الأحد، 16 سبتمبر 2012

أزمة الإداري..بين النظريات الحديثة والممارسات

شدتني الأوضاع الراهنة في معظم القطاعات الحكومية لأبحث عن أهم الأسباب التي وضعت القطاع الحكومي في أغلب أركانه قطاعا غير منتج قياسا بحجم الميزانيات الموضوعة له... 

http://main.omandaily.om/node/108976


شدتني الأوضاع الراهنة في معظم القطاعات الحكومية لأبحث عن أهم الأسباب التي وضعت القطاع الحكومي في أغلب أركانه قطاعا غير منتج قياسا بحجم الميزانيات الموضوعة له. و في الواقع أن معظم المؤسسات الحكومية التي تعاملت معها لا تعاني نقصا في الموارد البشرية أو الميزانيات المرصودة أو ضعفا في كفاءات العاملين فيها أو في ابداعاتهم وابتكاراتهم أو رغبتهم في العطاء. إنها تعاني بشكل أساسي من وضع أشخاص غير مناسبين في مواقع لا تتلاءم مع قدراتهم. وهذا لا يعني أن شخصا غير مؤهل علميا فقط يقوم بعمل لا يتناسب مع اختصاصاته بقدر ما يعني أن الخلل الواقع في هذه المؤسسات يتمحور في أن بعض الأشخاص الموضوعين في موضع الإدارة تنقصهم الكثير من السمات ليكونوا إداريين ناجحين.

في علم الإدارة والذي لا أدعي فهمي أو علمي فيه إلا كمتابعة وملاحظة من جهة وقارئة من جهة أخرى، في هذا العلم، يتم الفصل بين نوعين من الإدارة: الإدارة التقليدية والإدارة الحديثة أو ما تسمى بـ (القيادة). الفرق بين هذين النوعين من الإدارات لا يبرز فقط في نوعية الشخصية المديرة ومؤهلاتها أو فهمها لعلم الإدارة أو وضوح أهدافها من عدمها وإنما بجانب هذه الأمور فإن جوهر الخلل في معظم هذه المؤسسات يكمن في كيفية وصول تلك الشخصيات إلى المواقع التي هي عليها.

هناك بون شاسع من الاختلافات والقدرات والإمكانات بين الأشخاص. فالله سبحانه وتعالى خلقنا بقدرات وطاقات مختلفة. وهذا الاختلاف بين البشر هو نعمة يراد منها المساهمة بتطوير الحياة وتقدمها وفق أسس ومعايير تتخذ من الإتقان والإبداع والابتكار والتجديد والعطاء والعدالة وكل المعاني الجميلة في الحياة محركا لها لحياة أفضل. إلا أن هذه الاختلافات حينما لا يتم استثمارها بأسلوب إيجابي يتناسق مع معطيات الواقع تكون نتائج ذلك هو ما نشهده في معظم مؤسساتنا الحكومية، ومع الأسف الشديد.

الكثير منا يحاول جاهدا بإلقاء اللوم على الموظف الصغير أو اتهامه بعدم الرغبة في العمل والاستهانة بواجباته ومسؤولياته أو عدم فهمه وإدراكه لما يجري من حوله، وهكذا تجد عشرات العلل والأسباب لوضع ذلك الموظف الصغير موضع الاتهام. صحيح أن هناك من الموظفين بغض النظر عن درجاتهم، صغرها أو كبرها ، يقعون تحت هذا البند أو غيره لكن العلة الأساسية ليست دائما في الموظف بل يكمن في أحايين كثيرة في النظام الإداري نفسه.

