الأحد، 1 مايو 2011

لماذا الأجنبي و الوافد أولا ؟ (3)

إلحاقا بالمقالين السابقين ، بدأت جذوة التساؤلات تنخر شغاف مخي بعلامات استفهام متعددة. لماذا الأجنبي و الوافد أولا ؟ ما الذي يدعو المسؤولين من تقديم غير العماني سواء كان وافدا ...

نشرت بجريدة الرؤية (غير متأكدة من التاريخ) 2011
إلحاقا بالمقالين السابقين ، بدأت جذوة التساؤلات تنخر شغاف مخي بعلامات استفهام متعددة. لماذا الأجنبي و الوافد أولا ؟ ما الذي يدعو المسؤولين من تقديم غير العماني سواء كان وافدا أو أجنبيا على العماني؟  بالتأكيد إنها ليست الخبرة فقط ، فإذا كان نقص الخبرة فعلا هو  العذر فهل وضع المسؤول العماني خطة عمل من أجل رفع خبرة العمانيين في مؤسسته حتى يتم الاستغناء عن الأجنبي؟ هل تم وضع خطة زمنية بحيث نضمن من بعدها إيجاد عمانيين كفووئين للقيام بتلك المهام؟  ابسط مثال ، لماذا نرى في بعض المؤسسات خصوصا المصرفية منها أن بعض المنسقين ما زالوا من غير العمانيين ؟ ألسنا قادرين في إعداد منسق من هذا العدد الهائل من الشباب للقيام بعملية التنسيق و الطباعة خصوصا أن رواتب تلك المؤسسات عاليه مقارنة برواتب الخدمة المدنية؟ لماذا ما زالت معظم مؤسساتنا التعليمية تضم نسبة كبيرة من الوافدين و الأجانب مع كثرة المؤهلين و أصحاب الشهادات الذين ما زالوا يبحثون عن عمل أو عمل أفضل؟ و لماذا يتجرأ  وافد ليقول للعماني "ليس للعمانيين أولوية في التعيين على غيرهم في جامعة السلطان قابوس" و حينما ينقل ذلك الحديث إلى المسؤول  لا يهتز و لا يحرك ساكنا؟
رغم إن الولايات المتحدة تستقطب بشكل كبير الكفاءات الخارجية إلا إن عملية تعيين أية كفاءة من الخارج تخضع للكثير من المعايير. فقبل عملية تعيين أي شخص غير أمريكي ينشر إعلان عن العمل، فإذا تقدم أمريكي لتلك الوظيفة  فهو أولى من غيره ، أما في حالة عدم وجود أمريكي بنفس تلك المواصفات فإن تعيين غير الأمريكي في كثير من الأحيان يكون براتب أقل من الأمريكي ! فصاحب البلد من المفترض ان تكون له الأولوية.. و لكن حينما تسمع هذا الكلام من وافد قدم إلى بلدك للعمل و أصبح هو الذي يمن به عليك ، فلا يسعك إلا أن تقول "لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم".
هناك عدد من الفرضيات التي يمكن الاستناد عليها لتفسير اعتمادنا على غير العماني. الفرضية الأولى تتمركز على أسلوب التعيينات في بعض من مؤسسات الدولة. مع الأسف الشديد ، بعض من هذه المؤسسات أصبحت تعرف بأنها غدت مثل قطاع عائلي بسبب العدد الهائل من أفراد نفس تلك العوائل الذين تم توظيفهم في تلك المؤسسات. ليس هناك من اعتراض إذا تمت عملية التوظيف وفق معايير سليمة و لم تتدخل بها النزعات الذاتية و لم يتم  استبعاد الآخرين الذين لهم الأولوية  أو إلحاق الضرر بهم. لكن حينما تتم عملية التعيين بأسلوب المحاباة و وفقا لمعايير غير عادلة فإن ذلك يقود إلى نتيجة إن هؤلاء الأشخاص الذين تم تعيينهم ممن هم غير كفووئين لا يسدون أي نقص سوى الفراغ الذي وجد فهو على الكرسي الذي يجلسون عليه و لكن يبقى عطاؤهم قاصرا عن سد أي عجز . من هنا تلد  الحاجة الى من لديه الكفاءة لسد الاحتياجات ، و ليس لديه مانع في تغطية نقص ممن على الكرسي.. فمن يكون يا ترى؟
