السبت، 10 نوفمبر 2018

أدب الاطفال بين التشابه والانتحال (قصص الدكتور سو)


اتخذ النقد في مجال أدب الأطفال في الدول العربية موقفا خجولا. وقلما نجد من يتصدى لنقد الكتابات في مجال أدب الأطفال بشكل واضح وصريح ومدروس. ولعل ذلك يعود الى عدم تقبل الوسط الثقافي أو الأدبي للنقد واعتباره من قبل البعض انتقاصا من المؤلف، مما أوجد توجسا لدى النقاد...


اتخذ النقد في مجال أدب الأطفال في الدول العربية موقفا خجولا. وقلما نجد من يتصدى لنقد الكتابات في مجال أدب الأطفال بشكل واضح وصريح ومدروس. ولعل ذلك يعود الى عدم تقبل الوسط الثقافي أو الأدبي للنقد واعتباره من قبل البعض انتقاصا من المؤلف، مما أوجد توجسا لدى النقاد في الكتابة الناقدة في مجال أدب الأطفال.  هذا التوجس عند النقاد أدى الى نقص كبير في المقالات التي تتصدى لكشف التشابهات والانتحالات في الأعمال المنشورة في مجال أدب الأطفال. ولعل من المقالات القليلة التي نشرت بشكل واضح وجريء في الأونة الأخيرة هو مقال للكاتبة دينيس أسعد تحت عنوان "الترجمة في أدب الأطفال العربي قصة "الشجرة المعطاءة" نموذجا، الذي نشرته على صفحتها في"الفيسبوك" بتاريخ 6 يونيو2018  بعد أن اعتذرت إحدى المجلات عن نشره.  ومقال حديث للدكتورة فاطمة أنور اللواتي حول القصة التي فازت بجائزة اتصالات لعام 2018    وفيلم هندي والذي نشر في مدونتها بتاريخ  31أكتوبر 2018.


هذا الشح الكبير في مجال النقد لأدب الاطفال جعل بعض الكتاب يغامرون في كتابة قصص تشابه قصصا عالمية كما أوردت الكاتبة دينيس أسعد في مقالها حول عدد من الكتاب الذين ترجموا وعرضوا قصة "الشجرة المعطاءة" من غير الإشارة إلى القصة الأصلية ومؤلفها. كما أن الخطوة التي قامت بها الكاتبة هدى الشاعر في منشورها بتاريخ 1 يونيو2018 في "الفيسبوك" ، بتسليط الضوء على قصة منشورة في مجلة ماجد تحت عنوان "الحجارة الكريمة" في شهر مايو 2018، موضحة فيه وجه الشبه بينها وبين قصة سندريلا العالمية. خطوة الاستاذه هدى الشاعر تعتبر خطوة أخرى بجانب بعض الخطوات التي قام بها الكاتب مصطفى عثمان في صفحته في "الفيسبوك" بإلقاء الضوء على عدد من القصص التي وجدها متشابهة مع أو منتحلة من قصص عالمية. وفي منشور للكاتبة أمامة اللواتي بتاريخ 1-6-2018 على صفحتها في "الفيسبوك" عرضت بعض التشابه بين كتابات انتجتها دور النشر العربية وأفلام عالمية. و حثت الكاتبة دور النشر على مشاهدة أفلام الأطفال العالمية لأنه –كما عللت– يوجد تشابه بين القصص التي ينشرونها وتلك الأفلام، وحسب رأيها "لا يعد العمل بذلك أصيلا من وحي الكاتب إلا إذا أشار (الكاتب) إلى العمل المستوحى منه فكرة القصة". 

 

 وتعد هذه المبادرة والمبادرات التي ذكرتها  أعلاه –رغم انحصارها بين دفتي صفحات "الفيسبوك" (إذا صح التعبير)– غير موثقة بشكل واضح في الطرح، مبادرات أولية نحو تأسيس نقد واضح وصريح أو كشف عن أوجه الانتحال والتشابه بين ما ينشر في أدب الاطفال في العالم العربي وبين الأدب العالمي. وبعيدا عن طرح الكاتبتين دنيس أسعد وهدى الشاعر، فإن طرحي الكاتب مصطفى عثمان والكاتبة أمامة اللواتي  اقتصرا على ذكر التشابه من غير إيراد أدلة أو عرض ومناقشة مواقع التشابه بين القصص المنتحلة أو المتشابهة والنصوص المنتحل منها أو التي تشبهها. 

