الأحد، 2 أكتوبر 2011

الاستقالة المسببة.. نعمة او نقمة

هناك مقولة وعيناها وسمعناها منذ الصغر وهي: «رحم الله من أهدى إلي عيوبي». وعملية إهداء العيوب واحدة من النعم التي يعتز بها البعض. واعتزاز هؤلاء الأشخاص ...


هناك مقولة وعيناها وسمعناها منذ الصغر وهي: «رحم الله من أهدى إلي عيوبي». وعملية إهداء العيوب واحدة من النعم التي يعتز بها البعض. واعتزاز هؤلاء الأشخاص بعملية إهداء العيوب أو ما يسمى في العلم الحديث بالتقييم أو النقد البناء تأتي من كونها عنصرًا فعالاً في تقدم وازدهار الشخص أو المؤسسة أو القطاع.
فالمرء الذي يتسنى له هذا النوع من النقد البناء لا ريب سوف يحاول أن يتعالى على الصغائر ويسعى في معالجة الكبائر التي ألحقت به نوعًا من النقص أو التقصير، فكلنا نطمح نحو الكمال. لهذا فإن هذا القول الحكيم وضع عملية النقد البناء بمثابة هدية، فمن منا من لا يحب الهدية!.
إلا أن عملية الإهداء هذه ذات طبيعة معنوية لا يستطيع ذوو الذهنية المحسوسة عن إدراك مداها، ومن ثم استيعابها أو فهمها؛ لأنها ليست هدية ملموسة أو مادية. والمرء الذي لم يترفع عن ماديته والذي ما زال مرتبطًا بالجانب المادي من ذاته لا يرى في هدية معنوية من هذا النوع أية قيمة أو اعتبار سوى أنها محاولة للانتقاص منه أو النيل من شخصه. وهذا ما حدا بالكثيرين منا عدم تقديم أية مشورة أو رأي يخالف على رأي صاحب المؤسسة التي يعمل فيها أو صاحب القرار فيها انطلاقًا من تجارب سابقة مررنا بها. وبالتالي فإن أي اعتراض لرأي صاحب المؤسسة أو لأفكاره لا تفسر سوى على أنها انتقاص لإمكاناته وقدراته وليس على أنها وجهة نظر أخرى. فالإدراك العام للبشرية ولحكمائها أقرا إن إهداء العيوب واحدة من الأمور التي تنقي وتصفي الجو العام وتسهم في إرساء قواعد بنائه في مجتمع معطاء لإقرار الحق وحل المشاكل المستعصية ولإحياء العمل الوطني لان أبناء الوطن الواحد إخوة والخلاف لا يفسد للود قضية.
من هنا كانت الاستقالة المسببة وهي تلك الاستقالة التي تتضمن الأسباب التي دعت الموظف الى تقديم استقالته وتركه لمكان عمله سواء كانت أسبابا صحية أو شخصية أو غيرها من الأسباب المرتبطة بخلل ما في المؤسسة من وجهة نظره. والاستقالة المسببة بهذا المفهوم تعد واحدة من الوسائل التي وجدت لحل أزمة أو التنبيه إلى مشكلة من المحتمل أن تؤدي إلى خلط الأوراق. وقد أقرت الاستقالة بحكم القانون والعقل والشرع. فعملية انفصال الشخص من المؤسسة بسبب ظلم أو إجحاف ناله من غير أن يكون هناك معين له في رد تلك المظالم لا يدعم مقومات المؤسسة الصالحة ولا يسهم في مد جذور الأخوة الوطنية. فانتهاك حق المواطن وعدم مساواته في الحقوق والواجبات مع من هم على حاله لا يولد سوى المزيد من التشنج والعداء. فكما ان المؤسسة لها الحق في مقاضاة الموظف المقصر، كذلك للموظف الحق في تعريف المؤسسة بتقصيرها في معاملته وفق القانون والأنظمة المقررة، اذا حدث ذلك.
وفكرة الاستقالة المسببة أقرب الى فكرة اهداء العيوب حيث يشير الموظف الى عدد من النقوصات التي أسهمت في عدم تفاعله مع المحيط الذي من حوله أو عدم قدرته على تحمل الاوضاع التي سببت انتهاكا لحقوقه. وهذه الفكرة تسهم في الإضاءة على النقوصات التي تعاني منها المؤسسة التي بسببها تفقد عددًا من كوادرها. كما أنها تساعد المؤسسة على ارساء قواعد سليمة للعمل بحيث لا يكون التجني على المواطن أو الإنسان الآخر امكانية أو قدرة من الممكن أن تستخدم من قبل أصحاب القرار.
والاستقالة المسببة هي هدية ذات فائدتين: أولاهما، حفظ المؤسسة وتطورها ضمن الدائرة الإنسانية للمؤسسة من حيث المحافظة على حقوق الموظف وواجباته بحيث تساعد على الاضاءة على نقاط النقص والقصور التي تثقل كاهل المؤسسة.
والأمر الآخر أنها توجد أو تسهم في ايجاد بنية اجتماعية متماسكة حيث يقر لصاحب الحق حقه ويعاقب المقصر على قصوره.
ففكرة الاستقالة المسببة إذن هي فكرة وطنية بامتياز. فعملية الاستقالة أو التقاعد لأسباب تتعلق بقصور المؤسسة هي إضرار للمؤسسة والوطن. والهارب من تلك الساحات من غير الإضاءة على نقاط القصور هي من سمات مواطن لا يعنيه امر الوطن أو المؤسسة بشيء. أما حين ينبري المواطن بتقديم استقالته موضحًا الأسباب التي دعته إلى الاستقالة، مضيئًا على نقاط القصور والاعوجاج ، فهي هدية مجانية يقدمها المستقيل للمؤسسة انطلاقا من وطنيته وحرصًا على إرساء أسس سليمة تهدف الى الصالح العام.
وليس وسيلة للهروب من المؤسسة... فلنعد النظر!.