الأربعاء، 4 مايو 2011

معاني الاستثمار

كثيرا ما يتم تداول كلمة الاستثمار والاستثمارات، خاصة في واقعنا المعاش الذي علت فيه نسبة الباحثين عن عمل عالميا. فاصبح الكل متجها نحو الاستثمار. وكلمة الاستثمار ....


كثيرا ما يتم تداول كلمة الاستثمار والاستثمارات، خاصة في واقعنا المعاش الذي علت فيه نسبة الباحثين عن عمل عالميا. فاصبح الكل متجها نحو الاستثمار. وكلمة الاستثمار تستخدم غالبا في مجالات التجارة حيث يكون الربح والخسارة هما العاملان المحركان للمستثمر. والمستثمر يركز على عامل الربح المادي في العملية التجارية التي يقوم بها من أجل استثمار رأس ماله. ونادرا ما تجد التاجر أو المستثمر معنيا بالقيم والمبادئ. واذا ما قمنا بمسح لرؤوس الأموال المكدسة عند معظم التجار سنجد أن نصيب أكثر من 70% منها متحقق من غير مراعاة للشرع أو للقيم. وهذا ما حذر منه الحديث الشريف "التاجر فاجر ما لم يتفقه". واذا ما قلبنا صفحات المعجم فان كلمة "استثمار" والمنشقة من كلمة "ثمر" التي تعني حسب المعجم "ظهر ثمره.. نضج وكمل.. ويقال: ثمر ماله أي كثر.." و"استثمر المال أي ثمره.. والاستثمار هو استخدم الاموال في الانتاج.." فالكلمة كما اسلفنا استخدمت في المجال العملي في المال بشكل عام الا في حالة بسيطة مثل "ثمر قلبه". ولكن كلمة الاستثمار بدأ استخدامها اصطلاحيا في مجال التعليم.
فمصطلح الاستثمار في التعليم لا يقارب العملية المادية من المصطلح وانما يتعداها إلى الانسان والذي هو رأس مال المؤسسة التعليمية ليتم الاستثمار به بشكل يتناقض مع الاستثمار المالي. فالاستثمار في الانسان يعني نقص في المال على المدى القصير في المقابل تكون للكفاءات والامكانيات التي سوف تعود بنفعها على الأمة والوطن. والاستثمار في المجال التعليمي هو هدف الأمم التي ترى في تربية وتعليم الإنسان الربح الحقيقي الذي لا بد أن يصبو إليه الجميع. من هنا فإن الدين الاسلامي كان يضع المعلم في خانة الرسل لأنهم يقومون بنفس الدور التأهيلي والتعليمي للانسان. هذه الفلسفة التربوية العالمية في النظر إلى المعلم والمؤسسات التعليمية على أنها خنادق نضال سامية هي التي أوجدت فكرة أن التعليم لا بد أن يكون ضمن تصور "المؤسسات غير الربحية". فجميع الدول التي نضعها تحت خانة الدول المتطورة تضع المؤسسات التعليمية حتى الخاصة منها تحت بند المؤسسات غير الربحية. والمؤسسات غير الربحية هي التي لا تقوم بتوزيع أرباحها على المالك أو الملاك بل تستخدم تلك الارباح (إذا تحققت) كعامل إضافي من أجل تحقيق أهدافها. من هنا فإن مصطلح المدارس الخاصة الربحية مصطلح مبهم بعض الشيء عند الدول الغربية التي تجد أن المؤسسة التعليمية بشكل عام يجب أن لا تكون ربحية.
إن تجاهل هذا المنحى السامي للمدارس في بعض الدول وتشجيعهم لأصحاب رؤوس الاموال على فتح المدارس الخاصة الربحية يدلل على تنصل الدولة من مسؤولياتها في تعليم أبنائها وإلقاء تلك المسؤولية على عاتق التجار. وفي الوقت ذاته فإن انخفاض مستوى التعليم في مدارس التعليم الحكومي يشجع الوالدين المتمكنين ماديا على التوجه نحو المدارس الخاصة كل حسب مستواه. وبسبب انخفاض الخدمات المقدمة من قبل القطاع التعليمي الحكومي فإن المدارس الخاصة بدورها لا تجد تحديا يلزمها على الرقي بالمدرسة وتقديم خدمات أفضل أو الاستفادة من الأرباح الناتجة في تحقيق أي من أهدافها (هذا إذا وجدت لهم أهداف غير الربح ذاته). ومع الأسف الشديد، فإن المبالغ الباهظة التي تصرف من قبل الوالدين من أجل توفير تعليم أفضل لأبنائهم لا يقابلها إلا سوء في مستوى الخدمات التعليمية بشكل عام. فالمدارس الخاصة لا ترى لها من منافس والتجار الذين يتحكمون بهذه المدارس لا يرون أي ضير في زيادة استثماراتهم. أما مفهوم الاستثمار في المدارس الخاصة دون تقييدها ضمن مؤسسات غير ربحية مفهوم أعرج ولا يرتكز إلا على عقلية ضيقة تتناقض مع القيم والمبادئ الإنسانية. فلنعد النظر.