الفرضية الاولى تقود إلى فرضية أخرى و هي عدم أهلية المسؤول  و كفاءته. و عدم الأهليه تارة تكون بسبب التعيين الخاطئ أو وضع المسؤول في المكان غير المناسب أو بسبب طول الفترة التي قضاها المسؤول في نفس المنصب بحيث فقد القدرة على العطاء . و إذا كان هذا المسؤول أستاذا جامعيا فهو بحاجة إلى عدد من البحوث ليظل يترقى. أما إذا كان المسؤول وزيرا أو كيلا أو مديرا عاما فهو بحاجة إلى كفاءة ما تستر عليه عيوبه  و تحمل عنه إصر و تبعات عدم فهمه أو تفقهه في أمور مهنته. و حينما يصاب البعض بداء الترقيات السريعة فكيف يكون قادرا على استيعاب ما يدور من حوله في الوقت الذي يحاول ان يخلق توازنا بينه و بين نفسه لاستيعاب كل هذه المستجدات المتلاحقة في حياته. فهنا هو بحاجة الى من يشد أزره دون خوف من ان يتقلد احد مكانه أو يستولي على كرسيه !
الفرضية الأخيرة  فإنها تتمحور حول فكرة جوهرية و هي : المواطنة الصالحة. إن فكرة المواطنة الصالحة لا تنبع من فراغ ، إنها ممارسات مزروعة في ذات و كيان الفرد. و هذه الممارسة تغدو عدوى في المجتمعات ففي حالة انعدامها تؤثر على الباقين بدرجات متفاوتة و في حالة سريانها فإنها تجري في الدماء الطيبة بكل صلابة. عند انعدام هذه المواطنة الصالحة فإن افراد الوطن الواحد يغدون اغرابا ، الكل يهرول نحو مصلحته الذاتية ،  أنا و ابن عمي على الغريب و انا و أخوي على ابن عمي.  و حين تكون هذه الفكرة في اقل درجاتها أو انعدامها عند المسؤولين فما دونهم يقتدون بهم. و حين يصبح الواحد منهم وزيرا أو مسؤولا و هو في الأمس القريب كان يقول و خوفا على مكانته "لا يهمني" من الطبيعي ان لا نتوقع تغييرا جذريا سوف ينال تلك المؤسسة. يقول الكاتب فهمي هويدي  في إحدى مقالاته  مستعرضا قصة وطنية امرأة مصريه " تلقى مدير فرع أحد المصارف في مصر الجديدة اتصالاً هاتفياً من سيدة أبلغته فيه بأن في حسابها الشخصي أربعة آلاف دولار أمريكي وترغب في تحويلها إلى جنيهات مصرية، أثار الطلب دهشة الرجل الذي كان يعرفها جيداً، فقال لها إن كثيرين في الظروف الراهنة يحولون مدخراتهم من الجنيه المصري إلى الدولار تحسباً للطوارئ. و لكنها ردت عليه قائلة إنها لهذا السبب تحديداً تريد أن تفعل العكس. إذ تريد أن تقوي الجنيه المصري ولا تضعفه . فوجئ الرجل بما سمعه فلم يتمالك نفسه، وجفف دمعة سقطت من إحدى عينيه. "
الوافد و الأجنبي يمكن أن يكونا من المصادر التي تغني البلد بثقافتهما و خبراتهما إلا إن عدم الوعي و التماهي بالاعتماد على كفاءات غير وطنية و إعطاءهم الصلاحيات و الامتيازات العالية مستصغرين بذلك شأن العماني من الممكن أن تقلب الأمور لغير الصالح العام و تضر بمصلحة الوطن. فلنوقظ هذه المواطنة الصالحة أو ليقصى من منصبه من هو غير لائق بحمل مسؤولياته!