الاثنين، 9 ديسمبر 2013

السباق إلى حياكة السجاد الإيراني

منذ بداية عام 2003 اقترن فعل المفاوضات الإيرانية مع الدول (5+1) حول الملف النووي بفعل ‘حياكة السجاد الإيراني’...

منذ بداية عام 2003 اقترن فعل المفاوضات الإيرانية مع الدول (5+1) حول الملف النووي بفعل ‘حياكة السجاد الإيراني’. فالمفاوضات الإيرانية لم تكن تُفهَم أو تُستَوعَب في العقل العربي إلا بربط أو اقتران قدرات التفاوض عند الإيرانيين بتاريخهم ومواهبهم في حياكة السجاد. وسهلت عملية اقتران الفعلين (المفاوضات وحياكة السجاد) فهم واستيعاب العقل العربي لعمق الصبر الذي تحلى به الإيرانيون خلال عملية المفاوضات الطويلة. فقد عُرِفَ عن الإيرانيين أنهم تحلوا أثناء المفاوضات بصلابة مواقفهم وحرصهم على حقوقهم وسعة صبرهم وقدرتهم على المناورة، ولهذا لم تزدهم العقوبات الدولية الا تحديا وإصرارا في المضي لنيل حقوقهم. وخلال هذه المفاوضات الطويلة من جهة، والقاسية من جهة أخرى كانت الاستراتيجية الإيرانية تحيك خيوط سجادتها بأساليب مختلفة وبارعة. 

