الثلاثاء، 25 فبراير 2014

مركز تأهيل المعلمين.. مشروع آخر في القائمة؟

قد تكون من الأمور الصعبة تعداد ما كُتب حول التعليم في السلطنة منذ أن فُتح المجال للكاتب العماني للتعبير عمّا يختلج في خواطره بصراحة وحرية. إلا أنّه بالرجوع... 
http://alroya.om/ar/citizen-gournalist/citizen-journalist-/90153-------


قد تكون من الأمور الصعبة تعداد ما كُتب حول التعليم في السلطنة منذ أن فُتح المجال للكاتب العماني للتعبير عمّا يختلج في خواطره بصراحة وحرية. إلا أنّه بالرجوع إلى مدوتني فإنّه لم يكن مستعصيًا عليَّ أن أُحصي عدد المقالات التي تناولت فيها بشكل مباشر وغير مباشر التعليم وأوضاعه في السلطنة فوجدتها قد تعدت الثلاثين مقالا. لقد تناولت في هذه المقالات الكثير من المواضيع التي تُعنى بالعملية التعليمية من جوانب متعددة أذكر منها على سبيل المثال، مقال حول أثر السياسات التعليمية على شيخوخة المجتمعات، وأثرها العام على المناشط الأخرى مثل الرياضة كما في المقال المعنون "يا الأحمر.."الجحلةُ" بَعْدُ لم تنكسِر"، ومقالات حول التعليم في القرن الواحد والعشرين، والقراءة، واللغة العربية. كما تناولت في بعض مقالاتي المناهج التعليمية، وتعليم الطلبة الموهوبين، وأهميّة المحافظة على الكفاءات الوطنية، وغيرها من المواضيع. عكست هذه المواضيع تجاربي أثناء عملي في وزارة التربية والتعليم إلى أن اضطُرِرتُ إلى ترك الوزارة، فكانت الصحافة وأصداء الواقع هما سبيلي لمعرفة الواقع التعليمي الذي ما زلنا نعيش معاناة عجزه عن بناء بيئة تربوية سليمة تؤهل أبناءنا للقادم من الأيام.

فحينما تجد اسم بلدك في ذيل القائمة في الاختبارات الأكاديميّة العالميّة إلى جانب بعض الدول المتخلفة التي تعاني من حروب ودمار وعجز في الإماكانيات والقدرات فلا شك ستنتابك حالة من الحزن والأسى.. ولكن.. لرفع الاسم من ذيل القائمة إلى أعلاها لا تحتاج إلى معجزة! تحتاج عملية تطوير أي نظام تعليمي -وفق الأسس العلمية- إلى أهم عنصرين هما: الإمكانات المادية والكفاءات البشرية المؤهلة. ولله الحمد فإنّ الميزانيات المالية المرصودة للتعليم كبيرة و وفيرة. والكفاءات الوطنية المؤهلة متوفرة وإن تم الهاؤها في أعمال أقل إنتاجية عن المستوى المأمول. ولكن إذا تمّ تفعيل هذين العنصرين الأساسيين بالشكل الصحيح فإنّ اسم السلطنة سوف يكون من الأسماء التي تلمع في صدر القوائم العالمية. إلا أنّ النهج المتبع في إدارة الشأن التعليمي- ومع الأسف الشديد- يؤدي إلى استهلاك القدرات والإمكانات بعيدًا عن ساحاتها وميادينها، في وقت نجد أن الواقع التعليمي يعج ويضج ويصرخ راغبا في التغيير والتعديل والتطوير ولكن.. من غير مجيب!

أمام هذا الواقع التعليمي المأساوي الذي يعاني منه الجميع بغض النظر عن نوعية التعليم العام منه والخاص، المراحل التعليمية الأولى منه أو المتقدمة أو التعليم ما بعد المدرسي، فإنّ الحاجة إلى عملية إصلاح التعليم غدت ضرورة ملحة. فحينما يكتب الكاتب، وتتولى الصحافة النشر باعتبارها البوابة التي يحاول من خلالها الكاتب أن يُسمع المسؤولين والمعنيين ما يثار بين أفراد المجتمع أو ما يعانيه المواطنون، فإنّ فحوى الرد يأتي: بـ "أنّ الرسالة وصلت"، لكن.. ما هي النتيجة؟ ولماذا لا نجد أي تغيير جذري يقود إلى تقييم العملية التعليميّة وتحسينها بشكل يتناسب مع المتغيرات الحياتية، فلا يوجد أي رد. وفي ضوء هذه الأوضاع التربوية يأتي قرار مجلس الوزراء بإنشاء مركز تخصصي للتدريب المهني للمعلمين تحت مظلة وزارة التربية والتعليم ليركّز على موضوع في غاية الأهمية لاتصاله بالعملية التعليمية!

