الثلاثاء، 1 مارس 2016

الأم في قصص الأطفال العربية


الأم محور من المحاور الأساسية في حياة الطفل. و أدب الطفل لا يمكن أن يتجاهل دور الأم في القصص الموجهة للطفل باعتبارها محورا من المحاور...



نشر المقال في مجلة التكوين 
العدد الخامس
مارس 2016


الأم محور من المحاور الأساسية في حياة الطفل. و أدب الطفل لا يمكن أن يتجاهل دور الأم في القصص الموجهة للطفل باعتبارها محورا من المحاور التي يعتمد عليها الطفل في مختلف مراحله العمرية. فكلما كان الطفل أصغر سنا كان دور الأم أكبرَ في حياة الطفل. فالأم هي مصدر غذاء الطفل الأول كما أنها منبع أمنه و أمانه.

لم يتجاهل أدب الأطفال الأم، فقد ظهرت في قصص الأطفال على هيئات مختلفة. فالأم هي الحامية والموجهة والراعية سواء كانت من صنف البشر أو من صنف الحيوانات. و لا يفرق الطفل القارئ بين الأم من فصيلة الإنسان أو الأم التي تظهر على شكل أم الدب الصغير أو أم الطير الوحيد الذي أضاع طريقه. فالطفل القارئ يتفاعل معها و يستوعب أهميتها و دورها و اهتمامها لذلك الطفل (بطل القصة) الذي يتقمص هو دوره سواء كان إنسانا أو حيوانا أو طيرا. ويبدو أن دور الأم في القصص العربية بشكل خاص يتركز على جوانب محددة مهملا بعض الأدوار الأساسية الأخرى للأم في حياة الطفل وذلك وفق دراسة بسيطة لا يمكن إغفالها.
  
لقد تطرق عدد كبير من الكتاب العرب إلى دور الأم في قصصهم، ابتداء من القصص العربية المستمدة أحداثها من التراث العربي والتي هي من أكثر القصص التي لا يغيب فيها دور الأم بل يكون محوريا. ففي قصة من التراث الشعبي للكاتبة لطيفة بطي بعنوان "نصف الأظفر" ظهرت الأم كخادمة تعمل في البيوت من أجل الحصول على الرزق الذي يكفيها هي و وزوجها الذي كان يعمل أيضا في رعي الأغنام. وفي الأدب الحديث أخذ دور الأم يتبلور قليلا بعيدا عن خدمة الناس إلى خدمة أفراد أسرتها.  قصة "أمي تحب الفتوش" الفائزة بجائزة الاتصالات لعام 2014 للقاصة إيفا كوزما واحدة من القصص التي أشارت إلى الأم المضحية في إسعاد الآخرين. تبدأ القصة: "قطعت أمي البندورة الحمراء، و قطعت الخيار الأخضر الطويل. قطعت الخس الطويل.." و هكذا تواصل البنت مظهرة الخطوات التي تتبعها الأم في صناعة الفتوش. ثم وجهت الأم الدعوة لأفراد الأسرة و الجيران للاستمتاع بأكل الفتوش. إلا أن الأم لم تذق بنفسها منه شيئا. وانتهت القصة بإدراك البنت قوة العطاء لدى الأم بقولها: "عندما كنت صغيرة كنت أحسب أن أمي لا تحب الفتوش. و الآن كبرت و فهمت أن أمي تحب الفتوش كثيرا ولكنها تحب العائلة و الجيران أكثر". يتكرر نفس الدور للأم في قصة "البطيخة" للكاتبة تغريد النجار. يقول الراوي في هذه القصة: "في يوم ما جلست نورة لتناول وجبة الغذاء مع عائلتها. وضعت ماما ملوخية و دجاجا في صحن نورة".

الدور الآخر الذي ظهرت به الأم في أدب الطفل العربي هو دور المرشدة والموجهة. ففي قصة "خط أحمر" للكاتبة  سمر محفوظ، ظهرت الأم في القصة كموجهة للطفل وهي تقول: "الوطن خط أحمر، لا يمكن لبلد آخر أن يحتل أرضه، فيه بيتنا و عائلتنا...".  وفي موضع آخر يقول الطفل: " ردت ماما: عندما أقول لشيء أنه خط أحمر يعني ممنوع أن نقترب منه...". في قصة "أنا و ماه" للكاتبة ابتهاج الحارثي، الفائزة بجائزة اتصالات لعام 2015 تظهر الأم مرة أخرى كموجهة و مخففة من معاناة الطفل بسبب افتقاده لجدته. فتقول من ضمن حديثها المتواصل مع الطفل: "ردت عليَّ ماما: " لا يا عزان، لكن كانت لـ ماه طقوس خاصة عندما تستعد للنوم، هل تذكرها يا عزان؟". في قصة "مريم في الطوي" للكاتبة فاطمة أنور اللواتي تستنجد الطفلة التي سقطت في البئر (الطوي) بأمها "مريم تبكي و تنادي أمها: أمي .. أمي. لكن لا أحد يجيبها، لا أحد." وفي قصة هدى الشاعر "لا أريد إن أنام" تستنجد الطفلة بأمها بعد أن قامت الأم بعدة أدوار، ابتداء من تغذية الطفلة ثم وضعها على فراشها و تمنت لها ليلة سعيدة، إلا إن مخاوفها من الشبح استمرت فسألت أمها:"ماما هل تنامين عندي حتى لا أخاف ثانية؟"

يقسم هرم ماسلو احتياجات الإنسان إلى خمسة أنواع. و تتدرج من الاحتياجات الأساسية اللازمة لبقائه كالاحتياجات الفسيولوجية ثم احتياجاته للأمان والاحتياجات الاجتماعية إلى إن تصل إلى احتياجه إلى تقدير الذات. و بملاحظة أدب الطفل العربي فإننا نلاحظ أن دور الأم ينحصر في الاحتياجات الأولية التي بحتاج إليها الإنسان كحاجته للغذاء و الأمن. وظهور هذه الأدوار للأم في القصص الموجهة للأطفال لأمر جيد، إلا أنتا نفتقد حضورها في تلك القصص ككاتبة أو معلمة أو مهندسة أو طبيبة. إن تجاهل أدب الأطفال لتلك الأدوار الاجتماعية للأم يعتبر نقصا و تجاهلا لدورها الذي لا يقل أهمية من دورها في البيت. لعلنا نحتاج إلى تكثيف الجهود في إظهار هذه الأدوار الهامة للأم. إنها رسالة جميلة يترعرع الطفل عليها ويدرك أن أمه كما أنها تهتم باحتياجاته الفسيولوجية فهي أيضا لديها قدرات في تقديم الكثير لأجل وطنها ومجتمعها. إنها أيضا تلك الكاتبة و الطبيبة و المهندسة و المعلمة التي يتعلم منها الطفل و يقتدي بها!