يعتبر السجاد الإيراني واحدا من أهم الفنون الإيرانية، وتعد صناعته جزءا أساسيا في الثقافة الفارسية، ويعود تاريخه لعام 500 ق. م. خضع هذا الفن في عصور مختلفة للعديد من التغيرات، وهناك مثابرة من قبل بعض الشعوب الأخرى في تقليد السجاد الإيراني من حيث الرسومات والحياكة وغير ذلك من فنون الحياكة، لكن الإيرانيين لا يجدون في تلك السجادات المقلدة ما يضاهي السجاد الايراني مهما بلغت دقة التقليد. فهم لا يرون في تلك السجادات المقلدة أي انعكاس لأصل الصنعة التي تستمد سماتها من روح وجوهر وثقافة الأمة.
حياكة السجاد الإيراني بحاجة إلى تصور ووضع خطة للرسومات ونوعية الخيوط والألوان وغيرها من التقنيات، سواء من حيث التصور والفكر أو من حيث المهارة والعمل. وعلى هذا المنوال فإن عملية التفاوض كانت بحاجة إلى الكثير من التقنيات والمناورات والاستراتيجيات الداعمة لتحقيق تلك الأهداف. لكن هل المفاوضات الإيرانية بالفعل عكست حياكة السجاد الايراني؟ وهل هذا الصبر الإيراني والإصرار في نيل حقوقه مستمدان من تلك المهنة الايرانية التقليدية؟
قلنا بأن المفاوض الإيراني تميز بمناورات فريدة من نوعها في عملية التفاوض، من خلال محاولته إعادة تركيـــب الذهنية الغربية، بحيث جعلتها تتعرف على الوجــــه الآخر من الشرق الاسلامي. فبعد حرب أكتوبر التي استطاعت فيهــــا القوات المصرية تدمير واجتياز خط بارليف الحصين، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة وزير خارجيتها هنري كيسنجر من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين. وكان المدخل لتلك الاتفاقيات نظرية أو تصور أو بالأحرى مقترح: ‘الخيمة والسوق’ لريتشارد هاس. 
يتكون مقترح ريتشارد هاس من عنصري: الخيمة والسوق. وقد تبنى هنري كيسنجر المقترح واستطاع من خلاله تحقيق نجاحات باهرة في تعامله مع العرب. يقوم المقترح على فكرة أن التعامل مع العرب لا يحتاج إلى نظريات علمية وإنما إلى معرفة أن في كل دولة عربية هناك خيمة يتصدرها الزعيم أو الشيخ صاحب القرار. فلابد من العمل معه بشكل مباشر وإحاطة ذلك العمل بجو من المبالغة في الإطراء والمديح للحصول على المطلوب. أما سياسية السوق فهي تعكس التأثر العربي في السياسة بسوق عكاظ الذي يقوم على صفقات تجارية، من الأرجح أن تتحول فيها 10 إلى 5، لكن لا بد من المساومة على 2 لأن العرب، كما عرف عنهم، أنهم يطلبون الكثير لكنهم يتنازلون أثناء التفاوض عن الكثير أيضا. وقد تطلب الامر من الإيرانيين ثلاثين عاما من المناورات تقريبا لتغيير العقلية الغربية التي فهمت العقلية الشرقية، وفق مقترح ‘الخيمة والسوق’، لكن السؤال هل حياكة السجاد الإيراني هي التي منحتهم قدرات المناورة وأمدتهم بأسس الحوار والجدال للمحافظة على حقوقهم في التخصيب؟ 
حياكة السجاد الإيراني ليست صنعة حديثة في التاريخ الإيراني، فقد كانت قائمة قبل وجود شاه إيران، الذي لم يكن سوى تابعا مثل بقية التابعين الذين سكنت انفسهم الخيام، رغم أن أعشاشهم أقيمت في قصور باذخة. كما أن سوق عكاظ تمثلت في بازارات إيران التي مارست التنازل عن حقوق الشعب الإيراني للأمريكي والإسرائيلي على حد سواء، في الوقت الذي كانت تحاك فيه تلك السجادات الإيرانية الباهظة الثمن. فمن أجل أن يفهم العرب والمسلمون الجوهر الحقيقي لتلك المفاوضات لا بد أن يعرفوا أن مصدرها وأصلها ولدا في الجزيرة العربية بولادة وشروق روح الإسلام. إنها لا تعكس السجاد الإيراني وإنما تعكس ما سماه علي شريعتي بـ’العودة إلى الذات أو ثقافة الذات’. 
يطرح علي شريعتي في كتابه ‘العودة إلى الذات’ السؤال التالي: ‘اليوم وقد أخرج الغرب كل البشر من قواعدهم الذاتية والثقافية ومن قدرتهم على التوالد الذاتي والانفعال الداخلي وجعلهم في صورة عبيد محتاجين أذلاء ومُقلِّدِين، فما الذي علينا عمَلُه؟’ سأل علي شريعتي وكانت إجابته تشير إلى ما سماه بـ’ثقافة العودة إلى الذات’ التي تعني ‘العودة إلى الثقافة الاسلامية.. إلى الإسلام، لا كتقليد أو وراثة أو نظام عقيدة موجودة بالفعل في المجتمع، بل إلى الإسلام كأيديولوجية وإيمان بعث الوعي وإحداثِ المعجزة في هذه المجتمعات’، ثم يشير إلى الفكر الغربي الذي أراد أن يفرض حضارتَه وثقافتَه على بقية الشعوب، ومن بينها الشعوب العربية مخيرا إياها بين أن تقبل القيم الغربية لتُعَدَّ شعوبا متحضرة أو ترفضــــها فيُنـــْظَر إليها كشعوبٍ بدائية، ثم يواصل شريعتي تحليله قائلا: ‘ومن هنا لا يوجد مجتمع قطُّ يُرَادُ به ألا يصل إلى الإنتاج الاقتصادي الصناعي إلا سُلِبَتْ من أجياله في البداية إمكانيـــة الإنتاج الفكري والذهني..’. فالمجتمع المنتج في رأي شريعتي هو المجتـــمع الذي يفــــكر بنفسه ويخلق بنفسه مُثُلَه وذهنه وقِيَمَه وفنونه ومُعتَــــقَداتِه وإيمــــانَه ووعْيَه الديني. وحينما تُدَمَّرُ في داخله هذه القواعد الأساسية التي تمنحه شخصية مستقلة يتحول الإنسان فيها الى إنسان غث وأجوف. 
لقد طرح علي شريعتي نظريته الاجتماعية المستندة الى الفكر الإسلامي في الستينات من القرن الماضي، وها هي الجمهورية الاسلامية أثبتت أنها طبقت معادلة العودة إلى ثقافة الذات. تلك المعادلة التي خلقت من شعبها شعبا مفكرا ومنتجا ومتحررا من القيود الغربية. وهذه المعادلة هي من صميم ثقافتنا وقد سُطِّرت باللغة التي نتداولها كل يوم مع أطفالنا وشيوخنا ونهضم أبجدياتها، أفما آن لنا أن نهضم معانيها! إن العودة إلى الذات لا تتطلب منا معرفة حـــــياكة السجاد الايراني لنتسابق إلى حياكته، بل إلى فهم معاني الكتاب الذي لدينا انطلاقا من: ‘وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة’ بكل ما تمثله تلك القوة من علم وفكر وعمل وإنتاج.. لهذا فقد آن لنا الأوان لنا (نحن العرب) أن.. نعيد النظر
!