الأحد، 2 سبتمبر 2012

أبـناءنا المبتعـثـين ..عين الله ترعاكم


نحمد الله سبحانه و تعالى على هذه التوجيهات السامية التي انتشلت أبناءنا من براثن الحيرة حيث كان الهدف غير واضح والطريق مقلقا . و هذا الأمل الذي غمر الطلبة ذوي الامكانيات...


نحمد الله سبحانه و تعالى على هذه التوجيهات السامية التي انتشلت أبناءنا من براثن الحيرة حيث كان الهدف غير واضح والطريق مقلقا . و هذا الأمل الذي غمر الطلبة ذوي الامكانيات و القدرات المختلفة وانتشلنا كآباء و أمهات و أيضا طلابا وطالبات من سهاد الليل و المضجع القلق.. ليفتح لنا جميعا شعبا و مجتمعا و أسرة أملا جميلا جديدا.. ولهذا وجب الشكر و الحمد!.
تذكر الماضي غير البعيد يثير الكثير من الشجون إلا أنه في الوقت ذاته يُثَمِّن النعمة والخير. فقبل عدة أعوام، ما أن كان طالب الثانوية العامة ينهي امتحاناته وتظهر النتائج حتى تبدأ الآلام وتتصاعد الآهات فتنغصنا لضياع الفرص. أما اليوم و لله الحمد فإمكانية الحصول على بعثة دراسية لتكملة المشوار العلمي أصبحت متاحة للكثيرين. وجددت الأمل عند معظم الطلبة في أن يتداركوا ما فاتهم أما نتيجة إهمالهم أو بسبب المناهج والنظام المدرسي أو لاية أسباب أخرى ، وبالذات أولئك الذين يسمون بالمصطلح التربوي «underachievers». وهؤلاء الطلبة «underachievers» هم ممن قدراتهم و إمكانياتهم العقلية أكبر بكثير من انجازهم الفعلي في التحصيل العلمي والذي يقاس بالاختبارات والامتحانات. وأيضا من المنظور التربوي، فإن هذه الفرص الدراسية المتاحة لهم في خارج الوطن وفي إطار نظام دراسي مختلف (و إن كانت هناك مؤاخذات على مستويات الجامعات المطروحة أمام الطالب) لا ريب سوف تسهم في أن يردم الطالب ذو الامكانيات العالية تلك الفجوة بين تحصيله وقدراته، مستخدما ما وهبه الله سبحانه وتعالى للمساهمة الايجابية على مستوى الذات و الوطن و العالم.
إن الحياة في الغرب كما أنها مليئة بفرص التعلم والاستمتاع فهي أيضا حقل خصب لمعرفة الذات وتطويرها و تنميتها بأسلوب يتناغم مع معتقدات الفرد و إيمانه. وحينما استعرض فترة وجودي في الولايات المتحدة أرى اننا كأسرة مسلمة حصلنا على الكثير من الاحترام والتقدير لسبب واحد يتركز في أننا كنا نعيش التناغم بين معتقداتنا وممارساتنا. فكوني مسلمة ملتزمة بالحجاب وأكل الحلال لم يكن عائقا بقدر ما كان سبيلا لجلب الاحترام و التقدير. أذكر أن أحد زملاء الدراسة الامريكيين ذكر في إحدى الجلسات الأكاديمية في انه شعر بالسعادة وهو يراقب الأسرة المسلمة التي أخذ كل فرد من أفرادها دروهم في تأدية الصلاة في وقت الظهيرة في وولت ديزني. (Walt Disney)
<!--[if !supportLineBreakNewLine]-->
<!--[endif]-->
هناك العديد من الأمثلة التي ذِكْرُها يُطرب النفس في كيفية احترام المرء لقيمه ومعتقداته وكيف أن ذلك الاحترام مدعاة لجلب تقدير الآخرين له. أتذكر في أن إحدى الاسر المسلمة التي التحق ابناؤها بالمدارس الثانوية في الولايات المتحدة واجهوا في البدء صعوبات تتعلق بتوفر اللحم الحلال وأيضا بحجاب بناتهن أثناء ممارستهن لمادة التربية الرياضية. إلا أن الحديث مع الإدارة المدرسية يسرت لتلك الأسرة الأمر و أوجدت لها البدائل لحل تلك المشاكل. فقد أبلغتهم الادارة بأن ذلك من حقوقهم وان احترام قيم و معتقدات الآخرين هي ضمن مفاهيم وقيم المدرسة ومناهجها و أنظمتها. وفي هذا الصدد ، يذكر أحد الشباب ممن أتيح له فرصة العمل في الولايات المتحدة، أنه بناء على طلبه كانت تخصص طاولة عشاء خاصة لغير المتناولين للمشروبات الروحية خلال أية أمسية تنظمها شركته و أن أحد ملاك الشركة كان يجلس معه على تلك الطاولة التي كانت تستقطب الجميع!
لقد اشار المفكر جودت سعيد في كتابه "فقدان التوازن الاجتماعي" إلى عدد من النقاط التي تشرح حالة العجز عند النفس البشرية تجاه الآخرين. واحدة من تلك النقاط التي ذكرها والتي يعاني منها بعض المسلمين أو العرب بشكل أخص هو "فقدان الشعور بالأناقة". ومصطلح "فقدان الشعور بالاناقة" يظهر من خلال الشعور بالدونية والصَّغَار الذي ينتاب الإنسان العربي أمام الانسان الغربي. وهذا النوع من الشعور سببه أنه يؤمن من داخله بأنه "لم يعد يحمل شيئا يحتاج العالم اليه". وهنا يستحضر جودت سعيد مثالين لتقريب الفكرة. المثال الاول هو مثال ذلك العربي الذي استبدل لبسه باللبس الإفرنجي داخل وطنه إلا انه بقي مع طربوشه الأحمر في محاولة لإثبات شخصيته بأسلوب سلبي.

