الثلاثاء، 22 يناير 2019

مسيرة الشورى -3- المرأة ومجلس الشورى


هناك في الحياة حقائق نغفلها ليس لعدم وضوحها بل لأسباب مختلفة. من تلك الحقائق دور المرأة في مجتمعاتنا. لن أكرر القول في أن المرأة نصف المجتمع فمثل هذه الحقائق لا حاجة لها الى الإعادة. إنها حقائق نعيشها ...


هناك في الحياة حقائق نغفلها ليس لعدم وضوحها بل لأسباب مختلفة. من تلك الحقائق دور المرأة في مجتمعاتنا. لن أكرر القول في أن المرأة نصف المجتمع فمثل هذه الحقائق لا حاجة لها إلى الإعادة. إنها حقائق نعيشها ونراها من حولنا، فلكل رجل امرأة ولدته وللكثيرين منهم أخت تقاسمه جمال طفولته وزوجة تشاركه حياته وابنة يتوسد حضنها.

كلما اقترب موعد اختيار أعضاء مجلس الشورى برزت معه دعوات لاستبعاد المرأة عن المنافسة لعضوية المجلس وفق رؤية ممنهجة. وهذه الرؤية تبرز لعدة أسباب منها عدم الفهم لدور عضو مجلس الشورى، أو الالتزام ببعض الفتاوى التي صدرت من بعض رجال الدين والتي تعتبر معظمها من التاريخ الماضي، وأخيرا، لضيق الأفق عند فئة من الناس التي لا تستسيغ وصول المرأة إلى المجلس. ولكن تاريخنا الإسلامي و واقعنا الوطني هو خير مدرسة لنا لتقديرالمرأة وإعطاءها دورها الاجتماعي والسياسي في مختلف صُعد الحياة.  

نالت المرأة الكثير من حقوقها في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقفزت مكانة المرأة من كونها عار إلى كونها شريكة الرجل في أمور الدين والدنيا. فخير أنبياء الله (صلوات ربي عليه وآله) كان أبا لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) والتي كان يبجلها ويقدرها ويسميها بـ "أم أبيها". وفاطمة هي أم السيدة زينب بطلة كربلاء التي شهدت أكبر فاجعة مر بها التاريخ الإسلامي، ضربت خلالها أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام. وهناك الكثير من النساء ممن سطرن دروسا مميزة في تاريخنا. وفي بلدنا الحبيب نالت المرأة معظم حقوقها وتساوت مع الرجل في التوظيف والتعليم وغيرها من الحقوق والواجبات. وهناك نماذج نسائية كثيرة في شتى المجالات بدءً من الشعر والأدب والتعليم، مرورا بالعلوم كالطب والهندسة وانتهاء بمواقع قيادية في إدارة البلد.


أما بالنسبة لما يشاع عن الفتاوى، فهناك آراء لعلماء ومراجع عظام معاصرين لنا تنسف الآراء السلبية تجاه المرأة وتؤكد على أحقيتها لممارسة أدوارها المختلفة. وهناك الكثير من رجال الدين الذين تتصدر المرأة دوائرهم في مواقع استشارية او تنفيذية ناهيك عن العدد الكبير من النائبات في برلمانات مختلف الدول الإسلامية. 

أما إذا تحدثنا عن عدم مقدرة المرأة على القيام بدور عضو مجلس الشورى، فيجب علينا إعادة قراءة دور عضو مجلس الشورى. والمجلس بحد ذاته وُجد لكي يضمن حقوقا عادلة للمواطن ذكرا كان أو أنثى في التعليم وفي الصحة وغيرها من الأمور الحياتية عبر الرقابة على مؤسسات الدولة. أما التواصل وإقامة العلاقات مع أبناء القبائل الأخرى، فنحن ولله الحمد نعيش في دولة تنعم المرأة فيها بحرية التنقل والسفر. وفي واقعنا الحالي الذي يتميز بالتداخل الكبير والصلات العميقة بين أبناء الوطن، فالمرأة العمانية لا تقل شأنا عن أخيها الرجل في تأصيل أواصر التمازج والتواصل مع نظيراتها من القبائل المختلفة. وهذه الواجبات الاجتماعية لا تنحصر في عضو المجلس وانما هو واجب اجتماعي يقع على عاتق أي إنسان من أجل التواصل مع أخيه حسب استطاعته وقدرته. إن العلاقات الطيبة التي يعقدها أعضاء المجلس تحت قبة المجلس وبين اللجان المختلفة من أجل فهم احتياجات الناس والتباحث في كيفية العمل من أجل تحقيقها هي من الأدوار المهمة التي تحتم على عضو مجلس الشورى المحافظة عليها والعمل على تفعيلها بكل ما أوتي من جهد وإمكانات. 

وأخيرا، إن التركيز الكبير على أننا مجتمعات ذكورية هو أمر خاطئ، ومن المخجل أن تصدر هكذا تعابير من أناس متعلمين ورواد في المجتمع. نحن مجتمعات مسلمة تأصلت تعاليم الدين الحنيف فينا لتأخذ بأيدينا بعيدا عن الجاهلية العمياء. المجتمعات الذكورية هي تلك المجتمعات التي تئد المرأة وتسلبها حقوقها ودورها الذي أقره لها الدين من جانب والدولة من جانب آخر. إن فكرة المجتمعات الذكورية هي فكرة خاطئة تخالف قوانين بلدنا الذي ساوى بين المرأة والرجل في معظم الأمور. هذه التوجهات الخاطئة هي مخالفة لما يتوقعه منا القائد الحكيم لهذا الوطن الذي أعطى للمرأة حقها في التعليم والتوظيف والعمل والترحال وغيرها مع بداية عهده الزاهر، ولن يرضى جلالته أبدا أن تتعرض المرأة لهذا الظلم والإجحاف... فلكل ذلك يجب علينا أن نعيد النظر!