الأحد، 16 أبريل 2006

مساحة بين سؤالين

طرح الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقاله المنشور في جريدة “الخليج” بتاريخ 26/3/،2006 سؤالاً مهماً وهو: “أين العرب في ذكرى احتلال العراق؟” فعلاً لم نعرف ما هو موقع العرب والمسلمين ...

 

طرح الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقاله المنشور في جريدة “الخليج” بتاريخ 26/3/،2006 سؤالاً مهماً وهو: “أين العرب في ذكرى احتلال العراق؟” فعلاً لم نعرف ما هو موقع العرب والمسلمين في ذكرى احتلال دولة عربية ومسلمة. لم نعرف إلى الآن ما هو موقعنا من هذه الحرب التي أصبحت تحصد النفوس والأرواح وكأنها تقول لنا: إنكم أيها العرب لا ثمن لأرواحكم ولا قيمة لأنفسكم. والأبشع من ذلك انها غرست فينا أسباب احتقار ذواتنا بحيث أصبح تكفير وقتل الآخر ليس عملاً جائزاً فحسب وإنما عملاً واجباً.    أين نحن في ذكرى احتلال العراق؟ سؤال يطرح في الشرق، لكن السؤال الذي يطرح في الغرب هو: أين الحرب العراقية في مناهجنا الدراسية؟ يقول محرر مجلة (Journal of Curriculum and Supervisor) الدكتور ديفيس: إن هذا السؤال ليس جزءاً من استبيان نطرحه، وليس المقصود منه انتقاد ممارسات المعلمين المجدين ومرهفي الحس. وإنما الهدف من هذا السؤال الموجه للمعلمين وقادة المدارس يتمثل في معرفة قراراهم بأهمية تدريس الحرب العراقية، حتى يتمكن الطلاب من فهم هذه الحرب التي لبلدهم شأن فيها.

وقد أشار الدكتور إلى الكثير من الأخبار الإيجابية التي وصلت إلى الأمريكيين عن الحرب في أيامها الأولى والتي كانت معظمها تحاول طمأنة التوقعات الأمريكية من نتائج الحرب. وهذه التوقعات (حسب ما أشار ديفيس) كانت تنساب من ذكريات الحرب العالمية الثانية والتي انتهت إلى هزيمة كاسحة للنازيين وانتصار الحلفاء وحليفهم الاتحاد السوفييتي. ويضيف ان هذه الحرب الجديدة (في العراق) نقلت أحداثها حية وبالألوان لتعكس القدرات العالية للجيش الأمريكي وملاحم الجنود الأمريكيين البعيدين عن ديارهم وحركتهم السريعة في القتال، وشجاعتهم في حماية وطنهم. ويضيف انه لم يرد خلال تلك الأيام الأولى من الحرب غير القليل من الأخبار السيئة. ومن المشاهد المثيرة ظهور الرئيس الأمريكي على ظهر إحدى حاملات الطائرات ليعلن وبصورة استعراضية انتصار الولايات المتحدة في الحرب. ثم يوضح ديفيس ان المشهد قد تغير فجأة.. تغير المشهد السابق الذي لوحظ تغيره في البدء من قبل الجنود الأمريكيين وحلفائهم في داخل العراق إلى مشهد آخر، حيث تحولت جميع العناصر حتى الموالية للولايات المتحدة، تطالب ببناء عراق جديد. ثم يكمل الدكتور واصفاً وضع العراق ومشاعر الأمريكيين تجاه هذه الحرب التي كانت تهدف إلى وقاية الأمريكيين من الخطر، الا أنها الآن من المحتمل ان تسبب في ظهور مآس كمثل التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر/ايلول.

ويسترسل ديفيس مستفسرا: “في مثل هذا الوضع المعقد والمثير، يكون طرح هذا السؤال البسيط في غاية الأهمية: أين تقع الحرب العراقية في مناهجنا الدراسية لهذا العام؟ أو بصيغة أخرى، ماذا يتعلم طلابنا في المدارس الأمريكيه عن هذه الحرب خلال هذا العام؟ هل تحتل الحرب أهمية خاصة في المدارس الأمريكيه أم انها غائبة عن الأذهان؟”

ثم يوضح انه رغم ان حروب القرن العشرين كان لها حضورها القوي في المناهج الدراسية، إلا أن الإجابة عن هذا السؤال سوف تكون “ان الحرب العراقية احتلت اهتماماً قليلاً جداً”. ثم يستعرض الدكتور ديفيس بعض الأفكار والأنشطة التي من المفترض ان تقدم للطلبة لكي يفهموا أبعاد هذه الحرب وذلك من قبيل إعطاء معلومات عن الحرب وأسبابها، معلومات جغرافية عن العراق وأسماء المدن والأنهار التي تقع في العراق، وعن نفط العراق ووضعه الاقتصادي، والفهم الجيد للثقافة العراقية، وعن طبيعة العقيدة الإسلامية التي يعتنقها الشعب العراقي، وتأثير الحرب في العوائل سواء في داخل العراق أو خارجه، وغيرها من الأمور.

لكني أتساءل: ماذا يعرف أبناؤنا الطلبة العرب والمسلمون عن هذه الحرب؟ هل يشعرون بأنهم جزء من هذا الكيان الذي أصبح ممزقاً؟ أليست هذه الحرب هي من الحروب التي لها آثار جوهرية في حياتنا؟ ماذا يعرفون عن العراق شعبا وتاريخا ومجتمعا؟ أم أن الامر كما قال البعض: لماذا ينبغي علينا أن نؤذي مشاعر صغارنا وهم ما زالوا في مقتبل العمر؟

يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقاله: “العواصم التي خرج منها الاحتلال تقود التظاهرات الصاخبة، وأبناؤها يستنكرون وينددون ويطالبون بإنهاء الاحتلال ووضع حد للعدوان غير المبرر بينما الشعب العربي يجتر الهوان في صمت..”. ويتساءل: “أين العرب (نحن) في ذكرى احتلال العراق؟” سؤال يطرح في الشرق، لكن السؤال الذي يطرح في الغرب هو: أين الحرب العراقية في مناهجنا الدراسية؟ هناك مساحة واسعة بين هذين السؤالين. من خلال السؤال الأول نحاول أن نكتشف أبجديات الذات حتى نتمكن من التعامل مع الآخر، وهذه هي قصة الصغير الذي يحاول معرفة ذاته حتى يتمكن في خطوة تالية من التعرف إلى العالم الذي من حوله. أما السؤال الثاني فينطلق من الذات التي تحركت من الأنا إلى الآخر في حركة واعية لما في الوجود من ذوات تحتاج إلى أن تتكاتف في وحدة كونية انطلاقاً من الهّم الإنساني الواحد.

 

fa_anwerk@yahoo.com