 

ولعل هذه الالتفاته من الكاتبة أمامة اللواتي حول أصالة القصص شجعتني في عرض بعض التشابة بين بعض قصصها وقصص عالمية. ويختلف نسبة التشابه بين قصة وأخرى إلا أن القصة الأكثر وضوحا وتشابها  هي قصة "البيت العجيبت الغريب"، من إصدارات دار أصالة والتي فازت بجائزة "جمعية الكتاب والأدباء في مجال أدب الأطفال في عام 2016، بقصة الكاتب العالمي المعروف (دكتور سوDr. Seuss ) بعنوان:Did I ever tell you How lucky you are?، 

 

القصتان: الأولى للدكتور سو تحت عنوان "هل قلت لك كم أنت محظوظ؟" والقصة الثانية للكاتبة أمامة اللواتي تحت عنوان "البيت العجيب الغريب" يحملان عددا من أوجه الشبه تتمثل في المحاور التالية: 

 

المحور الأول: الفكرة

تتناول كلتا القصتين نفس الفكرة وهي فكرة القناعة والرضى وذلك بمقارنة ما عند الشخص من نعم بما عند الآخرين لمعرفة كم هو هذا الشخص محظوظ. وتشابه الفكرة  –بحد ذاته– لا يعتبر تعديا على حقوق الآخرين وإن كانت فكرة الدكتور سو متميزة بالإبداع  والجودة والندرة. فيحق لأي كاتب آخر تناول نفس فكرة قصة الدكتور سو باسلوبه الإبداعي لزرع الشعور عند الطفل بأنه شخص محظوظ وليغرس لديه القناعةوالرضى بالواقع الذي يعيش فيه. 

 

المحور الثاني: بداية القصة 

تبدأ قصة الدكتور سو بطفل يتحدث عن نفسه فيقول : (حينما كنت صغيرا.. قابلت رجلا كبيرا  “old” .. وغنَّى لي أغنية لن أنساها..). قال ذلك الرجل للطفل:"حينما تفكر أن أموراً سيئة.. وحينما تشعر.. وحينما تبدأ تشعر بالحزن إفعل ما أفعله..: قل:" إنك فعلا محظوظ .. فبعض الناس أقل حظا منك". بداية مشابهة لبداية الدكتور سو بدأتها الكاتبة أمامة في قصتها: "جاءت ((سحر))الصغيرة تشتكي من بيتها المتواضع.. قال لها الحكيم المبتسم: لا تحزني يا سحر العزيزة... بيتك حقا صغير، لكنه أكبر من بيت صديقتك عبير".كلتا القصتين بدأتا بطفل أو طفلة يتحدث مع شخص كبير أو حكيم.. وكلتا القصتين اعتمدتا أيضاأسلوب السجعأو Rhyme.

 

المحور الثالث: المعالجة القصصية

اتسمت المعالجة القصصية في كلتا القصتين بتقديم نماذج لمن هم أقل حظا من الطفل. فعلى غرارأسلوب الدكتور سو الذي عرض لأمثلة متنوعة لأناس أقل حظا من الطفل لإقناعه، انتهجت الكاتبة أمامة الأسلوب ذاته لحل مشكلة الطفلة سحر وإقناعها بأنها أوفر حظا من الآخرين. ولأن تطور أحداث القصتين ليس تطورا تصاعديا في حلحلة عقدتيهما بل تطورا أفقيا، فإن الحبكة تطلبت تنويعا في أمثلة القصة لتغيير فهم الطفل لمفهوم السعادة "الحظ". ومن أجل ذلك نوع  الدكتور سو في الأمثلة التي تسهم في تحقيق التغيير وركز على 19  مثالا. أما الكاتبة أمامة  فقد طرحت في قصتها خمسة أمثلة لتحقيق ذات الهدف.

