد كبير للحصول على كتاب يتناسب مع ميولهم، سرعان ما يتبدد ويتلاشى.
وبدلا من ذلك يسكن الخوف مكانه من تلك الاختيارات التي قد تقود إلى كتاب يصف تلك المرأة المتمردة على قضايا مجتمعها وقيمها الإنسانية من خلال إهدار كرامتها. أو تقودك إلى شراء كتاب يحكي قصة ذلك الشاب الذي يجد له في الملاهي الليلية ملجأ وفي نساء الليل مأوى بدلا من سكنه وزوجه!
هذا الكم الهائل من الروايات التي تعرض أفكارها ضمن أطر مبتذلة أو تجعل كل تركيزها على هذا السرد القصصي المنحل من القيم تدعوك للتساؤل عن السبب في تصوير المرأة على هذا النحو وكأنه لا هم لها سوى اشباع رغباتها الحيوانية؟ ولماذا اختصرت جميع تلك المشاكل العالمية لتنحصر في هذه المشاكل الاباحية ليتم نشرها والكتابة حولها بتفصيل يقزز القارئ؟ أهي دعوة للانعتاق من قيمنا وعاداتنا من خلال استباحة عرض هذه الصور غير المستساغة أمام شبابنا وشاباتنا؟ أم هي محاولة داخلية ينعتق من خلالها الكاتب من بيئته وعاداتها وتقاليدها؟ أم هي محاولة لتحقيق الذات وكأنها من أقصر الطرق إلى الشهرة؟ حدثني احد رواد المعرض أن احد الناشرين حين سألته احدى الشابات عن كتاب رواية لتقتنيه رد عليها: هل تعتبرين نفسك قارئة متمردة؟ لا اعرف ما هو تعريفه للقارئ المتمرد! لكنني اجد ان كل كاتب يحاول ان يجعل من بطله متمردا.. وتمرده يتجلى من خلال القيام بأعمال من خلف الستار مضادة للقيم والاخلاق الانسانية التي تدعو إلى الشرف والكرامة! الملاحظة الأكثر غرابة أن هذا الفن الرخيص (ان صح تسميته بفن) الكثير منه يتصدر قوائم الكتب الفائزة في المسابقات الأدبية في العالم العربي. فهل هي دعوة لهذا النوع من الكتابات... فلنعد النظر!.