الاثنين، 13 أبريل 2020

قراءة في رواية: لمن هذه الدمية؟ دمية وثقافتان الفلسطينية واليهودية


“لمن هذه الدمية؟”. هذا السؤال الذي أثارته الكاتبة عن دمية يعود تاريخها إلى ما قبل استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على مدينة يافا عام (1948).



https://www.raialyoum.com/index.php/د-فاطمة-أنور-اللواتي-قراءة-في-رواية-لم/

“لمن هذه الدمية؟ أثارت الأستاذة تغريد النجار في روايتها التي فازت بجائزة اتصالات لعام 2019 سؤالا محوريا وهو “لمن هذه الدمية؟”. هذا السؤال الذي أثارته الكاتبة عن دمية يعود تاريخها إلى ما قبل استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على مدينة يافا عام (1948). لقد أثار هذا السؤال الكثير من الشجون والمآسي التي ألمت بالشعب الفلسطيني، من تشرد ولجوء بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وما تلته من أحداث. ولكن عنوان الرواية “لمن هذه الدمية؟” هو الذي أثار اهتمامي منذ أن قرأته لأول مرة… فلمن كانت تلك الدمية؟

لم يكن من السهل عليَّ أن أحسم لمن كانت تلك الدمية حتى بعد أن عرفت صاحبتها في الرواية. فكل الأطفال لهم دمى يستأنسون بها، وتخفف عنهم توتراتهم. لكن، أن تكون تلك الدمية بالذات محور رواية، فإنها – من المؤكد – لن تكون كبقية الدمى. تخبرنا الرواية منذ البداية أن الطفلة “ليلى” تركت دميتها “سالي” على إثر العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولجوء أسرتها الى لبنان على أمل العودة سريعا الى بيتها ودميتها. “سالي” لم تكن كبقية الدمى لقد حصلت عليها ليلى من عمها العائد من المملكة المتحدة بعد إنهاء دراسته حاملا معه العديد من الهدايا لأسرة أخيه فكانت “سالي” من نصيب ليلى. وحينما التقطت الأسرة صورة عائلية مشتركة أصرت ليلى أن تحمل دميتها في يدها، فبقيت تلك الصورة دليلا على وجود “سالي” في حياة ليلى. فهل كانت تلك الدمية للجدة ليلى؟

هاجرت الطفلة ليلى مع أسرتها الى لبنان تاركة وراءها في حيفا دميتها “سالي” التي طرزت هي بيديها الصغيرتين اسم الدمية على ثوبها من الداخل ليحفظ لها حقها بعد محاولة أختها الكبيرة أخذ الدمية منها. عانت الأسر الفلسطينية في المهجر الكثير من الصعاب لينتهي بهم اللجوء الى مختلف دول العالم. أما ليلى فقد انتقلت بعد سنوات مع زوجها إلى الولايات المتحدة لتصبح هناك فيما بعد دكتورة في إحدى الجامعات.

 تستعرض الرواية حياة الدكتورة ليلى الأسرية وصداقاتها لنعرف تاريخ الأسرة عبر “فلاش باك” أحيانا، وأحيانا أخرى عبر محادثتها مع حفيدتها “أروى” التي ولدت وعاشت في أمريكا. تظهر “أروى” و والدتها في الأحداث الجانبية للرواية عبر مشاهد درامية تنتقل فيها أروى من علاقة بشاب أمريكي الى علاقة أخرى بشاب عربي اسمه سعيد الذي يعينها على تخطي بعض الصعاب ومنها تقبل زواج والدتها من “رالف”. اعتراض أروى وعدم تقبلها لزواج والدتها انطلق من رفضها فكرة أن يحتل شخص آخر محل والدها الذي توفي قبل أن تعرفه أو تلتقي به رغم تأكيدها المستمر في أنها “أمريكية”.

يبرز دور أروى في الرواية عبر عرضها على جدتها مساعدتها في البحث عن دمية قديمة هدية لحفيدة ليلى الأخرى “ندى”. ندى ذات الأعوام الخمسة طلبت من جدتها أن تكون هدية عيد ميلادها دمية تشبه دمية جدتها ليلى حينما كانت صغيرة. وحينما تعسر على الجدة ليلى الحصول على الدمية في المحلات، اقترحت عليها أروى أن تساعدها بالبحث في محلات الأنتيك التي تبيع التحف والأدوات الأثرية القديمة. وتبدأ أروى بالبحث عبر موقع “إي بيه Ebay” لتجد دمية قديمة تشبه دمية الجدة ليلى معروضة من قبل إحدى محلات الأنتيك. وعند ذهابها إلى المحل تتفاجأ أروى أنها نفس دمية جدتها التي طرزت عليها كلمة “سالي”. فتقرر أن تقدم أروى الدمية هدية للجدة في عيد ميلادها.

تقع معظم أحداث الرواية في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية. وتقدم الرواية تفاصيل كثيرة حول هجرة الفلسطينيين من فلسطين عقب الاحتلال الإسرائيلي وتفاصيل مختلفة لحياة أروى و والدتها والجدة ليلى حاضرها وماضيها وغيرها من الاحداث اليومية. يتعرف قارئ الرواية على صاحب الدمية منذ بداية أحداث الرواية لتظهر فيما بعد بعض التفاصيل الأخرى المتعلقة بكيفية وصول الدمية الى أمريكا.

