الأربعاء، 10 يوليو 2013

التعليم في القرن الحادي والعشرين: مدارس من غير أسوار!

واحدة من المدارس الثانوية الحكومية المميزة في الولايات المتحدة في العاصمة واشنطن والتي هي من المدارس التي تسمى بـ(magnet school)  تعرف بمدرسة «الجدران»...

http://main.omandaily.om/?p=9835#.UdxfjJo9r9k.blogger

واحدة من المدارس الثانوية الحكومية المميزة في الولايات المتحدة في العاصمة واشنطن والتي هي من المدارس التي تسمى بـ(magnet school)  تعرف بمدرسة «الجدران». ورغم غرابة هذا المسمى إلا أن هذه المدرسة هي واحدة من أفضل المدارس سواء على مستوى مقاطعة كولمبيا أو على مستوى مدارس المنطقة. تأسست هذه المدرسة عام 1971 متبعة النموذج المعروف بـParkway Program . أحد أهداف هذه المدرسة هو إيجاد بيئة تعليمية تقدم أساليب تعليمية بديلة عن البرامج التقليدية. برامج هذه المدرسة تحث الطلبة على الاستفادة من المدينة بأكملها كصف مدرسي. هذا الأسلوب من التعليم بدأ تطبيقه في القرن العشرين.. فما هي تطلعات التربويين في القرن الواحد والعشرين؟
هناك العديد من الأفكار التي ينادي بها أو يطبقها عدد من التربويين تجعل من الحياة المدرسية حياة حية تتجاذب جميع أطرافها في وحدة واحدة تنسجم فيها النظريات مع الأساليب التعليمية. يشير التربويون إلى أن الثورة الحالية في مجال التعليم تتطلب منا إعادة التفكير في كيفية تشييد المباني التي يسكن إليها أطفالنا في يومهم الدراسي. هذه المباني التي من المؤمل منها أن تكون قابلة لاستيعاب أساليب تدريس جديدة مثل التعليم متعدد التخصصات الذي يعتمد على مختبرات الحاسوب المتطورة ومختبرات حياتية كالمناظر الطبيعية البيئية التي تقدم في الهواء الطلق مفاهيم حياتية مختلفة، ومساحات لتدريس الفن، بالإضافة إلى أساليب تعليمية تربوية لتعزيز مفهوم التعليم مدى الحياة.
هذه بعض من المحاولات التي بدأت مدارس القرن الحالي التفكير فيها. كما أن هناك الكثير مما يؤمل تغييره خصوصا تلك المباني التي نسقت بشكل كارتوني واحد في جميع المناطق والمدن. وحينما أقول الشكل الكارتوني الواحد فلا أعني به ما هو عليه حال مدارسنا الحكومية المستنسخة من بعضها البعض وإنما أعني به فقط هيكلية المدارس التي تضم النسق نفسه من حيث المرافق التعليمية من مكتبة ومختبرات وصفوف دراسية ومعامل للكمبيوتر وساحات رياضة وغيرها. وفي محاولة  جرت في الولايات المتحدة تم طلب تقييم المدارس التي تم تشييدها في الولايات المتحدة خلال خمسينات وستينات القرن المنصرم ورغم قدم المدارس الا ان جميعها تحتوي على جميع المرافق المذكورة آنفا. وطلب التقييم تقدم به أحد التربويين لمهندس معماري كان يصمم السجون في إحدى المدن الكبيرة حيث قدم له (أي للمهندس المعماري) عدد من التصاميم المدرسية لكي يقيمها. وقد كان تعليق ذلك المهندس المعماري بأن هناك تشابها كبيرا بين التصاميم المدرسية وتصاميم السجون، والسبب أن التصاميم المدرسية كانت فاشلة في غرس الإحساس بالملكية والمشاركة والمسؤولية في نفوس الطلاب واللازمة لإيجاد جو ديمقراطي. فالطلاب (كما بين المهندس) ليسوا سجناء يحتاجون الى مراقبة ولكنهم يحتاجون إلى حرية من أجل النمو. هذا هو الحكم على المدارس الامريكية التي معظمها من غير أسوار؟
