الأحد، 6 أكتوبر 2013

قرار مجلس التعليم يصحح البوصلة!

توحدت ردات الفعل تجاه قرار مجلس التعليم في اجتماعه الرابع بوقف منح التراخيص لإنشاء جامعات وكليات خاصة جديدة لمدة ثلاث سنوات. وردات الفعل الموحدة ...


توحدت ردات الفعل تجاه قرار مجلس التعليم في اجتماعه الرابع بوقف منح التراخيص لانشاء جامعات و كليات خاصة جديدة لمدة ثلاث سنوات. و ردات الفعل الموحدة جميعها اتجهت نحو إدانة القرار. و هذه الإدانات تنطلق من الشعور بأن الحاجة مستمرة بتخريج الشباب العماني للمساهمة في الشأن الوطني العام. فقد ذكرت الدكتورة ماجدة الهنائي في جريدة الرؤية في مقالها المعنون: "مع إيقاف التصريح" بتاريخ 26 سبتمبر 2013، "ألسنا بحاجة لإعداد أكثر من الأطباء والعاملين بكادر التمريض.. ؟" ثم تسرد الدكتورة تجربتها الشخصية في هذا المضمار: "لمست ذلك بصورة شخصية أوائل الصيف الماضي، عندما رأيت جناحاٌ كبيرًا بالمستشفى السلطاني مجهز بأعلى التجهيزات وأحدثها... ولكن مع الأسف كانت نسبة إشغال هذا الجناح بالمستشفى لا تمثل سوى 5% من سعته، على أعلى تقدير.. وحينما تساءلت عن السبب في عدم استغلال كل هذه الإمكانيات كان الرد ببساطة: لعدم وجود كوادر تدير الجناح الجديد..! ".  أما الدكتور سعيد بن ناصر المعمري فقد ذكر في مقاله: "معالي رئيس مجلس التعليم... أغلقوا كلية واحدة" ، المنشور بجريدة الرؤية بتاريخ 26 سبتمبر 2013، عددا من النقاط منها: " .. ليس كل طبيعي مقبول خاصة إذا حدث في مجتمع نامي يحتاج إلى برامج دراسية قوية تساعد على تخريج طلبة قادرين على المنافسة في سوق العمل." فالإشارة العامة التي وردت في معظم المقالات التي كتبت حول هذا الموضوع تركزت حول حاجة المجتمع العماني للعديد من التخصصات و الكفاءات.

