الأحد، 22 سبتمبر 2013

فلنظل شبابا وإن شاخت أجسامنا!

 كان ذلك قبل عدة أعوام، كنت أراه يركض كل يوم في وقت معين حول تلك الساحة الرياضية شبه الدائرية من الأرض تسمى...



كان ذلك قبل عدة أعوام، كنت أراه يركض كل يوم في وقت معين حول تلك الساحة الرياضية شبه الدائرية من الأرض تسمى "”track. كان يركض و ظهره المقوس يتبعه  و كانت عيناي أيضا تتابعه. و كلما كنت  أرغب في التوقف أراه يواصل مسيره.  يواصل هرولته حول ذلك الملعب الرياضي. لم أعرف عدد المرات التي ركض حوله لكن ما أدركته هو انعكاسات ذلك الفعل.  فذاك الرجل لم يعرف التعب قبل أن يصل الى مراده و هو في تلك المرحلة العمرية التي تسمى: الشيخوخة. هذه واحدة من الحالات و الظواهر التي لمستها في عدد من دول العالم الأجنبية و كذلك العربية إلا أن مظاهرها تقل (مع الأسف) في دول الخليج العربي!

مرحلة الشيخوخة تراها سرعان ما تظهر على سكان منطقة الخليج أو معظم الذين عاشرتهم. فما أن يبلغ الواحد منا العقد الخامس (أي الأربعنيات) من عمره إلا و يحلو له أن يردد عند كل صغيرة و كبيرة : "ما بقي من العمر شيء". هذه الأقوال التي يرددها البعض تأتي بالتزامن مع الأفعال التي تظهر عدم القدرة أو المقدرة في نواحٍ مختلفةٍ من الحياة. و هذه الحقيقة المؤلمة تأتي متنافضة مع الحكمة الإلهية التي اعتبرت هذا السن سناً للعطاء و الحكمة. فخلال هذه السنوات من العمر أقام النبي صلى الله عليه و آله و سلم الدولة الاسلامية و حارب المشركين و المردة و الكفرة. و باستعرض حياة رسول البشرية نجد أن هناك الكثير من الانجازات و الفتوحات تحققت و هو في العقد الخامس من عمره و حتى و فاته في العقد السابع من عمره الشريف.

لكن السؤال : ما الذي جعلنا شعوبا تشيخ و تعجز سريعا؟

هناك عوامل عديدة أحاول أن أرصدها من خلال ملاحظاتي للمجتمعات بشكل عام. فالمجتمعات الفقيرة أو المجتمعات التي تعتمد على ذواتها يقل فيها إحساس الفرد بالعجز و انتهاء فترة العطاء أو فترة الأخذ بمعنى التعلم باستنثناء بعض دول العالم الثالث فالتعلم فيها مقرون بالعمر. ففي تلك المجتمعات تجد المرء يعتمد على ذاته في تحقيق جميع احتياجاته. و هذا الاعتماد على الذات يجلب له الإحساس بالمقدرة و بالتالي الشعور بأنه ما زال إنسانا نافعا و قادرا. و هذا ما لاحظته في بعض المجتمعات الشرقية مثل الصين مثلا حيث يظل الواحد يعمل و يعتمد على ذاته رغم شيخوخته. كذلك تلاحظ أن عملية الاعتماد على الذات التي تتجلى في بعض المجتعمات الغربية تنبثق بشكل كبير من التربية التي يتلقاها الفرد منذ الصغر حول أهمية الاعتماد على الذات فينمو و يكبر على مفهموم احترام العمل أيا كان نوعه. المجتعمات العربية التي لم تظهر عليها تلك الرفاهية الجوفاء أيضا تعيش حالة الانتعاش و العطاء. فتلاحظ أن أديبا مثل طه حسين لم تحوله اعاقته في تلك الحقبة من الزمان الى القعود و الانكفاء. و الكاتب المعروف محمد حسنين هيكل ما زال في أوج عطائه و هو يكمل العقد التاسع من عمره خلال هذا الأسبوع. و هناك الكثير من الأمثلة لشخصيات كان لها رصيد عطاء كبير في التطور العلمي و الحضاري الذي نعيشه. كما أن اعتماد المرء على نفسه في العالم الغربي حوَّلَ الواحد منهم إلى مصدر للتعلم و العطاء. لهذا فإنه لا غرابة أن ترى شيخا عجوزا يجر خلفة قنينة الأكسجين و هو مازال راغبا في تعلم الكمبيوتر و برامج الطباعة، و تجد آخر مثله على كرسيه المتحرك يتسوق من أجل احتياجاته الخاصة. و الرغبة في تعلم المستجدات الحديثة في عالم التقنيات كانت خلف انضمام زوجين في عمر الثمانينات الى دورة تعليمية في عالم الكمبيوتر تقدم في صف دراسي في إحدى المكتبات العامة.

