الأربعاء، 20 يوليو 2011

المعلم.. الصوت المفقود

بينما كنت أقف منتظرة دوري للتسجيل في مؤتمر حول التعليم والمناهج في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الامريكية، استقطبني الكم الهائل من المعلمين المشاركين في المؤتمر...



بينما كنت أقف منتظرة دوري للتسجيل في مؤتمر حول التعليم والمناهج في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الامريكية، استقطبني الكم الهائل من المعلمين المشاركين في المؤتمر.
هذا الكم الهائل من المعلمين الذين كادوا يشكلون الفئة الأكثر بروزا في مؤتمر دولي يعقد كل عام ويقصده تربويون من مختلف انحاء العالم يوازي في قوته تلك المباني العملاقة التي تتربع على ضفاف نهر شارلز لتستقي منه ذلك الطموح في التجديد والتغيير.
ويتربع المعلم في مركز القطب من الرحى ليكون هو الربان الحقيقي في عملية التغيير. وهذا الايمان بالمعلم لم يقتصر على شعارات براقة وانما ينعكس جليا في قوة وجوده وتمثله في جميع المؤتمرات المنعقدة في المجال التربوي انطلاقا من الايمان بدوره الأساسي والحقيقي في الشأن التربوي.
هذه الملاحظة الجديدة القديمة بالنسبة لي اعتصرتني ألما وانا استعيد غياب المعلم العماني او تجاهله في كل مؤتمر يعقد حتى على المستوى الاقليمي وحتى الوطني، ناهيك عن المؤتمرات العالمية.
لقد أغناني ديننا الحنيف وتراثنا الاسلامي العربي عن أن استعراض دور المعلم وأهميته. فيكفي تلك المهنة فخرا أنها تعد مهنة الانبياء والأولياء والصالحين. الا ان تغييب المعلم عن المؤتمرات والدورات المهنية هو في الحقيقة استهانة بهذه المهنة، وهذه الاستهانة لا تسيء الى مهنة التعليم بقدر ما تسيء الى الشعوب والاوطان من خلال التقليل من شأنها وقدرها.
كما قلت ان هذه الملاحظة الجديدة القديمة لم تستقطب اهتمامي سابقا وأنا طالبة دراسات عليا، الا أنها استوقفتني هذه المرة وانا أراقب المعملين في المؤتمر يتبادلون الافكار والآراء ويلاحظون يراقبون ويناقشون حول تطبيق هذه الفكرة أو تلك. يحاولون جاهدين في تقسيم أنفسهم إلى مجموعات للمشاركة في المحاضرات التي تعرض في نفس الأوقات والتي تقع ضمن دائرة اهتماماتهم ليتمكنوا من تغطية جميع المعلومات والافكار التي هم بحاجة اليها. فقد وجدت هذه المؤتمرات للانارة على كل ما هو جديد في الميدان التربوي من جهة ومن جهة اخرى لاستعراض التجارب التي تم تطبيقها فيتم تبنيها و صقلها من قبل آخرين فـ "العلم يزكو على الانفاق" كما قال الامام علي (ع).
فحضور ومثول المعلم في هكذا مؤتمرات أمر طبيعي، الا أن ما هو شاذ وغير مفهوم هو التواجد الكبير للاداريين وغيرهم من بلداننا في المؤتمرات او الدورات سواء على المستوى الوطني أو الاقليمي أو العالمي وغياب المعلم شبه التام.
وهذه هي مع الاسف الصورة التي عادة ما تبرز في واقعنا التعليمي والتربوي حيث نجد ان المديرين ومن فوقهم وهم في العادة المستهدفين ليظهروا وجودهم في هذه المؤتمرات، أما المعلم قطب الرحى في العملية التعليمية فوجوده مغيب. فمثلا قبل عدة أعوام حضر هذا المؤتمر الذي اشرت اليه مجموعة من التربويين من وزارة التربية والتعليم، مدير ومديرعام ووكيل وزارة و من على شاكلتهم. ماذا كانت الحصيلة؟ زيارة جميلة للولايات المتحدة ونزهة طيبة بين ربوع احدى ولاياتها.
ان حضور المعلم بجانب الكفاءات الاخرى التي لها دور اساسي في إثراء العملية التعليمية هو ضروري من أجل علمية الاصلاح و من ثم الارتقاء التي من المفترض ان يطمح إليها الراغبون في رفع المستوى التعليمي في السلطنة.
ان بعد الاداريين عن تلمس احتياجات الميدان التربوي وغرقهم في لجج الامور الادارية والاجتماعات وتنافسهم على الإنضمام الى اللجان لم يتح لهم فرصة التفكير في المعلم باعتباره قطب رحى العملية التربوية في جميع تلك التخبطات التي يلجون فيها. و لهذا نستطيع إدراك أن الهدف الرئيسي من حضور الدورات والمؤتمرات وخاصة خارج البلد ليس بدافع الاستفادة والإفادة ، وإنما بدافع حفظ التوازنات.
لهذا قد يحضر شخص في مؤتمر ما ليس له فيه ناقة ولا جمل ولا معرفة ولا فهم عما يجري في ذلك الحقل.
فلا بد من نقل مسألة حفظ التوازنات من واقعه المبني على المناصب والمحسوبيات الى حفظ التوازنات القائم على رعاية الإحتياجات والاستحقاقات مما يؤدي الى الحفاظ على خير وطننا والاهتمام بأجيالنا القادمة وهذا لن يتحقق الا اذا كان المعلم في رأس قائمة اهتماماتنا.
لقد تطرقت جريدة USA Today في مقال جميل في نفس المجال أتى مكملا لما أشرت اليه في هذا المقال. لقد ذكر المقال الاسباب التي أدت الى تطور التعليم في فنلندا وتقدمه على التعليم في الولايات المتحدة وعلى الكثير من دول العالم. وأول النقاط التي تطرق اليه هو المعلم. فقذ ذكر المقال بأن فنلندا تتعامل مع مهنة التعليم بأسلوب متحضر يرفع من شأن المهنة ويجعلها من المهن التي يتسابق عليها المجيدون والقديرون. فيتم اختيار الشخص الأكثر تميزا ليكون معلم الغد ويظل مدعوما بشكل متواصل وبمختلف الوسائل لاستمرار نموه المهني. ولأن التدريس والتعليم من المهن التي تستهلك الفرد فإنه من اجل مراعاة المحافظة على راحة المعلم واستمرار عطائه، يتم تخصيص اكثر من معلم واحد في كل صف ليلبي احتياجات الطلبة الاقل مستوى. وقد أولت الدولة الفنلندية اهتماما خاصا بالتعليم و التدريس برفع قدر ومنزلة المعلم بحيث أصبحت مهنة التعليم من المهن التي تستقطب احترام وتقدير المجتمع فيتم التعامل مع المعلمين كالابطال الذين خاضوا الحروب. فيشير كاتب المقال مقربا صورة المعلم الفنلندي للقارىء الامريكي في أن المعلم في فنلندا يعامل كما تعامل الولايات المتحدة مواطنيها الشجعان في السلك العسكري.
لقد أقر ديننا الحنيف بضرورة رفع شأن العلم والمعلم وأولاهما عناية كبيره واعتبرهما سببا اساسيا في رقي الامم. فلنلبي تلك الدعوة السماوية التي أولت العلم والمعلم دورا بارزا ولنرتقي بهما معا لنرقى نحن .. ولنعد النظر!.