الأحد، 28 أبريل 2013

القراءة بين الطموح والواقع -2

قبل عام تقريبا من هذا التاريخ وبالتحديد بتاريخ 8 ابريل 2012 كتبت مقالا بعنوان المقال الحالي نفسه ونشرته في جريدة عمان ولذلك فإنني اعتبره الجزء الأول واعتبر هذا المقال الجزء الثاني...


 قبل عام تقريبا من هذا التاريخ وبالتحديد بتاريخ 8 ابريل 2012 كتبت مقالا بعنوان المقال الحالي نفسه ونشرته في جريدة عمان ولذلك فإنني اعتبره الجزء الأول واعتبر هذا المقال الجزء الثاني (وان كان بعد عام ولكن للترابط بينهما) . في المقال السابق تحدثت عن الآمال التي تدغدغ عقول وطموحات الشباب العماني الذي يحلم بوطن يقرأ وبكتاب يتحرك بين أنامل أطفالنا. واستخلصت الى أهمية التكاتف والتعاون بين عدد من الدعائم من بينها المدرسة والبيت والمجتمع المتمثل بالجهود النيرة للشباب. وما زالت تلك الجهود النيرة والطموحات والمساعي الشبابية الجادة تحاول بكل مثابرة رصف الطرق الوعرة وتزيين المعبدة منها بأزهار تغمر حركة الأجيال الصاعدة بأريج فواح عطر.
هناك عدد كبير من تلك الجهود الطموحة التي تحاول زرع اتجاهات ايجابية في عقول وافئدة الكبار والصغار عن القراءة. هذه الجهود الطموحة تحاول جنبا إلى جنب مع الجهود الأخرى المتمثلة في المحاضرات العامة كمثل تلك التي تتبناها وزارة ديوان البلاط السلطاني من خلال مكتبة المعرفة التي تعمل على نشر ثقافة القراءة بين الأطفال. كل تلك الجهود الجميلة بجانب الكتابات التي تنشر في الجرائد والمجالات أو ما يصلنا من خلال قنوات التواصل الاجتماعي كلها بلا شك تؤصل لمجتمع قارئ. إلا أن التأصيل لمجتمع قارئ يواجه بعض التحديات المتمثلة في عدد من الأمور التي لابد أن تتوجه نحو بعض تلك الجهود في عملية تكاملية من أجل إيجاد مجتمع قارئ وكتاب يقرأ.
قبل عدة سنوات أتيحت لي فرصة الالتقاء بعدد من الأطفال من دول عربية مختلفة في حلقة عمل حول الكتابة. حاولت من خلال تلك الحلقة اكتشاف الأسباب التي تحد من مستوى قراءة الأطفال للكتب العربية.
واحدة من الأمور التي اشتكى منها الطفل العربي هو غياب الكتاب الجيد الذي يشبع ميوله ويلبي احتياجاته. وعند محاولة فهم نوعية الكتب التي يقرؤها الأطفال تبين أن الكتاب العربي يفتقد الى عنصر الإثارة والابداع. كما أن معظم حديث الأطفال انصب في مقارنة الكتاب العربي بالكتاب الغربي وبالتحديد الكتاب الانجليزي الموجه للنشء والذي ينال استحسانهم رغم الضعف اللغوي للبعض منهم. كما وجدت من خلال ملاحظتي للكتب العربية المصورة للأطفال أن هناك تطورا واضحا في مستوى الرسومات إلا ان المحتوى في جل تلك الكتب ما زال ضعيفا. هذا الضعف في المحتوى في معظم الكتب العربية يعود إلى سهولة نشر الكتاب من قبل المؤلف نفسه من ناحية ومن ناحية ثانية قلة دور النشر الهادفة بالإضافة الى اختلاف آليات التعامل مع الكتاب وأسلوب نشره بين الشرق والغرب.
كما يلاحظ أن العديد من المؤلفين العرب يؤسسون دور نشر خاصة بهم لنشر ما يكتبونه هم فقط. وبهذا فهم بحاجة ماسة في هذه الحالة لكمية مناسبة من الكتب التي تؤهل دار نشرهم من أن تجد لها موطئ قدم في سوق الكتب يساعدها على النجاح والاستمرار بالإضافة الى حماية المؤلف نفسه من استغلال دور النشر الأخرى. ولا يستبعد ان تكون هذه الظاهرة تسهم في هبوط مستوى الكتاب الموجه للطفل. وأخيرا، فإن الكاتب العربي يفتقد للجو الداعم والمشجع وذلك لغياب مجموعات العمل تتكون من المؤلفين أنفسهم لقراءة وتقييم ونقد ما يكتبونه. وهذا الأسلوب متبع في الغرب ويطلق عليه اسم «مجموعة النقد أو التقييم» «critic group». ففي جلسة جمعتني