السبت، 14 ديسمبر 2013

خليجية.. و لا مناص!

 تسارعت وتيرة الأحداث الخليجية في الآونة الأخيرة بشكل كبير و مطرد. و عمان الدولة الخليجية المنزوية أو المعزولة أو "اللغز" ...



تسارعت وتيرة الأحداث الخليجية في الآونة الأخيرة بشكل كبير و مطرد. و عمان الدولة الخليجية المنزوية أو المعزولة أو "اللغز" كما يحلو للبعض أن يسميها أصبحت ناراً على علم كما يقال في الأمثال العربية. أتذكر قبل عدة سنوات لا تتجاوز العشر حينما كنا نُسأل في الولايات المتحدة عن بلدنا فإن ردنا: "عمان" كان غريبا. و غرابة ذلك بسبب تدني مستوى الثقافة الجغرافية عند الأمريكان من جهة، و من جهة أخرى بسبب أن اسم عمان نادرا ما كان يردُ له ذكر في الأخبار أو الأحداث. فالحروب التي جرت في منطقة الخليج العربي تمت بعيدا عن التدخل المباشر للسلطنة. و في معظم الأحداث التي تبارت بعض الدول الخليجية على وضع بصمتها عليها، كانت عمان لا تجد في تلك البصمات سوى تشويها لصورة بيضاء ناصعة.. لكن مقدرة الآخرين على رؤية ذلك التشويه لم تكن حادة. و لهذا فإن أسهل طريقة كانت لتعريف هويتي و جنسيتي للآخرين هو أن أذكر لهم اسم الدول المجاورة. لقد ولت تلك الأيام، فالأمر مختلف الآن، فقبل يومين كنت في أحد المحلات التجارية في أحد المدن الأمريكية حينما سألني رجل كبير في السن عن جنسيتي فقلت له: "عمانية" و أعقبت على سؤاله بسؤال: و هل تعرف أين تقع عمان؟ أجاب مؤكدا: نعم.. نعم!
حينما أصبح مؤخرا اسم عمان متداولا بين الدول و الشعوب فإن اسمها لم يتلازم بالحروب و المعارك و القتل و القتال، و إنما تلازم هذا الاسم الجميل بالحكمة و السلام . فظهر جليا أثناء المحادثات الأمريكية الإيرانية ليشار بدورها في مد جسور السلام بين الأمم و إبعاد شبح الحروب عن المنطقة. و البعد الجمالي المتأصل في السياسة العمانية ينطلق من إيمان راسخ بجمالية السلام و السلم في حياة الانسان. و إذا تتبعنا السياسة الخارجية العمانية بشكل خاص تجد بصمات تلك الروح المتسمة بالسلم و السلام و ليس الاعتداء أو الاستسلام تتجلى في الكثير من المواقف الدولية، و مثال على ذلك هو موقفها من الحرب ضد الدولة السورية الشقيقة و أيضا دورها في المحادثات الإيرانية الأمريكية. إلا أن مثل عمان لا يعرف الاستسلام فهي لم تُخلق تابعة، فقد كانت دائما سيدة!
 تاريخ عمان عريقٌ و ضاربٌ في القدم، و نحن العمانيون قد لا نكون أغنياء ماديا مثلما كنت أسمع من أحد الزميلات من الدول الشقيقة التي كانت تقول لي: "فقارة" أي "فقراء"، إلا أنني آمنت بأننا أغنياء بأصولنا الضاربة في التاريخ و بتاريخنا الضارب في الحضارات. و لهذا لم أشعر أبدا بأن امتلاكي للقليل من المال يجعلني أحتاج الى دول قامت بدوافع سياسية. و الحالة الفردية التي أعيشها هي انعكاس لحالة شعب و وطن يشعر بأنه ليس نتاج طفرات مادية آنية و إنما هو أصيل بأصالة الأرض و الإنسانية. قد تكون هذه الفكرة هي واحدة من الأفكار التي تجعلنا نستوعب حقارة الحروب و الدمار و القتل و فناء الإنسانية لإننا أصحاب حضارة لها امتداد متأصل في الوجود الإنساني الذي أكرمه الله بأن جعل منه خليفة لإعمار هذه الأرض و بنائها. و هذه هي الفلسفة العمانية: "البناء و ليس الهدم".
