الثلاثاء، 28 يونيو 2011

الإعلام...و المناهج الدراسية

اختلفت وسائل الإعلام عبر التاريخ فمن الشعر الى الصحف فالاذاعة ثم التلفاز وأخيرا الإنترنيت. و في زمننا الحالي تعددت وسائل الاتصال و التواصل و التي تتمثل ... 


اختلفت وسائل الإعلام عبر التاريخ فمن الشعر الى الصحف فالاذاعة ثم التلفاز وأخيرا الإنترنيت. و في زمننا الحالي تعددت وسائل الاتصال و التواصل و التي تتمثل في جوهرها وسائل اعلامية تؤثر في صياغة فكر و توجهات الناس كما شهدناه مؤخرا بالنسبة لتونس و مصر و البحرين و ليبيا و سوريا و غيرها من الدول. و تعد وسائل الاتصال - سواء تلك التي كانت سائدة سابقا أو تلك السائدة الآن بجميع اشكالها و أنواعها- المؤثر الاكبر في افكار و قيم و اتجاهات الناس و سلوكياتهم. فالشعر على سبيل المثال لعب دورا مهما في العهود الماضية في الحروب والمعارك ، حيث كان الوسيلة الاعلامية التي الهبت صليل السيوف و شحذت همم الرجال ، و ايضا استفيد منه في المدح و الفخر و الهجاء.  و  كما هو الحال الآن مع الاعلانات التجارية، فقد لعب الشعر ايضا دورا في تغيير الذوق الشائع للناس نحو السلع التجارية. فيحكى أن تاجرا في بغداد حين عجز عن بيع الخمر (جمع خمار) ذات اللون الأسود بعد نفاذ الألوان الأخرى ، طلب االتاجر من احد الشعراء ان يكتب له شعرا لتحبيب النساء باللون الاسود. فكتب قائلا: قل للمليحة بالخمار الاسود ..  الخ. و هكذا ساهم شعره في نفاذ البضاعة التي كادت ان تفسد عليه تجارته ، فلم تبق فتاة في بغداد الا و اقتنت خمارا اسودا.
 
و تطالعنا الاخبار العالمية بين الفينة و الاخرى مظهرة لنا أثر الرسوم المتحركة أو الافلام و الاخبار على الصغار و الكبار ، الا ان فضول الاطفال الذين يستهويهم تجربة ما يرونه يحدث امام اعينهم و لا يؤهلهم فكرهم او قدراتهم من تحليل ايجابيات او سلبيات ذلك الحدث، فيقعون فريسة مخاطر و مهالك تودي بحياتهم في أحايين كثيرة. فقرأنا قبل فترة وجيزه عن محاولة طفلين في تقليد موقف شاهداه على التلفاز حين وضعا حبلا امام رقبة احدهما و سحب الآخر الكرسي من تحت رجليه مقلدين بذلك مشهدا تلفزيونيا شاهداه.  أمام هذا المشهد المحزن هناك مشاهد أخرى تعلمها الصغار و مارسوها ، و من بينها أن طلابا ما بعد ان وجدوا ان أمهاتهم و أباءهم لم يستطيعوا تغيير واقع مؤلم لهم كانوا يعيشونه كل يوم مع معلم غير كفؤ، فخرجوا في مجموعات يهتفون بأن "الشعب يريد تغيير المعلم .." و استمرت صرخاتهم الى ان تحقق مطلبهم في تغيير المعلم بعد عجز أولياء الامور من اقناع الادراة المدرسية بضرورة تغييره.
أمام هذا الواقع الاعلامي المتسارع و المؤثر الى حد كبير في عقول اطفالنا و ابنائنا من مختلف الاعمار لم نر منهجا موازيا في الأبعاد أو حتى مقاربا يمكنه ان يسهم في صقل القدرات النقدية عندهم. ففي هذا الزخم الاعلامي المتسارع الذي ينساب من الاذاعات و التلفاز و الكمبيوترات و الجرائد و المجلات نجد أنفسنا بمسيس الحاجة الى مساعدة الطالب على فهم ما يدور من حوله من خلال تنمية قدراتة على الانتقاء و الاختيار و تنمية مهاراته على السؤال و الاستفهام و التي تسهم في بناء تصورات و مفاهيم لديه عما يجري حوله من احداث. أمام هذا الكم المتسارع من المعلومات و الموجه نحو الطالب ، أبدى التربويون رأيهم بضرورة الاهتمام بما يسمى بـ “Media literacy” و الذي يعني القضاء على الامية و الجهل تجاه الاعلام. فحسبما يذكر التربويون الغربيين ، فإن الاهتمام بوسائل الاعلام في بعض من هذه الدول الغربية مقصورة على بعض من البرامج و المناهج التعليمية ، حيث يتم إعطاء الطلاب جرعات اعلامية تقدم عبر استخدام الانترنت لكتابة بحث ما أو مشاهدة فيلم ما في حصة التاريخ.  الا ان عملية توعية الطلبة بالاعلام لا بد ان يأخذ أبعادا أكثر وعيا و تطورا مما نحن عليه الآن أو كنا عليه من عشرات السنين. فتوعية الطالب بما يذاع أو ينشر او يقرأ او يرى من خلال الاعلام لا تتأتى الا من خلال منهج ينمي لديهم عينا و أذنا يستطيعان بهما نقد و فحص و من ثم التعليق على الخبر بدقة و اهتمام. فالاعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الاخبار و الاحداث ، و إنما هو وسيلة تساهم في صياغة مفاهيمنا حول الحياة بشكل عام. و نحن نشهد بوضوح مدى أثر الاعلام على الشباب و المراهقين من حيث مأكلهم و ملبسهم و محاكاتهم للواقع و اهتماماتهم و حتى على حركاتهم سواء التي يكون لها صدى ايجابيا أو تلك التي خرجت عن الاطر السليمة في التعبير عن الرأي. إن رسالة المناهج الدراسية لا بد أن تكون أشمل و أعمق من أن تقتصر على زرع تقاليد و قيم المجتمع ، بل لا بد لها أن تتعدى نحو إعداد الطالب من خلال وضع التحديات أمامه لكي يتمكن من فهم الواقع المتقلب الذي يعيشه وبالتالي تؤهله لكي يتحلى بمهارات التحليل و النقد و وضع الحلول للمشاكل. و لا بد أن نميز بين المنهج الدراسي المزخرف ببعض القيم من أجل رفع العتب لا يأتي بأي عائد في بناء عقل ناقد متفحص ، و بين منهج دراسي يكون انطلاقاته وليدة الايمان و الثقة بأهميته و ضرورته الوطنية ليكون معينا لابنائنا في فهم و معرفة الخلل و تحليل الخبر و في كيفية التعامل مع مختلف الوسائل الاعلامية من غير الاخلال بقيم المجتمع و ثقافته.  فلنعد النظر!