التربية الإجتماعية للأفراد و المجتمعات تشكل واحدة من أهم الأسس التي جعلت الناس من مختلف المجتمعات الإنسانية تشعر (رغم تقدم العمر) بالقدرة على التعلم و العطاء.  و هذه التربية لا تجعل للعمر في واقع الحياة و ممارسته سقفا يتوقف الإنسان عند حدوده. لكن - و مع الاسف- ففي معظم المجتمعات الخليجية تأصلت بعض المصطلحات الخاطئة في هذا الصدد بسبب عدد من العوامل منها فقد المرء القدرة على الاعتماد على ذاته في سن مبكرة سواء بسبب وجود الخدم أو بسبب الإيحاءات الإجتماعية من حوله. فغدا معظم الشباب لا يستطيعون الاعتماد على ذواتهم في أبسط الأمور الحياتية ناهيك عن الكبار في العمر. من جانب آخر فإن النظام الإداري و التربوي و التعليمي في بعض تلك الدول و على سبيل المثال في سلطنتنا الحبيبة أوجد حالة من البطالة بين الشباب من مختلف الفئات. حالة البطالة المبكرة أو المقنعة كما هو الحال في معظم المؤسسات الحكومية و التي لم يصاحبها ثقافة تربوية جيدة كانت السبب في شيخوخة مجتمعاتنا و دولنا. فالإنسان في مرحلة العطاء يعاني من بطالة مقنعة في المؤسسات الحكومية التي تجمد عقله و فهمه و تخلق منه معيقا في العملية الانتاجية بدلا من أن يكون منتجا. و التقاعد المبكر أو نقص فرص العمل لأصحاب الشهادات و القدرات و المواهب تسهم في شيخوخة دولة ما زالت تعتمد على الكفاءات الخارجية في الوقت الذي تهرب الكفاءات الوطنية الى الخارج بسبب سوء الإدارة وسيطرة الجهلة و المنتفعين على دفة الأمور. أما المناهج الدراسية فمن الضيق الذي تعيشه حاولت أن تكون تعليمية فنسيت التربية و التعليم معا!

محمود أحمدي نجاد الرئيس الايراني السابق شخصية تستحق الدرس و التمعن. هي شخصية أسست للكثير من القيم في الشأن القيادي في العالم الاسلامي. و قد أحبه البعض و كرهه آخرون إلا أن ما أجمع عليه الكثيرون هو عطاءه اللامحدود و تفانيه في العطاء. و بعد انتهاء فترة ولايته التي أستمرت ثمانية أعوام،  ماذا كان يُتنظَر من شخصية كهذه؟ لم يكن مستغربا من أحمدي نجاد أن يرجع الى عمل يؤدي من خلاله مسؤوليته الوطنية و يستمر في عطائه. لكن.. أن يرجع رئيس دولة معلما جامعيا كما كان سابقا فهي من الحالات القليلة في التاريخ الإنساني التي تستحق التمعن.

حينما نكون نتاج مجتمعات معطاءه و تعليم و تربية ترى في كل فرد منا طاقة و قدرة على العطاء سنظل أمة شابة و ان كثر عدد الأفراد الذين يعيشون عمر الشيخوخة فينا.  فالشيخوخة هي إيمان و فكرة تترسخ في العقل قبل أن تكون واقعا يُرصَد بالعمر.. أرادونا شيوخا في شبابنا .. فلنكن شبابا و إن شاخت أجسامنا.. لهذا.. فلابد أن نعيد النظر!