والمثال الآخر الذي طرحه هو مثال غاندي الذي كان يشعر بأنه يملك شيئا والعالم في حاجة اليه. لذلك لم يكن غاندي يشعر بأنه بحاجة إلى تقليد الآخرين في لبسهم أو أكلهم "لأنه لم يدخل العالم الخارجي ليقلده، بل لأجل أن يغيره". فهو الشعور بالاناقة التي كان يحملها غاندي والتي يفتقدها أغلبنا خصوصا حينما نكون امام الغربيين فنشعر بالمنبوذية. الشعور بالمنبوذية ناتجة من تصورنا بأننا إذا التزمنا بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ومعتقداتنا، فإننا نكون منبوذين فلهذا نبدأ في عملية التقليد.

ثم يواصل المفكر جودت سعيد مستعرضا في أن الشعور بالأناقة والشعور بالمنبوذية هما شعوران "يمثلان بدء الحضارة وانهيار الحضارة". ويشير إلى أنه من الصعب ان نرتفع الى درجة الشعور بالأناقة إذا كنا نستبطن الإحساس والشعور بالمنبوذية. ومن أجل الارتقاء بالشعور فلابد ان نقوم بتغيير الذات وكسب التوزان الصحيح والإيمان بأن لدينا شيئا ما نقدمه إلى العالم، فلا نتحول الى مقلدين بل إلى مساهمين في الحياة بشكل إيجابي.
لقد تطرق المفكر جودت سعيد في كتابه الى أمر آخر، وهو إن فقدان الهدف على مختلف المستويات يشعرنا بالضياع. وهذا الشعور هو الذي يقودنا في أن نقلد الآخرين. وعملية التقليد (وحسب رأي المفكر) لها سمتان: فإما ان نقلد من الاسفل أي من الرجلين أو نقلد من الأعلى أي من الرأس. وحينما يكون التقليد من الرجلين ، فالمرء يقلد في الملبس والمسكن والكماليات التي يتم استيرادها والتي تملأ اسواقنا. ويستحضر في هذا الصدد أيضا مثال اليابان والصين مشيرا الى أنهما قلدا الغرب من الرأس (التكنولوجيا). فبينما نحن "زبائن نشتري كانت الصين و اليابان تلاميذ يتعلمون" .

لهذا، ومع الأسف الشديد، فرغم الأعداد الكبيرة للبعثات والمنح و الأعداد الكبيرة من المتخرجين من العرب بشكل عام ومن وطننا بشكل أخص، من تلك الدول الغربية إلا أننا حتى الآن لا نستطيع الاعتماد على ذواتنا في أبسط الأمور. فلا نستطيع أن نلامس تقدمهم في مجال الإدارة أو الإبداع أو التعليم أو التكنلوجيا أو الطب أو الأنظمة المدرسية أو الجامعات أواحترام كوادرنا وكفاءتنا أو غيرها من الأمور. نعم.. لقد استطعنا أن نغير من طريقة بناء بيوتنا، وقضينا على الكثير من رصيدنا الطبيعي، وغيرنا في بعض قيمنا الثقافية والإجتماعية .. لأن الكثيرين منا آثر ان يقلدهم من الأسفل أي من الرجلين فغدا بذلك التقليد فقير الذات والقيم.. ولهذا أتمنى منكم اعزائي وأبنائي الطلبة المبتعثين( رعاكم الله) أن تكونوا على دراية وفهم وأن تظلوا دائما.. تمعنون وتعيدون النظر!