الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

من أجل أن نكمل المسيرة

نعم.. هي تكملة للمسيرة التي اعلن جلالته ـ حفظه الله ـ استراتيجيتها منذ البدء حين أعلن: «سنعلم أبناءنا لو تحت ظلال الشجر». لقد أثمرت تلك الشجرة المعطاءة واستحقت ان تكون منبرا للعمل...

http://main.omandaily.om/node/67821

نعم.. هي تكملة للمسيرة التي اعلن جلالته ـ حفظه الله ـ استراتيجيتها منذ البدء حين أعلن: «سنعلم أبناءنا لو تحت ظلال الشجر». لقد أثمرت تلك الشجرة المعطاءة واستحقت ان تكون منبرا للعمل والعطاء. لم تعد شجرة جرداء تعطي متى ما اشتهت بل غدا العطاء مرفرفا على ربوعها ومرتبطا بشموخها.
ولم تعد ساحات العلم والعطاء محدودة المعالم فسعتها أضحت من سعة الكون الذي خلقه الباري عز وجل. وكأن صدى كلمات الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ يرن في أذن العماني مذكرا اياه بقوله : «أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر». كلمات حفظتها منذ صغري وتأصلت بداخلي بكثرة ترديدها من قبل الوالد ـ حفظه الله ـ منذ ان بدأت أعي ما في هذا العالم الكبير من ألغاز وما يحيط به من أسرار.
لقد حمل المشروع الطموح لانشاء مدينة للعلم والتقنية في السلطنة الكثير من آمال العماني الذي سمع نفس تلك الألحان الطموحة في خرير مياه افلاج عمان وبين حفيف أغصان نخيلها وأصداء جبالها الشامخة فتغرب في سبيل العلم متبعا قول نبيه الكريم «اطلب العلم ولو في الصين» فكانت له الصين وأوروبا وآسيا وامريكا مرتعا يحاول بكل ما أوتي من جهد ان يروي ظمأه للعلم والثقافة. الأمثلة حول مثابرة واجتهاد العماني الذي يلاحق ظل العلم أينما وجد ليس لها من مثيل. فهذا الطالب الذي لم يحالفه الحظ بسبب الظروف الأسرية المحدودة الدخل لم تقف عائقا دون اكتسابه للعلم، وذاك الذي عمل في اعمال دون مستواه الذهني والعقلي تراه ترفع عنها بجهده وجده ونال ما سعى اليه من شهادات ومؤهلات وهذه الامثلة لا حصر لها ولا غرابة منها فهي متأصلة في تلك الدماء الأبية وكثيرا ما نقف اجلالا لها.
لكن الغرابة حين نرى ان مقابل هذا المشروع العملاق الذي سوف يفتح الباب للانسان العماني ليروي نهمه المتعطش إلى كل ما هو جديد في عالم المعرفة والتقنية، عوائق تتمثل تارة في قوانين تجحف حق هذا المواطن الطموح وتتمثل تارة اخرى في مسؤول لا يقيم للحق والعداله قائمة. لهذا، فمن أجل التفعيل البناء لهذا المشروع العملاق لا بد ان توصد بعض من الابواب وتفتح ابواب اخرى لتتماشى مع سياسة الانفتاح والعلم التي أرسى معالمها باني النهضة المباركة ـ حفظه الله ورعاه. ففي الوقت الذي يعمل المسؤولون المخلصون لوضع لبنات تتماشى مع طموح الشباب العماني الذي أصبحنا نفتخر بهم وبقدراتهم وبخططهم واستراتيجيتهم في مجال اقتحام اسوار العلم العملاقة من الشرق إلى الغرب نجد ان بعض السياسات الداخلية تحبط تلك العزيمة المتقدة لتحولها هباء منثورا. وهناك امثلة لاحصر لها خصوصا في القطاع العام حيث يرى المسؤول ذاته صاحب القرار والآمر الناهي من غير حساب أو كتاب.