مع إحدى مؤلفات كتب الأطفال الأمريكيات ذكرت لي أن أحد كتبها التي لاقت رواجا كبيرا كان عبارة عن قصة قامت بتأليفها في إحدى حلقات العمل التي التحقت بها. تقول المؤلفة أن القصة التي كتبتها للحلقة تم مناقشتها في مجموعة العمل التي تم تكوينها من المؤلفين الملتحقين بالحلقة حيث أبدوا وجهات نظرهم حولها. وإن واحدة من وجهات النظر التي طرحت عليها كانت متعلقة حول خاتمة القصة. وهذه الخاتمة أضافت للقصة عنصر الابداع والابتكار. هذه الأجواء التنافسية والتكاتفية بين الكتاب والمؤلفين تكاد تكون معدومة بين الكتاب العرب.
في عدد من المحاولات التي قمت بها لتأسيس مثل تلك المجموعات فكانت النتيجة عدم التجاوب لأسباب غير معروفة. أعود وأسأل ماذا يقرأ اطفالنا؟ وهل يجدون بين يديهم كتابا جيدا يستأثر على اهتماماتهم ويلبي طموحاتهم ويطرح لهم فكرا وعملا مبدعا ومبتكرا؟
العائق الآخر الذي يقف في وجه الجهود الشبابية الطموحة من أجل خلق مجتمع ووطن قارئ هو غياب النموذج أو القدوة أمام الطفل. فالطفل يتعلم من البيت والأسرة والمجتمع. وبتكاتف هذه العناصر جميعها تنتج طفلا ومجتمعا قارئا. أتذكر حينما كنا نعيش في الولايات المتحدة طبقنا فكرة جميلة بين سكان المجمع السكني لحث الأطفال على القراءة.
الفكرة لم تقتصر على الأطفال وإنما ساهم فيها جميع أفراد المجمع صغارا وكبارا. استندت الفكرة على تبديل عدد من صفحات الكتاب المقروءة من قبل أي شخص أو مجموعة من الأشخاص خلال شهر معين بلوحة تعلق على حبل. وفي نهاية الشهر يمد الحبل من جهة إلى أخرى لمعرفة مدى طوله.
هذه الفكرة ساهمت من الناحية التربوية في توصيل عدد كبير من المفاهيم للصغار الذين رأوا في الكبار قدوات لهم شاركوهم اهتماماتهم القرائية.
فكرة وجود قدوة هي واحدة من الأفكار التي تم تطبيقها في بعض هذه الجهود الشبابية الطموحة وذلك خلال تمثيل بعض الشخصيات الاجتماعية في أنشطتهم الموجهة للطفل . هذه الشخصيات الاجتماعية منها من هو معروف بميوله الثقافية واهتماماته الأدبية في مجال النشر والكتابة والقراءة الا ان البعض قد يكون بعيدا ومن ميدان آخر سطع وبرز فيه. فعملية اختيار النماذج المتصلة بالشأن الثقافي أمام الأطفال والتعرف عليهم عن قرب وعما يقرؤونه هو من ضمن الأساليب التربوية التي تسهم في تعلق الطفل بالكتاب. فأثناء قراءة عضو مجلس الشورى (على سبيل المثال) أو بعض الشخصيات الأخرى المعروفة بتواصلها الثقافي واهتمامها بالعمل القرائي لمجموعة من الأطفال والتحاور معهم حول الكتاب فإن رسالة قوية ومعبرة تصل للطفل حول أهمية الكتاب والقراءة. لأن العملية الثقافية لها خصوصية تسمو وتختلف عن الأنشطة الأخرى والإعلانات.
الطفل كائن مفكر ومحلل وله شخصية يجب احترامها. وعندما نرغب في إيصال فكرة ما للطفل فلابد أن تكون للفكرة دعائم قوية وركائز صلبة تستطيع أن تؤثر في الطفل. فعملية الاختيار للنماذج والقدوات لابد أن تكون قائمة على أسس تعني بشكل كبير بمدى انسجام تلك النماذج مع التطلعات والطموحات. فما يؤمن به المرء لا شك أن يظهر ويبرز في سماته وتطلعاته. فمن هنا لابد أن تمثل القراءة أو النشاط القرائي والكتابة الصدارة في الاهتمامات اليومية لتلك القدوات. ومن هنا فمهما كانت لتلك القدوات والنماذج الرقي والامكانية والشأن إلا أن لكل فارس ميدانه. ولا يتألق الفارس إلا في الميدان الذي اختص فيه ونهل من جدوله. ولإيجاد وطن يقرأ .. وطفل يقرأ .. فحري بنا الآن أن نضع أمام اطفالنا نماذج وقدوات من كان القلم لعبتهم أو الورق ملهاهم أو الكتاب مرتعهم! وكل فارس يعرف بفروسيته.... فلْنُعِدِ النظر!