الجمعة، 11 يناير 2019

مسيرة الشورى -1- صوتي أمانة

 يعيش مجتمعنا العماني هذه الأيام على امتداد أرض الوطن حدثا هاما يمر كل أربعة أعوام. إنها تجربة ديمقراطية يتاح خلالها للمواطن أن ينتخب من يمثله في مجلس الشورى. ورغم ان الشعور السائد....         


         يعيش مجتمعنا العماني هذه الأيام على امتداد أرض الوطن حدثا هاما يمر كل أربعة أعوام. إنها تجربة ديمقراطية يتاح خلالها للمواطن أن ينتخب من يمثله في مجلس الشورى. ورغم ان الشعور السائد عند شريحة كبيرة من المواطنين بعدم فعالية المجلس، إلا أن ذلك لا يقلل من حجم الاهتمام الكبير الذي يبديه أبناء الوطن تجاه المجلس. هذه التجربة الوطنية الرائعة تكسب الناخب والمرشح مختلف المهارات والخبرات وتتيح لهما أيضا ممارسة بعض واجباتهما.

         لقد حدد الشارع العماني عددا من الشروط التي تكفل للناخب حرية اختيار ممثله في مجلس الشورى. وهذه الشروط يمكن اختصارها في عمر الناخب وكونه من أبناء الولاية أو المقيمين بها. ولله الحمد، فإن المجتمعات والشعوب في منطقتنا وصلت إلى درجة من الوعي جعلها تدرك بأهمية العملية الانتخابية بحيث أصبح التنازل عن حقها الانتخابي مقابل المغريات أمرا غيرَ وارد وربما مستحيلا. إلا أن هذا الوعي والحرص على هذا الحق الانتخابي قد يصبح أحيانا عرضة للخدش.
  
         لقد اعتادت مجتمعاتنا العربية على المحافظة على وعودها والالتزام بكلمتها. وهذا دليل رقي المجتمعات وسمو أخلاقها من حيث الأساس. فالوفاء بالوعد والعهد يُعد من الأمور الأساسية في حياة الإنسان. ولكن هل يمكن لإنسان ما أن يتعهد لأحد بعدم الذهاب إلى طبيب؟ أو نعاهد شخصا على عدم صون الأمانة؟ أو.. أو ... فهناك أسس منطقية تحكم تعهداتنا ووعودنا واتفاقاتنا مع الآخرين. فحينما نتحدث عن الحرية والديمقراطية في انتخابنا لأعضاء مجلس الشورى فنحن نرتكز هنا على قيمة أساسية وهي أن "صوتنا أمانة". فالأمانة تقتضي منا أن نجاهد من أجل المحافظة على وضع صوتنا في الموقع المناسب وذلك بانتخاب من هو أهل لحمل مسؤولية جسيمة كالتمثيل في مجلس الشورى. 

         العملية الانتخابية تقوم على أمر أساسي يتمثل في أن الناخب يمارس حقه في انتخاب الشخص المناسب والملائم ليمثله في أروقة البرلمان أو في مجلس الشورى. وكلمة الانتخاب في المعاجم اللغوية تعني: "انتخب الشَّيءَ أي نخبَه و اختاره، وانتقاه، فيقال: انتخب الحبوبَ " و في علم الأحياء تعني: "اختيار أحسن الأنواع والأنماط من الحيوان أو النبات عالية الصفات لاستعمالها في التناسل والحصول على نتاج أفضل". 

         من هنا ندرك أن عملية الانتخاب تعني بأننا ننتخب من هو أهل للمهمة والقادر على أدائها بإتقان.  فالانتخاب المثمر يأتي من انتخاب أفضل شخص يمثلنا ليصل بنا الى ما يحقق أهدافنا. فحينما ننتخب أفضل الأنواع أو الأنماط من فصيلة النباتات فنحن نهدف الى أن نحصل على ثمار نستلذ بها عند قطفها. وكذلك حينما ننتخب فعلى أمل أن يكون الشخص الذي ننتخبه سيبهرنا بثماره اليانعة ومنجزاته النافعة. 

         من جانب آخر تتسم عملية الانتخاب أو الاختياربالحرية وعدم التقيد بما يحد من تلك الحرية. فالناخب لابد أن يكون حرا في قرار انتخابه فيختار من يراه مناسبا من حيث الكفاءة والقدرة وإمكانية تمثيله في الأمور المتعلقة بالمجلس. وحدود هذه الحرية تقوم على فهم عميق للمواصفات والمعايير التي يجب أن يتسم بها المرشح والتي تختلف من زمن إلى آخر وأيضا من مجتمع إلى آخر. فرغم أن الترابط الاجتماعي أمر مهم وجميل، ومراعاة أواصر القربى والصداقة والجيرة وما شابهها تعد من سمات المجتمعات المتطورة إلا أنها لا ينبغي أن تكون عائقا في سبيل ترسيخ أسس وقيم أخرى. وانطلاقا من مستوى أخلاقنا التي ترتكز على مراعاة العهود والوفاء بالوعد والالتزام بالكلمة، فإننا ينبغي علينا أيضا أن نحافظ على قيمة هامة وهي "صوتي أمانة". فالوعود التي نقطعها قبل شهور من موسم الانتخابات لهذا المرشح أو ذاك حتى قبل الاطلاع على السيرة الذاتية لجميع المرشحين أو توجهاتهم البرلمانية، فإننا نضع شعارنا "صوتي أمانة" في موضع التساؤل. فكيف يكون صوتي أمانة وأنا أمنحه لشخص لا أعرف توجهاته البرلمانية ناهيك عن قدراته وإمكاناته؟

         أخيرا، الاكتفاء بالتصويت وحده قد يسهم في بروز مثل هذه الممارسات التي تجعل الفرد يتقيد بتعهده بالتصويت لمرشح دون غيره. وهذه الآلية قد لا تفرز الأفضل أو الاكفأ إذا كانت قائمة على وعود مقطوعة من قبل شريحة من الناخبين والمثل يقول: "من سبق لبق". ولكن حينما يكون "صوتي أمانة"، وأتمكن من وضعه في موضعه بكل حرية ومقدرة ومن غير الشعور بأي قيد يمنعني من ممارسة دوري الانتخابي بكل تروٍٍ وحصافة، وقتها أستطيع أن أجني ثمارا يانعة، وأقول بكل صدق: "صوتي أمانة".. لهذا، لابد أن نعيد النظر!