التعليم والتدريب والتأهيل جميعها مفردات تستهدف الإنسان من خلال تغيير ممارسته واتجاهاته وتأهيله ليتمكّن من تقديم أفضل ما لديه من إمكانات وقدرات. للإنسان إمكانات إبداعيّة وقدرات استثنائية يصعب انتشالها أحيانًا إلا من خلال برامج هادفة. وهذا الإنسان سواء كان تلميذًا أو معلما أو مهنيًا بحاجة إلى برامج مستمرة تساعده على تطوير ذاته. وقد جاء قرار مجلس الوزراء عاكسًا حرص الدولة على تأهيل المعلم وتنمية مهاراته. وهذا التوجه العالمي يتخذ له في الدول المتقدمة عددًا من الأشكال. فمثلا في الولايات المتحدة يجدد المعلم رخصة التدريس كل عدة أعوام من خلال إحراز نقاط تعليمية تضاف إلى سجله. وهذه النقاط يتم اكتسابها من خلال حضوره لمناشط وفعاليات تعليمية تُعنى برفع مستواه الأكاديمي والمهني. فعلى سبيل المثال إذا حضر المعلم ورشة تعليمية أو مؤتمرا تربويًا أو إذا انضم الى برنامج أكاديمي في الجامعة، فإنّ كل هذه الفعاليات تضيف نقاطا إلى سجله الذي يؤهله بالتالي إلى تجديد رخصته في ممارسة مهنة التدريس. كما ومن أجل جعل العملية التعليمية حيوية للمعلم، فإنّه يتاح له تغيير اتجاهاته من خلال الالتحاق ببرنامج ما يسمى .endorsement وهذا البرنامج يختلف عن برنامج الماجستير في أنّه يلزم الطالب دراسة بعض المواد التخصصية في فترة قصيرة، ويمكن في نفس الوقت للطالب الراغب في نيل شهادة الماجستير أن يضيف عليها مواد بحثيّة وإحصائية أخرى. وجماليّة هذا البرنامج تكمن في أنّه يتيح للمعلم التخصص في مجالات مختلفة كلّما ألمّ به الملل أو رغب في التغيير.

قبل عام تقريبًا كتبت مقالا نشر في جريدة عمان، تمّ تغيير عنوانه إلى: لجنة الموهوبين كيف يمكن الاستفادة منها؟ وفيه ذكرت: "فرغم أنّ تمنياتي لهذا المشروع أن يأخذ سبيله للنجاح ولا يتوقف أو يتعثر كما حدث ويحدث لبعض المشاريع، غير أنّه يبدو أنّ طريقة إدارة الوزارة للمشروع -وأتمنى أن أكون مخطئة- قد تكون من أهم العوامل التي تثير هواجسي لاحتمال عدم نجاحه. وأرجو أن يكون قولي هذا محفزًا للوزارة على العمل بجد على إنجاحه وتعديل وتغيير بعض قراراتها." إلا أنّه - ومع الأسف الشديد- لم يجد أي جديد في مجال تعليم الموهوبين! وفي مقال آخر نُشر لي في جريدة عمان أيضًا، تحت عنوان "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين" أشرت إلى المقابلة التي أجرتها جريدة عمان مع معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم مباشرة بعد إعلان نتائج اختبارات بيرلز وتيمز(PIRLS and TIMMS) لعام2011. وفي المقابلة أشارت الوزيرة إلى خطة "الانتهاء من بناء معايير وطنية للمناهج بنهاية العام الدراسي الحالي (2012_2013)"، إلا أنّ كلا الموضوعين كما غيرهما من المواضيع ما زالا بعيدين عن أن يلامسا الواقع. فهل يا تُرى في ضوء هذه الحقائق وغيرها يمكننا أن نتوقع بأن يكون المركز فاعلا تحت إدارة وزارة التربية والتعليم كما نصّ عليه قرار مجلس الوزراء؟ وهل ستتمكن وزارة التربية والتعليم من تحمّل أعباء المركز في ضوء ما نرى ونسمع عن تعثر الكثير من المشاريع سواء تلك المتعلقة بالموهوبين أو المعايير التعليمة أو المناهج أو البيئة المدرسية أو غيرها؟ وهل قدرات الوزارة الإداريّة وكفاءاتها في وضع الإستراتيجيّات كفيلة بخلق مركز تأهيل المعلمين قادرٍ على إعطاء المعلم أبعادًا في العمليّة التعليميّة تساير القرن ومتغيّراته؟ هذه الأسئلة وغيرها تثار في سياق التجارب السابقة للوزارة.. وهذه التجارب المتكررة في المجال التعليمي تجعلنا نتساءل إلى متى نظل نجرب ونجرب وكأننا خُلقنا للتجارب.. ومن هنا يقتضي منّا أن نطالب وبإلحاح بضرورة.. إعادة النظر!