فمن ضمن الامور التي نلاحظها في هذا المجال على سبيل المثال لا الحصر عدم مساواة العمانيين بغيرهم من غير العمانيين في الرواتب. ففي الوقت الذي يحق لغير العماني راتبا عاليا يستكثر المسؤول على العماني مثل ذلك الراتب. فسلم الرواتب في صالح غير العماني وكأن ابناءنا لا يستحقون نعمة الحياة العزيزة. ومع الأسف فإن هذه الظاهرة عمت جميع القطاعات كالتعليم والصحة وغيرهما. والأمر الآخر الملاحظ في القطاع العام بشكل كبير هو تقديم أشخاص لتقلد مناصب والقيام بمهام اكبر من قدراتهم وامكاناتهم العلمية او الذاتية. وهذه الاشكالية توجد ترددات سلبية في ذلك القطاع بحيث تسهم في ارباك عملية التقدم المرجوة. ففي الوقت الذي تجتهد وتبتدع دوائر ومديريات لإرضاء بنت فلان أو ابن علان يتم في الوقت ذاته استبعاد او إقصاء كفاءات وطنية لسبب عدم تقدير المسؤول عن ذلك. وهذا ما يجعل المتقلد للمنصب من غير استحقاق مدركا في قراره ذاته عدم استحقاقه لعدم كفاءاته حيث يقرأ ذلك في عيون من حوله فيتحول إلى حارس لكرسيه بدلا من حام وحارس لمهمته ورسالته الوطنية.
ومع الاسف ، فإن هذه الإزدواجية في التعامل لا تقتصر على المسؤولين الصغار، بل تتعدى إلى مسؤولين أكبر في مناصبهم احيانا والصغار في ذواتهم فيقصون من يقصونهم مراعاة لمن هم من ابناء فصيلهم تارة ولمن تلتقي بهم مصالحهم ضاربين بذلك مصلحة الوطن عرض الجدار. وما اثار استغراب واحد من المعارف أنه حينما حضر إحدى فعاليات قامت بها جهة مسؤولة حول البنوك الاسلامية وجد استبعادا لكفاءة كان من المفترض وجودها لخدمة مصلحة نفس المؤسسة المنظمة. لكنه أدرك أن السياسة القائمة على التميز والاستبعاد تقتضي استبعاد المؤهلين ووضع الفيتو عليهم، لا لشيء سوى لنزوة داخلية تأصلت في ذات المسؤول على تلك المؤسسة. لأن مصلحة الذات لديهم تفوق مصلحة الوطن والمؤسسة!
وسياسة استبعاد العماني مقابل غيره لم يستثن منها قطاع دون آخر. فعلى سبيل المثال فإن جامعة السلطان قابوس التي تأسست من اجل المواطن العماني في المقام الأول، ولتكون منبرا عملاقا بين أبناء الوطن، ولتسطر انموذجا ومثالا لهؤلاء الطلبة من خلال توفير الاستاذ العماني المتمكن، نجد أن سياستها ترتكز غالبا على اقصاء العمانيين مقابل غيرهم. وجميع الحوارات مع المسؤولين لم تثمر سوى عن إصرار على عملية الاقصاء بعذر «القوانين لا تسمح». ومن الغريب ان القوانين التي لا تسمح للعماني بخدمة بلده قد وضعت من قبل غير العمانيين، وليأتي المسؤول العماني فينفذ تلك القوانين المجحفة.
لهذا فإننا امام هذا المشروع الطموح لا بد ان نغرس عقولا عمانية طموحة ونظيفة وتهدف الى خير البلد، ويتم استبعاد تلك العقول التي لا تعرف غير مقولة: «اللجان تدرس» و«اللجان تراجع» و«اللجان...» رامية بعجزها على تلك اللجان البتراء التي لا تقدم ولا تؤخر، والتي تضع «تحقيق الأهداف الوطنية» في آخر همها.
أتساءل: أين سيذهب العماني بعد أن تفتح أمامه أبواب العلم لينهل منها في ظل قوانين تضيق عليه ممارسة حقه في العطاء والمساهمة في بناء الوطن بعد حصوله على المؤهلات؟ وهل ستكون لتلك الطاقات والقدرات القادرة على العطاء قيود تكبت جماح رغبتها في المشاركة ببناء الوطن؟ وماذا سيكون مصير ذلك العقل المتقد ان ظلت تلك السياسة العمياء المتمثلة في الإقصاء والتجميد فاعلة؟ وماذا سيكون حال العماني ذي القدرات العلمية العالية ان ظلت تلك الأبواب موصدة أمامه واذا استمرت ابواب البؤر السوداء مفتوحة أمام غيره؟ الا نتوقع ان تلك الروائح الكريهة ستحد من صموده طويلا. فالرحمة على من لا حول لهم ولا قوة. ولا نرغب بأي حال من الأحوال ان يرتفع عدد المرتادين للمشافي العقلية والنفسية .. فلنعد النظر!