الأربعاء، 12 فبراير 2014

الوافد ومثلث التعمين والتعليم والأمن القومي!

هل (حقا) يشكل الوافدون خطراً على الأمن القومي؟سؤال أثيرت معطياته من أكثر من مشارك في الندوة التي أقامتها جريدة الرؤية يوم الأربعاء بتاريخ الخامس من فبراير الحالي. لقد تطرقت الندوة...


هل (حقا) يشكل الوافدون خطراً على الأمن القومي؟
سؤال أثيرت معطياته من أكثر من مشارك في الندوة التي أقامتها جريدة الرؤية يوم الأربعاء بتاريخ الخامس من فبراير الحالي. لقد تطرقت الندوة إلى العديد من المحاور المتعلقة بالوافدين في السلطنة. و هذه المحاور عرضها مجموعة من المختصين الذين يمثلون جهات و مؤسسات مختلفة في البلاد. فرغم أن الندوة عقدت تحت عنوان: "الوافدون .. تحدِّيات ديموغرافيَّة واقتصاديَّة" إلا أن معظم المناقشات دارت حول حجم وواقع العمالة الوافدة. وحينما يتم تناول العمالة الوافدة فإن الأنظار تُشد نحو العمالة الوافدة محدودة أو عديمة المهارة  باعتبارها تشكل الخطر الحقيقي على الأمن القومي. غير أن مسار الندوة لم يستمر على هذا المنوال، فهناك من المشاركين من رأى أن الوافدين بمجملهم و ليس العمالة محدودة أو عديمة المهارة حصرا من يشكل خطرا على الأمني القومي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: يا ترى لماذا يشكل الوافدون خطرا على الأمن القومي؟
شعور الإنسان بالأمن و العدالة و الانتماء هي من أبرز الأمور التي أشار اليها التربويون و التي تسهم (بلا شك) في إنتاجه و عطائه في الوطن الذي يعيش فيه. إلا أن أي خلل في تحقق ذلك الشعور له تأثيرات سلبية على المواطن و تطلعاته و مساهمته في إعمار وطنه وبالتالي على شعوره بالأمن. و الإحساس بالخلل المحتمل يكبر حينما يشعر الإنسان أن حقه في وطنه يتم استباحته من خلال احلال الغريب محله. و احلال الغريب محل المواطن له الكثير من المردودات السلبية كما أن تفاقم أعداد الوافدين في الوطن تتعدى تأثيراتها الفرد و إنتاجيته الى مختلف المتغيرات الحياتية كالديمغرافية و الاجتماعية و الأسرية و اللغوية و الأمنية و غيرها الكثير، و بعض هذه الأفكار و غيرها تم الإشارة و التركيز عليها في ندوة الرؤية.
إن التنامي المطرد للوافدين على أرض الوطن اتخذ عدة مسارات تصاعدية بلغت أوجها في عام 2006 كما أشار الى ذلك الدكتور عبدالله الغيلاني.  و تشير إحصائيات وزارة الاقتصاد القومي إلى أن نسبة الوافدين في السلطنة عام 2013 بلغت 44% من مجموع سكان السلطنة. و مع الأسف، فإن هذه النسبة ليست كما يخيل للمرء في اقتصارها على العمالة الوافدة كعنوان عام، فالأرقام تشير إلى أن نسبة الوافدين في المراكز القيادية بلغت 35% من مجموع الوافدين. فالأمن القومي لا تهدده العمالة الوافدة ذي مهارات محدودة كما يخيل للبعض، و إنما هو معرض للخطر من الوافدين في المراكز القيادية لما لهم من سلطة و قدرة على اتخاذ القرارات!
لقد انتهجت السلطنة سياسة التعمين منذ الثمانينات من القرن الماضي. و هذه السياسة الوطنية تحمل الكثير من البذور الطيبة التي تعمل على تركيز و تأهيل العماني من أجل أن يأخذ دروه االقيادي في بناء الوطن. و حينما يتم إحلال الكفاءات العمانية محل الكفاءات الوافدة فإن الأثر الإيجابي لذلك الإحلال لا يقتصر على المجالات الاقتصادية فحسب و إنما يتعدى بانعكاساته البناءة إلى صُعُدِ المواطنة و التعليم و التربية. إن خلق كفاءات في المواقع القيادية تعني بالدرجة الأولى إيجاد قدوات وطنية ينظر الطفل و الشاب من خلالها الى مستقبله القادم الذي يكفله له القانون و يحفظ و يصان بالمواطنة. غير أن سياسة التعمين (ومع الأسف الشديد) حرصت على استهداف المهن الصغيرة و لم تركز بوصلتها على تعمين المهن القيادية على أرض الوطن.
