الأحد، 12 مايو 2013

من وحي ندوة فقه العيش المشترك

أقيمت في السلطنة خلال الفترة بين السادس والتاسع من شهر أبريل الماضي ندوة تطور العلوم الفقهية في دورتها الثانية عشرة وكانت بعنوان "فقه العيش المشترك". يتضمن هذا العنوان الكثير من الرؤى...



أقيمت في السلطنة خلال الفترة بين السادس والتاسع من شهر أبريل الماضي ندوة تطور العلوم الفقهية في دورتها الثانية عشرة وكانت بعنوان "فقه العيش المشترك". يتضمن هذا العنوان الكثير من الرؤى والطموحات والأهداف التي تؤسس لعيش مشترك بين مختلف المذاهب والأديان وفق رؤى إسلامية أصيلة يتخذ من الإنسان عامل بناء وتعمير وارتقاء نحو الأقضل. وطرح هذا العنوان في هذا الوقت له دلالات عميقة تنبع جميعها من الرؤى الحكيمة التي تنتهجها السلطنة وهو أيضا يعكس مدى الترابط الحضاري والإنساني التنوعي الذي بدأ يكوُّن له بيئة خصبة في أرض هذا الوطن. وهذا ما دفعني لحضور بعض جلسات هذه الندوة.
العديد من الكلمات التي استمعت إليها كانت غنية بمحتواها ومكوناتها. ومن بين الكلمات التي استوقفتني كلمة رئيس جامعة المذاهب الإسلامية ورئيس مركز الدراسات الإسلامية في مجلس الشورى الإسلامي في إيران فضيلة الشيخ أحمد مبلغي في الجلسة الافتتاحية. تطرق الشيخ إلى أهمية التعايش المشترك بين مختلف فئات وطوائف المسلمين في مختلف أرجاء العالم. وقد بيَّن أن العيش المشترك يقوم على أربع خصائص ذاتية ومن دونها لا يمكن أن يتحقق العيش المشترك. وهذه الخصائص هي:
  1. إنساني، بمعنى أن العيش المشترك يرتبط بالإنسان، فلا يمكن أن يكون العيش مشتركا ما لم يكن هناك أناس يتعايشون معا.
  2.  إنه أمر تبادلي أي أنه يقوم على عملية التبادل بين الناس أو الأشخاص.
  3.  إنه أمر تجريبي، بمعنى أن حصول العيش المشترك وتطوره وتكامله يتحقق بالتجربة بين بني البشر.
  4.  إنه أمر معنوي فهو يحدث بين الناس من خلال أحاسيس الحب والعشق والجمال بعيدا عن عناصر الصلابة، فالعيش المشترك هو تفاعل إنسانيٌ سامٍ .
وفي ختام الندوة تم الاتفاق على ثماني عشرة توصية ركزت مضامينها على الجانب النظري من مفهوم العيش المشترك. فقد تمحورت تلك التوصيات حول برامج الفقه الإسلامي والنظريات الفقهية ومحاولات ربطها من قبل أساتذة الدراسات الإسلامية بالواقع المعاصر. كما أن التوصيات أشارت إلى المقارنة بين المذاهب الإسلامية لبيان القواسم المشتركة وإيجاد تفاعل فكري وترابط عقلي بينها. كما حاولت بعض التوصيات توجيه اهتمام الباحثين والدارسين إلى عملية الدراسة والتبادل والتآزر بين أقسام اللغة العربية والدراسات الفقهية بالجامعات، بالإضافة إلى عدد آخر من التوصيات.
استنادا إلى ما ورد في محاضرة فضيلة الشيخ أحمد مبلغي حول الأبعاد الإنسانية في عملية التعايش ، فإنه من المؤسف أن تكون ندوة بهذا المستوى الرائع شحيحة من حضور العنصر البشري المتنوع من حيث التخصصات العلمية والاكاديمية، كما أنها افتقدت ذلك في توصياتها. فقد عكست التوصيات اهتمامات الحضور وافكاره المتخصصة وضمن دائرة مواضيع محددة محصورة في الجوانب الفقهية والبحثية واللغوية. وانطلاقا من كوني من خارج الدائرة الفقهية والشرعية من حيث الاختصاص وضمن الدائرة الإنسانية التي ترى في العيش المشترك عامل حياة وتقدم ورقي، فقد عشت الكثير من الطموحات في أن أرى أفكارا لتأصيل العيش المشترك وجعلها قابلة لكي ترفرف في ممارساتنا الحياتية ومناهجنا الدراسية وبرامجنا الإعلامية وغيرها.