و السؤال الذي يطرح هنا: هل خريجو هذه الجامعات و الكليات و كليات التقنية  بما فيهم جامعة السلطان قابوس يلبون حاجة السوق من المخرجات من حيث الكفاءة و الإمكانيات و القدرات؟  و أنا لا أعمم من خلال هذا السؤال، لأنه بالتأكيد هناك طلبة ذوو امكانيات و قدرات عالية يخلقون أو يهيؤون لأنفسهم لسبل العلم و التعلم حتى و ان قُتِّرَ عليهم. لكن ما هو  مستوى خريجي هذه الكليات و الجامعات بشكل عام؟لم يتم نقل الخبر الذي تداولته قنوات التواصل الاجتماعي المتعلق بتدني مستوى جامعة السلطان قابوس الأكاديمي على المستوى العالمي في الصحف الرسمية. و أيضا، لم يتم نفي الخبر من قبل الجامعة و هذا بحد ذاته يمكن اعتباره اعترافا بصحته. فمن المتعارف أن المؤسسات سواء الخاصة منها أو العامة حول العالم تقوم بنفي الأخبار غير الصحيحة و إعلان الأخبار المتعلقة بالشأن الوطني سواء على الصعيد العام أو الخاص، لأن كل ما هو متعلق بالوطن من أخبار سارة أو ضارة هي همٌّ جماعي و كتم الأخبار أو عدم الإشارة إليها تسهم في نقل كل ما هو غث و فاسد. كما أن المعنيين مدركون بأن السلطنة ليست بمعزل عن التغيرات العالمية الحادثة.  فعمان ليست دولة خارج منظومة الكرة الأرضية و إنما هي جزء من منظومة عالمية. و الشعب العماني و بالرعاية السامية لحضرة صاحب الجلالة في إتاحة التعليم لكل مواطن لم يعد شعبا جاهلا ، بل (و بشهادة الجميع) هو شعب مسالم و متسامح و متطلع نحو التغيير للأفضل. من هنا فإن خبرا متعلقا بالمستوى الأكاديمي للجامعة لا يمكن تجاهله و تغييبه.الإجراءات أو القرارات التي اتخذها مجلس التعليم بشأن "وقف منح التراخيص لانشاء  جامعات وكليات خاصة جديدة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد" لم تكن بمنأى عن استيعاب أعضاء المجلس لوضع التعليم الجامعي و مستواه في السلطنة. و هذا القرار هو في الحقيقة إقرار بأن الوضع لم يعد متعلقا بجامعة أو اثنتين و إنما قد تكون ظاهرة بدأت تستفحل في العديد من مؤسسات التعليم العالي و منها مؤسسات ذات عراقة و سمعة كجامعة السلطان قابوس. فهذه الحقيقة التي لا ريب قد أُكدت من أكثر من طريق منها الاختبارات التي أجربت قبل فترة لخريجي جامعة السلطان قابوس لتعيينهم في وظائف تربوية قد أوضحت مدى تدني المستوى العام للخريجين. هذه الحقائق تشير بأن اتجاه القرار قد يكون صائبا في ظل الظروف الحالية. ففي ظل غياب تعليم يلبي أدنى المعايير العالمية المتعارف عليها في المرحلة ما قبل التعليم الجامعي فإن الشأن الجامعي لن يكون أفضل. إن العملية التعليمية هي عملية متكاملة و الإخلال بأي جزء منها له تبعات و تأثيرات سلبية على الأجزاء الأخرى. و العملية التعليمية لا تقبل المساومات أو تخضع لمنطق التوازنات لأنها رسالة أسمى من أن تتلاعب بها أيْدٍ لا تقدر قيمتها. فقرار مجلس التعليم من هذه الناحية يكون قرارا في محله لأننا لم نصل حتى الآن إلى الدرجة التي تؤهلنا أن نكون قادرين على بناء كوادر وطنية مؤهلة لخدمة هذا البلد العزيز. إلا أن السؤال المطروح في ظل هذا التوجه: هل هناك خطة أو رؤية عند مجلس التعليم بشأن مستقبل الطلبة الخريجين من الثانوية العامة في القادم من السنوات؟
من المعروف أن السلطنة تولي بعض القطاعات عناية خاصة أملا في أن تسهم في بناء الوطن و من هذه القطاعات المؤسسات التعليمية. فمؤسسات التعليم العالي تنال شرف تعليم أبنائنا مقابل مبالغ من المال و يتم اعتماد ذلك من خلال المنح الداخلية التي تقدم للطلبة.  هذه المؤسسات التعليمية الربحية تُمنَح أيضا أراض من الدولة بجانب مساعدات أو هبات مالية.. لماذا؟
المؤسسات التعليمية على مستوى العالم المتقدم هي مؤسسات غير ربحية يتم استثمار الأرباح المحققة منها في تطوير المؤسسة نفسها و أيضا المجتمع المحيط بها. و هذه المؤسسات غير الربحية تسهم في زيادة البحوث العلمية و تقدم العلوم و اعطاء المزيد من فرص التعليم للافراد و المواطنين. إلا أن مثل هذه المؤسسات حينما تقع بأيدي التجار و يتم تداول أسهم بعضها في سوق الأوراق المالية فأي تطور يمكن أن نلمسه في المجتمع؟  لهذا فالأموال التي تغدق على هذه الجامعات و الكليات لابد أن يعاد النظر فيها لتتوقف و تتجه نحو تعليم الطلبة في جامعات مختارة في الخارج، فالداخل لم يعد ذا صلاحية بعد أن تحول التعليم الى شراكة بين التجار بدلا أن يكون شراكة بين أفراد المجتمع. و رغم الأسى الذي نشعر به من فكرة كهذه إلا أننا لا نريد وضع مستقبل أبنائنا بين يدي بعض من التجار أو المتعلمين على سبيل نجاة الذين لا هم لهم سوى المناصب و المكاسب. إننا نريد تعليما يرسخ المبادئ التي نمى و ترعرع عليها هذا الشعب الطيب بإستثناء القلة القليلة. إننا نطمح أن يتعلم أبناؤنا تحت ظل شجرة  وارفة تمد بظلالها بالخير و الحب لهذا البلد الطيب الآمن كتلك النخلة التي تتربع في صميم قلوبنا. و لن تتمكن بعض مؤسسات التعليم العالي بمنطلاقاتها التجارية أو بعض أفرادها المفتقدين للنزعة الوطنية أن يغرسوها... و لهذا وجب إعادة النظر!