أن يكون عنوان الرواية “لمن هذه الدمية؟” ويتعرف القارئ على صاحب الدمية في الصفحات الأولى من رواية طويلة، أمر في غاية الغرابة وبالتالي لا يستحق أن يكون محور الرواية، لأنه من الواضح منذ البداية أن الدمية للجدة “ليلى”. فما مغزى أن تضع الكاتبة عنوان الرواية “لمن هذه الدمية؟” وجواب السؤال واضح في الصفحات الأولى للرواية. كان الأولى بالكاتبة أن تسأل: كيف وصلت الدمية الى أمريكا؟ أو أي عنوان آخر أو تسمي الرواية باسم “سالي”. بالنسبة لي كان هذا سؤالا غريبا بل لغزا محيرا.

رواية “لمن هذه الدمية؟” من منشورات دار سلوى والتي فازت بجائزة اتصالات في مجال أدب “اليافعين”، أثارت لدي عددا من التساؤلات، أولها: هل يمكن لرواية موجهة لليافعين أن تتجاهل اليافع تماما؟  فالواضح في الرواية أنها لم تطرح أي شيء يهم اليافع من أفكار أو مواضيع.  أما التساؤل الثاني فيتعلق باختفاء البطل اليافع من المشهد الروائي ليحل محله الجدة التي كانت أول من يظهر في الرواية. كما أنه لم يكن واضحا بين الجدة والحفيدة من هو بطل الرواية؟ التساؤل الثالث هو: هل يجوز لنا أن نضع جدة بطلا لرواية اليافعين تختلف همومها عن هموم اليافع؟ وماذا كان دور بطل الرواية هل هو فقط استعراض الأحداث التاريخية أم العثور على الدمية؟ ثم، ما هي حبكة الرواية؟ إن كانت الحبكة البحث عن الدمية، فتلك الحبكة لم تكن من القوة في تفاصيلها لتكون محور رواية، كما أن موضوع الدمية ليس من المواضيع التي تهم اليافع قد تستقطب اهتمام الأطفال الصغار. ومحاولة الكاتبة في وضع أحداث الرواية في الولايات المتحدة لم تكن موفقة بشكل كبير لعدد من الأسباب لا أهمية لذكرها لأن كل تلك التفاصيل الفنية لا تعنيني فهذا يعود الى لجنة التحكيم وقدراتها ومستواها الفني. ما يهمني هو التوصل إلى الإجابة عن السؤال المحوري للرواية وهو: “لمن هذه الدمية؟”

لم أجد ما يعينني عند البحث عن الإجابة عن هذا السؤال ما وردت في الرواية من أحداث، بل منشور حول أدب الأطفال على صفحة أحد الأصدقاء عن قصة أخرى لطفلة أخرى تبحث عن دميتها المسمى “إليزابيث” هو الذي أعانني في الإجابة عن هذا السؤال. قرأت قصة “اليزابيث” قصة إنكليزية مصورة للأطفال نشرت عام 1996 لمؤلفتها Claire A Nivola. إليزابيث في قصة “إليزابيث” لم تكن اسم الطفلة وإنما اسم الدمية ولم تكن صاحبتها فلسطينية بل كانت يهودية من ألمانيا. طفلة يهودية عانت أيام النازيين لتهاجر إلى الولايات المتحدة على أمل الرجوع إلى ألمانيا. لقد تركت الطفلة اليهودية الصغيرة دميتها “إليزابيث” في ألمانيا. وقد تعرضت الدمية في إحدى المرات الى عضة كلب الأسرة “فيفي” حينما أراد أن يراقصها فلم تستجب له فسحبها وعضى على ذراعها. لجأت الطفلة إلى والدها الطبيب لمعالجة الجرح. وبقي أثر الجرح على ذراع الدمية ليكون دليلا على عثورها على الدمية نفسها مستقبلا.

كبرت الطفلة اليهودية صاحبة دمية اليزابيث (التي لا أسم لها في القصة) وأصبحت أما. تقول الكاتبة والتي تنقل قصة والدتها، “حينما بلغت ابنتي السادسة تقريبا، طلبت مني شيئا واحدا فقط كهدية عيد ميلادها. طلبت مني دمية تملأ حضنها مثل أي طفلة صغيرة.”  فبحثت الأم بين المحلات عن دمية لابنتها، لكن خيال “إليزابيث” كان يسيطر على الأم، فلم تكن تعجبها أية دمية تعرض عليها. وذات يوم كانت تمشي قرب إحدى محلات الأنتيك فلمحت دمية فدخلت المحل وشدتها الدمية وحينما حملتها وجدت أثر عضة الكلب على ذراع الدمية.

 “لمن هذه الدمية؟” هناك الكثير من الدمى والألعاب لأطفال من مختلف البيئات والمجتمعات تُركت قسرًا بسبب الحروب والدمار. لكن، من الصعب أن تكون هناك دمى تمر بنفس أحداث دمية “إليزابيث” في تفاصيلها… ابتداء من الهجرة وانتهاء بطلب من طفلة هدية عيد ميلادها دمية والتي لم يتم الحصول عليها إلا من محل الأنتيك، وأخيرا الأثر الباقي على الدمية الذي يقود إلى الدمية الأصلية.  فهل يا تُرى توصلت إلى الجواب عن السؤال المحوري للرواية: لمن هذه الدمية؟”

 أتفق تماما مع الكاتبة تغريد النجار في “أن الخطر موجود ما دمنا نتحدث عن السرقة، حتى لو كانت سرقة الأكلات الشعبية كالفلافل والحمص”. و أضيف أن سرقة التاريخ والتراث لا يعني انتقال الملكية الحقيقية إلى الآخرين، لأن الحق لا بد أن يعود الى أصحابه سواء كان تراثا أو تاريخا أو فكرا… وقدم القضية وقدم الفكرة لا يعني انتهاك الآخرين لهما… فلنعد النظر!