لاحظ الباحثون في المجالات الإنسانية أن عملية التعرف على الآخر أو العيش معه تؤسس لعلاقة إيجابية وتؤثر في اتجاهات الأشخاص نحو بعضهم البعض. ففي دراسة قمنا بها حول حقوق المرأة في الإسلام من وجهة نظر الطلاب الجامعيين الامريكيين، لاحظنا أن الطلاب الذين عاشوا بين المسلمين أو الذين تعرفوا على الإسلام سواء من خلال قراءاتهم أو التحاقهم بمساق دراسي عن الإسلام كانت وجهات نظرهم أكثر إيجابية حول حقوق المرأة المسلمة مقارنة بأقرانهم الذين لم تتح لهم مثل تلك الفرص. هذه الفكرة تنطبق أيضا على مختلف الشعوب التي تعيش على أرض واحدة . فمع الأسف، تجد نفسك تجهل عن أبناء وطنك الذين يشاركونك الأرض والجنسية وحب الوطن والتفاني من أجله. وهذا التقصير يرجع إلى عدد من العوامل تأتي المناهج الدراسية في مقدمها باعتبارها العامل الأكثر تأثيرا في تأصيل العيش المشترك. فمن خلال المناهج الدراسية، وبعيدا عن أية حساسيات، لابد ان تتم معالجة عملية التواصل والتعارف بين أبناء الوطن الواحد. فلدينا العديد من القبائل واللغات واللهجات والعادات والتقاليد، إلا أنه من المؤسف بأننا أثناء سني دراستنا لم نعرف عن ذلك، وإلى يومنا . أبناؤنا لا زالوا يجهلون هذه الحقائق وإذا عرفوها فبأسلوب سلبي. ففي زيارة قصيرة لي برفقة بعض أفراد اسرتي الى مسندم تعرفت على الكمزاريين والشحوح لأول مرة. وكم أسعدني سماع لهجتهم والتحدث اليهم ومعرفة الكثير من التأثيرات التي أسهمت في الاختلافات اللغوية فيما بينهم. وأنا على يقين بــأن جهلي بهم لا يقل درجة عن جهلهم بي وباللهجة اللواتية. فأحيانا هاجس الخوف من التعرف على الآخر يجعلنا نسلك طريق تجاهل الآخر أو العيش معه بصمت، لكن العالم الذي حولنا المليء بالمتناقضات لا يحتمل الصمت فيتم ملؤه غالبا بغير النافع وربما الضار من الانطباعات التي لا يمكننا التحكم بها. ومن هنا نجد أنفسنا قد وقعنا في عملية معاكسة من حيث النفخ في تلك البالونة التي نحاول تحاشي النفخ فيها. ولاجتناب ذلك فنحن بحاجة إلى أن نرصف طريقنا من خلال تحديد معالم سليمة لعملية العيش المشترك والتعرف على الآخر. نحن في زمننا الحالي لسنا مطالبين بالتعرف على أبناء وطننا فحسب وانما أيضا بذلك الآخر الذي يشاركنا العيش على أرض هذا الوطن بغض النظر عن جنسيته أو دينه. قبل فترة تقدمت بفكرة برنامج تلفزيوني لهيئة الاذاعة والتلفزيون كان يحمل هدفين أحدهما تربوي والآخر تعايشي أو تعارفي من خلال التعرف على تقاليد وعادات كل من يشاركك العيش على أرض عمان، الا وأنه كما هو حادث مع الكثير من الأفكار التي تقدم لا تسمع ردا عليها لأن هذا الاسلوب بالنسبة لمؤسساتنا أبلغ الحديث!
لقد كنت آمل من ندوة (فقه العيش المشترك) والتي حملت أهدافا ورؤى سامية وشعارا رائعا أن تحتضن الكرة الارضية بكل أبعادها وأن تستخلص إلى توصيات أكثر التصاقا بالعيش المشترك بشكل عملي، فتجعل من فكرة العيش المشترك فكرة حياتية وليست محصورة في الرسائل الأكاديمية أو تحت قباب الخطابة والكتابات البلاغية. كنت أتمنى ان تكون ندوة دينامكية يشارك فيها المعلم والطالب ورجل الأعمال والطبيب وغيرهم من فئات المجتمع المختلفة في خطوة تستنبط ذلك الفقه من الحياة وليس ضمن نظريات جامدة، ولهذا أسأل: أليس من الأجدى أن .. نعيد النظر؟