الأربعاء، 19 فبراير 2014

الخدمات الاجتماعية تكافل وعطاء

لعل متطلباتِ الحياة المادية وأثقالَها أفقدت الكثير من القيم والأخلاق والممارسات الإنسانية الأصيلة وزنَها في أمتنا. فالكثير من الشباب والأسر ...
لعل متطلباتِ الحياة المادية وأثقالَها أفقدت الكثير من القيم والأخلاق والممارسات الإنسانية الأصيلة وزنَها في أمتنا. فالكثير من الشباب والأسر ينوؤ تحت ثقل العبء المادي المختلف أنواعُه وأشكالُه. وهذه الأعباء المادية استنفرت الكثير منهم بغض النظر عن حاجته في إيجاد دخل إضافي.. إلا أن هذا الواقع المادي الطامح في العيش في بحبوحة الحياة يكاد يقضي على موروث إنساني وأخلاقي أصيل.    السعي لطلب الرزق الحلال أمر يحث عليه ديننا الإسلامي فقد قال الله عزوجل “فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله”. وبجانب هذه الفريضة الاسلامية هناك حثٌ نبوي: “أحبُّ الناس إلى الله انفعهم للناس”، و”ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزُل الأقدام”، وتتنوع هذه الحاجات بتنوع مواضعها. ففي الحياة الاجتماعية نرى الكثير من أفراد المجتمع يسعون من أجل معونة الآخرين في أفراحهم وأتراحهم كما يظهر من خلال المساعدة في توزيع دعوات العرس أو تنظيم وإعداد ولائمه وغيرها، وكذلك الحال في الأتراح. وهذه المساعي المحمودة لها آثار اجتماعية كبيرة تجعل الإنسان يشعر أنه جزء من كيان اجتماعي يساعد الواحد منهم الآخر وبهذا ينتعش المجتمع بالخير.

الضِّيقُ المادي أجبر البعضَ إلى تحويل بعض الخدمات الإجتماعية الى مهن تكسبهم بعض المال ولا أرى في ذلك ضيرا، لأن طلب الرزق الحلال يحث عليه ويحبب إليه الدين. إلا أن هناك البعض قد حول (مع الأسف) بعض الخدمات الإنسانية إلى مهن رغم عدم وجود عوز مادي لديهم! هناك أمثلة اجتماعية لأشخاص رغم ضيق اليد ظلوا معتصمين بجمالية العطاء وخدمة الآخرين والمساهمة في الوطن، وآخرين مع سعة رزقهم إلا أنهم حولوا جمالية العطاء والخدمة الى مهن تُنال بالأرقام.


تحولت الكثير من المفاهيم السامية إما إلى أرقام أو مصطلحات تجارية استغلت سواء من خلال الأسواق الخيرية أو من بعض الأفراد الذين يحاولون إشعار الآخر أن الأموال الزائدة التي يتقاضونا عن البضاعة ما هي إلا لتقرب المشتري إلى الله بإلزامه دفع سعر أكبر… بدعوى أن الزائد يذهب للخير! الخير هو فعل ذاتي غير مطالب بأن يلزم الآخر به. أعجبتني إحدى الصديقات متفننة في عمل اكسسوارات بالخرز، حين أثارت في كلامها نقطتين في منتهى الجمال: “أنا أحب أن أعلم الناس ولا احتاج للمال، وأفوض إليهم امر ما يرغبون أن يعطوه مقابل ما تعلموه للفقراء”. معادلة الأخذ والعطاء تلك، لا يفهمها الجميع وليست من ضمن مناهجنا التعليمية. كنت اغسل الأواني حينما طُرق البابُ عليَّ، فتحته لأجد طالبة تسألني إذا كنت ارغب بأن تساعدني في كنس البيت أو غسل الأواني أو رمي الزبالة، فنظرت إليها مستفسرة، فأدركت سؤالي وردت: نشاط نقوم به لمساعدة المجتمع ضمن مشروع الخدمة الإجتماعية. هناك العديد من الخدمات التعليمية سواء في الطبخ والحياكة والمساعدة في المواد الدراسية والتعاون في تنظيف الدار والكثير من المواقف الجميلة مرت علينا مع أناس لا يجمعنا بهم دين أو حضارة،  إلا أن الإنسانية كانت تنبض في مواقفهم!


ليس هو العوز المادي لدى البعض الذي يجعلهم يحولون بعض الممارسات الاجتماعية أو الخدمات الإنسانية مثل تبادل الخبرات والمشورات والتعلم من الآخر الى مهن لكسب القليل من المال، وإنما هو رغبة جامحة لإضافة المزيد!  يا ترى كم سوف يضيف ذلك إلى أرصدة لا تعيش عوزا؟.. والغريب أن تسمع بأن خدمة تمصير العريس صارت مهنة أيضا.. إنها أصداء أنفس تواقة للأخذ الذي يقاس بالأرقام والأوزان، أما العطاء فلا ميزان يقاس به.. فلْنُعد النظر!