إن بعض الأنظمة الإدارية تكرس الكثير من العلل خصوصا في الإدارات التقليدية. فجوهر الإدارة التقليدية ليس قائما على الكفاءة أو القدرة بقدر ما هو مسير وفق العلاقات الشخصية والمكانة والقرابة والصداقة وغيرها من المعايير السطحية غير المتماسكة. فقد تجد التعيينات في المواقع الإدارية تتم وفقا لعلاقة ذلك الشخص مع المسؤول الكبير، فلا يتم الإعلان عن الوظائف الشاغرة ، وبالتالي اتاحة المجال للتنافس البناء وإنما تصدر القرارات بنقل فلان من منصب معين لآخر أو ترفيع فلان من باحث إلى مدير أو مدير عام من غير مقدمات صحيحة. فليست هناك معايير عادلة تسير وفقها عمليات النقل أو الترفيع تلك. وهذا يرجع في أن هذه الإدارات التقليدية بمختلف مستوياتها تقوم على الخلط بين بيئة العمل والعلاقات الاجتماعية. فالعلاقات والصداقات والمعارف كلها تلعب دورا فاعلا في تسيير الأمور والحصول على المميزات، فكم من شخص وجد أن آماله تحققت بمجرد ما أصبح صديقه أو أخوه أو قريبه في موضع القرار. وصدق المثل القائل: "اللي بيده القلم ما يكتب لنفسه الشقى".. هذا من جهة. من جهة أخرى، فإن هذه الإدارات التقليدية أيضا لا تستطيع ان تميز بين افكارها ومصلحة العمل. قبل عدة أيام دار حديث بيني وبين أحد الزملاء حول هذه الإدارات. في هذا الحديث تم التطرق إلى عدد من النقاط من ضمنها: أن هذه الإدارات والتي ترجح الأمور الشخصية على مصلحة العمل تحتاج في معظم أحوالها إلى طاقات ما تستطيع ان تُسَيِّر لها أمورها، أو تحتاج إلى شخصيات نافذة تضعها ضمن توازنات تساعدها على البقاء والاستمرار في المنصب. وهذه التوازنات عادة ما تكون لها الأولية على المصلحة العامة ومصلحة العمل. ففي هذه الإدارات كلمة الحق ليس لها من مكان وسياسة الوجهين،مع الأسف، هي النافذة. فبمرور الزمن تصبح هذه السياسة عادة عند معظم الأشخاص. ونقد أفكار وآراء من هم في الأعلى خط أحمر بالنسبة لهم لأن نقد الفكرة يفسر بأنه نقد لذات المدير أو المسؤول الذي لا يستطيع أن يفصل بين الفكرة وذاته. لذلك فكلمات التبجيل والإطراء بمشروعات المسؤول وآرائه وأفكاره مطلوبة دائما، أما نقدها فنتيجته لا تسر أبدا، لذلك فهي بالتالي غير واردة في قواميس هؤلاء الأقراد المنتفعين!

والنقاش الذي كان دائرا مع الزميل قارن بين أوضاعنا وأوضاع الدول المتقدمة عالميا وفقا لبعض المعايير منها معيار العمل والإبداع والعطاء. ففي تلك الدول النقد مسموح ونقد فكرة الشخص الآخر لا يفسر بأنه نقد لذات الشخص. واتذكر اثناء دراستي، كم خالفت وناقشت مشرفي على الدراسة حول فكرة أو رأي ولم يؤد به إلا إلى زيادة في احترامي وتقديري، فقد كان على العكس هو المشجع لي في أن أعبر عن رأيي أو فكرتي وإن خالفت ما قاله ومن غير إصرار منه على التمسك بفكرته إن لم تصمد أمام فكرتي خاصة إذا أتيت له ببرهان أقوى. وكانت نتيجة تلك المقارنة التي دارت مع الزميل في حديثنا بأن اشار إلى أن معظم الأقكار والقرارات المصيرية المتعلقة بالشأن العام هناك (أي في تلك الدول) لا تتخذ الا بعد دراسة وفهم ومعرفة، ولهذا فإن نقد الفكرة أو المشروع أو غيرهما لا يفسر على أنه نقد للشخص نفسه، وبالتالي فإن تغيير الفكرة أو تطويرها ليس عليه أي فيتو!

أتذكر أنه في أحد المرات حينما كان يدور حديث عن أحد المشروعات القائمة وبمجرد ما أن فكرنا في نقده اتتنا التعليمات بأن ذلك غير مسموح، لماذا لان المسؤول الفلاني لا يقبل أي نقد يوجه لفكرته! إنها العصمة التي يظن بعض أولئك المسؤولين أنهم اكتسبوها من وجودهم على الكرسي أو انهم يظنون خطأ أنهم قد سمو عن الخطأ بمجر تلازم الألقاب بأسمائهم! فالخلط بين بيئة العمل والأمور الاجتماعية أو ازدواجية المعايير والاهتمام المنحصر في تبجيل أصحاب القرار بغض النظر عن مصلحة العمل وانعدام حرية النقد وضعف شخصيات بعض مديري العموم واهتمامهم المنصب على تحقيق التوازنات المطلوبة وعدم مناقشة آراء المتفضلين عليهم ، كلها من الأسباب التي أوجدت هذا الضعف الراهن في القطاع الحكومي. ولكن.. ما هو الحل؟

مع الأسف ليس هناك ممن حولنا من يملك عصا موسى. فالله سبحانه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. لذلك فكل ما ندعو اليه هو إعادة ترتيب أوراقنا في ظل ثوابتنا الإنسانية ومفاهيمنا الأخلاقية وقيمنا الوطنية.. فنحن في أمس الحاجة إلى أن.. نعيد النظر!