الثلاثاء، 15 يناير 2019

مسيرة الشورى -2- كيف نحافظ على حرية صوت الناخب؟

   التجربة الديمقراطية التي تأسست في السلطنة قبل سنوات عديدة وهي على أعتاب دورتها التاسعة ساهمت في لفت انتباه الناس إلى أهمية أن يكون لكل ولاية ممثل أو ممثلان في مجلس الشورى ينتخبونه أو ينتخبونهما. وهذا الاهتمام....


            التجربة الديمقراطية التي تأسست في السلطنة قبل سنوات عديدة وهي على أعتاب دورتها التاسعة ساهمت في لفت انتباه الناس إلى أهمية أن يكون لكل ولاية ممثل أو ممثلان في مجلس الشورى ينتخبونه أو ينتخبونهما. وهذا الاهتمام ينبثق من الإيمان بأن هذا الممثل سوف ينقل همومهم من نطاق ضيق إلى موقع ظاهر للعيان على مرأى ومسمع من أبناء الوطن. ومن أجل ذلك فإن الممثل الذي يستطيع نقل تلك الهموم التي تُعنى بالمواطن ومطالبه المحقة ومناقشتها تحت قبة المجلس ينبغي أن يكون متحليًا بمنظومة قيمية تتعدى هموم ذاته ومصالحه الشخصية.

         المرشح الذي يتطلع إلى أن يسهم تحت قبة مجلس يمثل الشعب بكل أطيافه يجدر به في مسيرته هذه أن يبدأ في ترسيخ بعض القيم في ناخبيهم، وقبل ذلك العمل على ترسيخها في نفسه... منها قيمة النظر والتفكير والحرية والعمل من أجل الشعب وغيرها من القيم. ولهذا فعلى بعض الراغبين في الترشح ألا يقعوا في مصيدة بعض الممارسات الاجتماعية التي ينبغي أن يسعى إلى تطويرها نحو الأفضل. وبعض هذه الممارسات أصبحت متأصلة رغم تنافيها وتعارضها مع طموحات المجلس التي تنطلق من المشورة والتشاور.

           إن على الراغب في الدخول إلى مجلس الشورى النظر في الأمور وفهم حيثياتها والتعمق فيها، وعدم سحب البساط من تحت رجلي الناخب بحصره ضمن وعود والتزامات تسلبه حريته. لا بد للمرشح حينما يتواصل مع الناخب أن يكون مستعدالعرض توجهاته البرلمانية وقناعاته، وتقديم سيرته الذاتية بأمانة. هذه الأمور ستساعد الناخب على فهم الشخص الذي سيتعامل معه ويمثله في مجلس الشورى. وهذه الأمور رغم أهميتها لا تكفي ولا تفي بالغرض إذا لم يردفها بإعطاء الناخب حرية الانتخاب والاختيار. إن سلب تلك الحرية عبر مطالبة الناخب بأن يرشحه ولا يرشح أحدا سواه يجرد العملية الديمقراطية والانتخابية من روحها والتي هو مقبل عليها. إن أهمية إعطاء الناخب الحرية في الاختيار تتساوى مع أهمية إعطائه فكرة حول دور الممثل في المجلس وحول دور المجلس في منظومة الوطن. 

          لدى التحدث مع الناخبين المحتملين، ستجد - مع الأسف- أن الكثير منهم ملتزمون منذ عدة شهور أو أسابيع مع راغب للترشح أو آخر. وهذا الالتزام يجعلهم محرجين حتى بالتحدث مع راغب آخر بالترشح، أو طرح أسئلة أو الاستفسار عن دور المرشح أو سيرته الذاتية. ويقال أن معظم الملتزمين مع مرشحين لا تهمهم معرفة التوجهات البرلمانية للمرشح أو قناعاته أو سيرته الذاتية بقدر اهتمامهم بأن الشخص "إنسان جيد وصالح". الصلاح والاستقامة والتواضع الاجتماعي جميعها صفات وقيم مطلوبة في المرشح لكنها صفات عامة ومطلوبة في أي مواطن صالح. فهل نكتفي بهذه الصفات فيمن يُنتظر منه أن يساهم في سن قوانين وتشريعات للوطن وغيرها من الواجبات المتعلقة بدور المجلس؟

          الممارسات غير المحبذة التي تُسهم في سلب الناخب قيمة صوته تتعارض مع دور الشورى. فبعض هذه الممارسات تسهم بشكل كبير على تأصيل هذا النوع من التصرفات. فحينما ترتكز العملية الانتخابية على التصويت فقط من غير وضع معايير مدروسة بعناية لتصنيف المرشحين من أجل اختيار الأفضل والأكفأ، حينها فقط تبرز هذه الممارسات المخالفة لروح العملية الديمقراطية. من جميل ما سمعت عن إحدى ولايات السلطنة أنه يتم اختيار المرشح فيها وفق آلية تقوم على التعرف على مؤهلات المرشح وسيرته الذاتية سواء على الصعيد العلمي أو المجتمعي، ثم تتم مقابلة المرشح من قبل لجنة مكونة من مجموعة مختارة من الكفاءات من قبائل مختلفة للتعرف على إمكانات وقدرات المرشح لخوض غمار صولات وجولات المجلس. وأخيرا يتم حصر المرشحين الأكفاء لخوض غمار العملية الانتخابية بعرض رؤاهم ومناقشتها مع الناخبين ليحدد كل ناخب في النهاية المرشح الذي يراه مناسبا، فيصوت له. 

     كيف للناخب أن يمنح صوته من غير معرفة قدرات مرشحه وتوجهاته البرلمانية؟ أعجبتني إحدى الناخبات حينما قالت لأحد المرشحين: توجهاتك البرلمانية وسيرتك اللتان عرضتهما شجعتاني على إعطائك صوتي. فمن أجل أن يسير الوطن في العملية الانتخابية بحرية، فعلى المرشح إدراك أن صوت الناخب أمانة... فلا يُكبلن صوته، ولهذا يجب علينا أن نعيد النظر!