البناء و ليس الهدم .. هذا الشعور بالامتداد الإنساني هو الذي يجعلني اليوم أقول "خليجية.. و لا مناص". هذا الإحساس بأنني "خليجية" لم يكن يوما من أجل مؤسسة إقليمية تقدم لي وظيفة خارج حدود الاحترام، لهذا فالكثيرون من العمانيين عادوا الى عمان حينما خيروا بين عمان أو غيرها. خليجيتي لم تخلق مني متسولا استجدي العيش الذليل و إنما عاملا يحمل هويته بيد و باليد الأخرى يعمل مخلصا من أجل لقمة عيش حلال. خليجيتي لم تجعلني أبحث من خلالها سوى عن أن أُسْهِم في هذا الخليج الجميل بالخير و العطاء و البذل! فقد ترعرت على فكرة أصيلة جذرت فيَّ مثاليات صورتْ لي خليجنا على أنه يعني "الوطن الواحد"، و إن كانت تلك الفكرة وهماً!.. لكنني لم أعرف سوى أنني جزءٌ من أصالة هذا الخليج الجميل.
جمالية هذا الخليج ليس في بحاره و زرقة سمائه و نعومة رماله و بياض لآلئه و إنما في إنسانه.  أنا خليجية لأن لي في هذا الخليج تاريخاً يتخطى السياسة و الحكومات. أنا خليجية لأنني جزء من هذا الإنسان الخليجي العربي الذي أكل من أسماك تلك البحار و بنى على شواطئه قلاع أحلامه. أنا خليجية لأني لا أعرف لي أصلا سوى هذا الخليج، حيث في هجرات أبنائه من بقعة الى أخرى تكونت نطفتي و على هذه الأرض أو تلك كان وجودي. أنا خليجية لأنني أتكلم بلغة يتكلم بها أخوتي في الدول الستة، و قهوتي تشبه قهوتهم، و عصيدتي لا تختلف عن عصيدتهم، و لقمة العيش التي تتكور بين يدي تشبه لؤلؤة أفنى آباؤنا أرواحهم من أجل اقتنائها لأنهم أرادونا أحرارا. أهوى تلك السمكة التي اصطادها عمي أو خالي و كانت قد  سارت بين أعماق بحار لا حدود لها سوى عند الساسة. أما بساطي فقد طار بي بين أجواء تلك الدول الستة التي ارتصت كلألئ رغم الساسة و السياسة! أنا خليجية شاءت السياسة ذلك أم أبت، فهم لا يقررون هويتي و إن حددوا جنسيتي.  "التعاون الخليجي" لا يعني لي سوى حروفا خاوية، و "الاتحاد" لم أعرف معانيه لأنني جزء من أمة تسمى "عربية". لهذا فأنا سأظل خليجية رغم الاتحاد: قام أم انتكس!
لقد كتب الدكتور سيف بن ناصر المعمري مقالا تحت عنوان " أنا لست خليجياً" في جريدة الرؤية بتاريخ 7/ 12/2013، ساردا فيه عددا من الحقائق و الوقائع (لا أخالفه فيها و احترم رأيه) و معلنا على أساسها بأنه ليس "خليجيا". إلا أنني أعلن في هذا المقال بأنني "خليجية" و كلانا عماني! في هذه الحياة لكل منا وجهة نظر تقوم على عدد من الركائز المتعلقة بشخصية الإنسان و تجاربه. إلا أن هذا التباين بين وجهات النظر لا يمكن أن يكون السبب في سلبنا حقيقة أننا أخوة و تجمعنا مقومات عديدة لا يمكننا أن نخطأها و إن حاول الساسة محوها. و العالم السياسي ما هو إلا وجهات نظر تبنى وفق مصالح مرتبطة بالدول و الحكومات. لحكومة سلطنة عمان وجهة نظر تفاعل معها معظم العمانيين، كما أن للأخوة الأشقاء في الدول الخليجية الأخرى نظرة أخرى. و هذا التباين بين وجهات النظر شأن طبيعي إن جرى وفق أسس الاحترام و التقدير. و قد أدركت السلطنة ذلك فكان إعلانها: "لكننا لن نمنع من قيام الاتحاد". و هذه الجملة بحد ذاتها تستحق أن تُحتَرَم من أجلها سلطنة عمان. فقد حرصت بأن تؤطر تلك العلاقة بأخوة صادقه تنطلق من الحرص و السلام لخليجنا. لهذا ققبل إثارة حديث يقطع أواصر المودة بين أبناء خليجنا ، فلْنُتِحْ لعقولنا أن تجد مسالك الخير الكثيرة المتجذرة فينا عبر التاريخ المشترك لا.. بل الإنسان المشترك.. فنرجو من أخوتنا التفكر.. و إعادة النظر!