أما في سلطنتنا الحبيبة فهناك قصة مختلفة تحكي عن مدرسة خاصة تعتبر من بين أفضل المدارس في السلطنة والمؤمل منها بعد عشرين سنة من تأسيسها أن تشق طريقها نحو تعليم متميز يتماشى مع القرن الحالي سواء على صعيد البناء المدرسي أو على صعيد المحتوى الدراسي، ولا سيما اذا عرفنا ان إدارة المدرسة ومعظم معلميها قد جلبوا من الدول الغربية التي تولي أهمية كبيرة للتعليم. لكن لماذا الحال يختلف حينما يكون الأمر متعلقا بتعليم أبنائنا؟ الإجابة على هذا السؤال بحاجة الى مقال آخر، إلا أن ما نود تسليط الضوء عليه في هذا المقال هو حال البيئة المدرسية في وطننا؟
المدرسة الخاصة التي أنشئت قبل عشرين سنة والتي كان من المتوقع ان تلاحق التطورات العلمية والأساليب العصرية في العملية التعليمية، أخفقت بشكل كبير في إيجاد جو من الحرية لكي ينمو فيها الطالب نموا سليما. فبعد عشرين سنة من عمرها بدأت هذه المدرسة في إعلاء أسوارها بعد أن لوحظ هروب طلابها عبر جدران المدرسة بشكل مستمر لأسباب متعددة كالذهاب الى مطاعم الوجبات السريعة. فقد كان علاج هذه الظاهرة الطلابية من وجهة نظر الإداريين التربويين الأجانب هو جعل جدران المدرسة أكثر علوا حتى لا يتمكن الطلاب من اقتحامها. فهل هذا هو الحل التربوي الأمثل لهذه الظاهرة؟ ولو أن هذه الظاهرة كانت في بلد واحد من أولئك الإداريين الذين نوكلهم مهمة تعليم أبنائنا، فهل سيكون هذا هو الحل الذي سوف يتم اللجوء إليه؟  قطعا لن يكون ذلك هو الحل، لأن هذا الحل السريع الذي يساهم في استئصال حرية أبنائنا هو الحل المناسب لأبناء هذا الوطن وأبناء أوطان أخرى وضعت أقدار أبنائها ومستقبلهم بين يدي مجموعة من الإداريين الأجانب الذين لا يمتون لهذه الأوطان بصلة. فلكي نفهم سبب طرح هذا النوع من المعالجة لهذه الظاهرة فإننا نحتاج الى فهم واستيعاب نقطتين مهمتين:
النقطة الأولى: إن الهدف الأساسي لمعظم المديرين الأجانب والمعلمين ليس عملية تعليم وتربية وتهذيب أبنائنا. إن لهم أهدافهم الخاصة بهم سواء تلك المتعلقة في رفع وضعهم المادي أو التنزه من خلال العمل في دولة أخرى. فهم لا يعنيهم الأمر إن تعلم هؤلاء الطلبة أم لا. وبتقييم بسيط لما يحدث في هذه المدارس التي يديرها أولئك الأجانب سوف نستنتج أن الأسلوب المتبع من قبل بعض هؤلاء الأجانب مع أبنائنا يقع تحت بند «الأمر لا يهمني ولا يعنيني»! فلهذا فمن غير المتوقع أن يتعب ذلك الاداري أو المعلم نفسه للبحث عن الأسس السليمة لحل أي ظاهرة مدرسية أو العمل على بناء مجتمع مدرسي متماسك.  النقطة الثانية: إن طلبة المدرسة مدركون بعدم قدرة الأستاذ الأجنبي على فهم اساليبهم سواء تلك المتعلقة بهروبهم من المدرسة او غيرها. لهذا فهم لا يكترثون لهم ولكن حينما يكون الحال متعلقا بمعلم أو إداري عماني كفء فإنهم «أي الطلاب» يكونون أكثر إدراكا بأن الأساليب غير السليمة التي يمارسونها من المحتمل أن تؤدي بهم إلى ما لا يحمد عقباه.
فعملية إعلاء الأسوار المدرسية هي من الحلول السهلة وغير السليمة تربويا التي قد تكون من بنات أفكار البعض ممن لا يعي ولا يفهم الأساليب التربوية. ففي الأدبيات التربوية يذكر أن المعالم المعمارية للمدرسة ترسل رسائل قوية عن نوعية البيئة المدرسية سواء للطلبة أو المعلمين أو المجتمع. ترى ما الرسائل التي ترسل لهؤلاء الطلبة عندما يتم إعلاء تلك الأسوار. إنه سؤال مهم برسم المعنيين وكل من يعنيهم الأمر ويحتاج منهم ومنا جميعا إلى أن.. نعيد النظر!