 

 يقدم الدكتور سو للطفل عددا من الأمثلة يختمها بعبارة لتذكره بحظه الجميل بعد كل مثال تقريبا. فمن الأمثلة التي يقدمها للطفل ليشعره بالسعادة والرضى بما عنده، أنه ليس ممن يعمل على بناء جسر فتواجهه الكثير.. الكثير من الصعوبات.  و أنه ليس مثل ذلك الشخص الذي يسكن في بيت ٍغرفة ُنومه في إحدى المرتفعات العالية هنا، بينما حمامه يقع في مرتفع عال هناك، وأنه ليس مثل (كاكي كاون) الذي يعيش 90 ميلا خارج المدينة، وانه ليس مثل (إحدى الجوارب) التي تم نسيانها وأنه ليس مثل شخص تم نسيانه ليعيش في إحدى الأماكن الوردية، وأيضا يجب عليه ان يشكر لأنه ليس مثل (السيد بيكس الفقير) الذي عليه أن يسيتيقظ كل صباح ليصلح.. وإنه محظوظ لأنه لا يجب عليه أن يصعد الجمال.. و.. و.. وبهذه الطريقة الجميلة –طريقة ألأمثلة المتعلقة بالآخرين الأقل حظا منه– يقدم للطفل عددا من المعوقات والصعوبات التي تنتاب الآخرين ممن هم أقل حظا منه،  وأيضا يقدم له بعض المعلومات الجميلة عبر الأمثلة. وهكذا تتكرر الأمثلة التي تشعر الطفل بأنه أكثر حظا من كثيرين غيره. 

و بعيدا عن المقارنة بين نوعية  وجودة و أسلوب الأمثلة ، طرحت الكاتبة أمامة أمثلة على غرار أمثلة الدكتور سو حيث أنها جعلت "سحر" تقارن نفسها بصاحب الأذرع العديدة الذي سريره أوسع من ملعب كرة القدم ويشتكي من ضيق المساحة. و أنها ليست كالعم قمر الذي يعيش في قصره المنيع الذي يجعله يشعر بالبرد بسبب حجب أسوار القصر عنه "ضوء الشمس ودفء الربيع". ثم تواصل الكاتبة قائلة:  "أنت الأوفر..حظا من سكان مدينة "الكبريت" حيث ينام مئة من الأقزام في صندوق مطلي باللون الوردي..".  ثم تواصل "دعينا لا ننسى "سفر" الرجل العجوز، الذي يجب أن يعبر خمسة وديان...ليصل الى ناقته.." التي على قمة أخرى من الجبل. وعلى نفس تلك الوتيرة التي ينهي الدكتور سو كل مثال مذكرا الطفل بحظه الجميل،تبدأ الكاتبة أمامة في بعض الأمثلة بتذكير الطفلة "سحر"بحظها الجميل و لكن في بداية المثال. وبهذا كان هناك تشابه كبير في معالجة الكاتبة أمامة بأسلوب معالجة الدكتور سو لحبكة القصة. 

 

االمحورالأخير: خاتمة القصة 

ختم الدكتور سو قصته  بنصحية يقدمها الرجل العجوز (الحكيم) الذي عركته الحياة بالتجارب للطفل قائلا له: لا تنزعج فبعض المخلوقات أقل حظا منك.. وعلى غرار ذلك ختمت الكاتبة أمامة قصتها على لسان الحكيم: "لا تحزني من بيتك صغير، وتذكري دوما حظك الوفير...".  


هذا التشابه الواضح بين القصتين يجعلنا نشعر بفقدان قصة الكاتبة أمامه اللواتي "البيت الغريب العجيب" أصالتها  ولا يمكننا أن نلوم القارئ إذا ادعى بأن قصتها بهذا التشابه الواضح يمكن اعتبارها بنفس ما عبرته الكاتبة في منشورها السابق الذكر:"لا تعتبر .. من وحي الكاتب"، خاصة وأن الكاتبة لم تذكر بأنها استوحت أو بنت قصتها على غرار قصة الدكتور سو. صحيح أن نوعية الأمثلة التي أوردتها الكاتبة لا تتطابق كليا مع أمثلة الدكتور إلا أن القارئ يستطيع أن يرى التشابه بين كتابة الدكتور سو أسلوبا و سجعا وبين قصة "البيت العجيب الغريب".وهنا نسأل الكاتبة كم تأثرت قصتها الأخرى (بعنوان "عطسة حمزة" من اصدارات دار العالم العربي) بقصة أخرى للدكتور سو حول عطسة نحلة ، بعنوان  

Because a Little Bug Went Ka-Choo”