عند تحليل تلك السياسة الوطنية التي استهدفت المهن الصغيرة في عملية التعمين فإننا نرى ان انطلاقاتها كانت تشوبها حالة الإحساس بالنقص التي كانت تعتري بعض العمانيين بسبب تأخرنا عن باقي دول الجوار في مسايرة التطورات العصرية من جهة، و بسبب القفزة السريعة التي بدأنا بها مشوارنا التطوري من جهة أخرى. و من أجل حصد الكثير من الثمار فقد تم الاستعانة بالكثير من الكفاءات الوافدة من أجل ملاحقة التطور. و هذه الكفاءات لعبت دورا هاما في تأهيل العماني، إلا أنها من ناحية أخرى لعبت أيضا دورا في تضخيم أهمية الوافد و كفاءاته التي زرعت كحقيقة لامناص منها في العقلية العمانية. و إذا راجعنا بعض الأنظمة أو القوانين التي ظلت وما زالت سارية لسنوات طويلة، نرى أنها تطالب العماني بمؤهلات عالية جدا لشغل وظيفة ما من (كدكتور جامعة على سبيل المثال). عندما بدأ التعليم الجامعي في عام 1989، فقد صاحبته شروط مجحفة و لا زالت في تعيين العماني لشغل وظيفة استاذ او استاذ مساعد في الجامعة. و تلك الشروط التعجزية كما ذكر أحد المسؤولين لم توجد إلا من أجل تجيير تلك الوظائف الهامة لصالح الوافدين. و هذا الحال لا يقتصر على مؤسسة واحدة و إنما يعم مختلف المؤسسات خصوصا المؤسسات الخاصة التي يحتكر الوافدون فيها معظم المراكز القيادية. بجانب ذلك نجد أن الكثير من المسؤولين الاوائل الذي تقلدوا المناصب العليا في الوطن كانوا من ذوي مؤهلات محدودة الأمر الذي جعلهم ينظرون الى الوافدين بالكثير من التبجيل. ولم يكن بإمكانهم تغيير تلك النظرة و تحويلها نحو الإنسان العماني بإعطائه الثقة في قدراته و إمكاناته، فقد ظل في الذهنية العمانية المتنفذة أن كل ما أتى و يأتي من الخارج هو الأفضل! وهذه النظرة الدونية الى العماني (مع الأسف) يتم توارثها عقدا بعد آخر لعدد من الأسباب منها: 
1) عدم الثـقة بالعماني بحيث ولد لديه الإحساس بعدم قدرته و هذا ما يشار إليه في الأدبيات التربوية التي توضح بأن إشعار الشخص المقابل (موظفا كان ذلك الشخص أم ابنا أم أخا) بثقتك به و بقدراته في العطاء تعزز من إمكاناته و ترفع من تصوره عن ذاته. أما اذا فقدت هذه الرسائل الإيجابية فإن إنتاج الشخص يكون دون المستوى المتوقع. وهذه من الحالات التي لها شواهد في وطننا و التي تنعكس سلبا على انتاجات البعض فتظل دون المستوى المطلوب، والأنكى أنه يتم تعميم تلك النظرة الجائرة على الجميع. 
2) التعامل مع العماني و الوافد في الكثير من المؤسسات (الخاصة و الحكومية) تعاملا غير عادل لصالح الوافد، ماديا و معنويا. فغير العماني مهما كانت درجته يلاقي الكثير من الاحترام و التقدير من المسؤولين و لا يحضى العماني في نفس المستوى الانتاجي بنفس القدر من الاحترام و لا يتقاضى راتبا يعادل ما يحصل عليه غير العماني .. لماذا؟
 3) أخيرا، إن الكثير من هذه الحالات تعود الى تولى أشخاص عمانيين غير مؤهلين لمراكز قيادية. و هذا ما يجعلهم يرون أن العماني لا يستحق ما يستحقه الوافد. هذه بعض الأسباب النفسية و الاجتماعية التي تفسر ظاهرة أن عملية التعمين بدلا من أن تبدأ في المراكز القيادية بدأت في المراكز الدنيا.. فهل هناك رسالة سلبية يرغب في توصيلها للعماني!
طرحت أحد المشاركات في الندوة نتائج أحد البحوث التي أجرتها وزارة الاقتصاد القومي. فقد أظهر البحث بأن الشباب العمانيين اشاروا الا أنهم يتطلعون الى مناصب تتساوى مع مؤهلاتهم العلمية بدلا من تلك المهن التي لا تتطلب مهارات خاصة. هذا التطلع من الشاب العماني له ما يبرره و يسنده. فبعد أكثر من أربعين عاما من النهضة و الكثير من الأموال التي صرفت على التعليم ألا نتوقع أن نكون قد أهلنا شبابنا ليحتلوا مناصب قيادية في الوطن؟
 و من المفارقات التي تم التطرق إليها في الندوة أن عدد العمانيين ذوي المؤهلات و الباحثين عن العمل يبلغ 240 ألفا بينما عدد الشواغر في القطاع الخاص يبلغ المليون و نصف المليون. فلماذا نحن بحاجة الى استقطاب الوافدين لشغلها، ألا يجدر أن يشغلها المواطن أو يشغل المراكز القيادية منها على أقل تقدير؟ لا ريب أن الجميع يتطلع الى ذلك لكن.. يقال: "إن العماني غير مؤهل"، فرغم عدم عدالة هذا القول الا أننا نسأل.. لماذا؟ و من أين يأتي التأهيل؟ و من المقصر في ذلك؟ و ما هي استيرايجيات تأهيل العماني في ضوء تلك المقولة؟ فالحقيقة التي لا ريب فيها أن المناداة بأهمية الاهتمام بالتعليم كانت و مازالت و ستظل مطلبا وطنيا. أفلا يجدر بنا و نحن على أعتاب خطر يهدد أمننا القومي أن نضع التعليم في قمة أولوياتنا وبالتالي أن.. نعيد النظر!