الاثنين، 25 نوفمبر 2013

عالم التناقضات.. أين تقف؟

أين تقف؟ هذا هو السؤال الذي لابد أن يطرح على بعض الكتاب العرب..
http://www.alquds.co.uk/?p=107014

أين تقف؟ هذا هو السؤال الذي لابد أن يطرح على بعض الكتاب العرب.. يمر العالم العربي و الإسلامي بشكل خاص بالكثير من المتناقضات التي تشوش الرؤية على مواقف أفراده وكتابه ومثقفيه. كما أن هناك الكثير من التقلبات في المواقف والمواضع والسياسات، تجعل البعض غير قادر على تحديد بوصلته. فعدم وضوح الرؤية والضرب على وتر الطائفية والمذهبية والاتجاهات الإيديولوجية الأخرى، تسهم أحيانا في صعوبة اتخاذ قرار صائب أو إبداء رأي سليم. هذه الأوضاع السياسية والاجتماعية والتناقضات في الساحة العربية والإسلامية تضع بعض الكتاب العرب في حالة من هذه الحالات الثلاث:
1ـ أن يكون الكاتب واضح الرؤية ويكتب بصراحة ووضوح عن موقفه بغض النظر عن انطلاقاته. 
2ـ أن يكون الكاتب غير واضح الرؤية، ولكنه في حالة بحث لمعرفة ما يجب أن يكون عليه اتجاهه أو موقفه نحو أي من القضايا الإنسانية أو الوطنية. 
3ـ أن يكون الكاتب من أولئك الذين لا يرغبون بالتصريح عن مواقفهم، رغم وضوحها، لسبب من الأسباب أو ما يمكن تسميتها بـ’الحالة السلبية’.
الحالة السلبية لبعض الكتاب المتمثلة بعدم التصريح عن مواقفهم تجاه الأحداث الجارية مع الأسف، أفقدت الكثير من الكتابات جوهرها وتأثيرها. فهذا النوع من الكتابات أو المقالات يبرز فيها الأسلوب الوصفي أو العرضي للأحداث الجارية. فالكاتب يعرض في مقاله الأخبار المتناقلة، بصورة لا تختلف كثيرا عما نسمعها من قسم الأخبار في الإعلام المرئي أو المسموع، أو ما نقرؤه في الصحف والمجلات. وهذه الكتابات تفتقد الى التحليل والربط في عرض الأحداث، بهدف الوصول الى موقف موضوعي حيالها. وتعد هذه الكتابات من أسهل الأنواع، لأن وظيفة الكاتب تنحصر في رصد ما يحدث او حدث، وعرضه من غير أن يبرز رأيه الشخصي فيه أو يدعم موقفا دون آخر. ويمكن رصد توجهات الكاتب من خلال المصدر الذي يستقي منه معلوماته أو أخباره في كتابة مقاله، الذي يخلو من أي تحليل. وهذا ما يحدوني في بعض الأوقات الى توجيه السؤال التالي لبعض الكتاب، ولكن، ما هو رأيك أنت؟ أثناء صدور الفيلم المسيء للرسول محمد ‘صلوات الله عليه وعلى آله’، قرأت عمودا في إحدى الصحف في قســـــم آراء أو ما شابهه من تسميات، وبعد قراءتي أرسلت للكاتب الرسالة التالية: ‘قرأت’مقالك’حول ‘الموقف من الإساءات للاسلام’ لكني لم أعرف رأيك. فما هو رأيك في هذا الموضوع؟. وحينما رد علي، لم يكن رده يحوي رأيا، وإنما قام باستنساخ جزءٍ مما طرحه. وهنا يطرح السؤال نفسه: ما هي أسباب عدم قدرة بعض الكتاب العرب على التعبير عن آرائهم وتقديم تحليلاتهم للأحداث؟ 
هذه الحالة العربية قد نجد لها تفسيرا في ضوء عدد من النقاط، منها النظام التعليمي في الوطن العربي. فالنظام التعليمي يركز على تنمية القدرة الإنشائية والتعبيرية للتلاميذ، من خلال حصص الإنشاء والتعبير. وتهدف هذه الحصص إلى تنمية قدرات التلاميذ في الإشادة بالمنجزات الوطنية والتغني بالماضي العربي التليد، والتعبير عن الأفراح بالأعياد الوطنية، وغيرها من المواضيع التي تتكرر عاما بعد آخر. هذه الحصص لا تعنى بفهم التلميذ أو بناء قدرته على تحليل ما يدور في العالم من أحداث، أو إبداء وجهة نظر حول موضوع من المواضيع الحياتية. وهي أيضا لا ترتكز في أهدافها على أية أسس تربوية أو إسلامية. فمن وجهة النظر الاسلامية أو القرآنيه هناك دعوة الى التفكر والتمعن، كما ورد في قوله تعالى: ‘سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق’. وفي هذا المضمار اشار جودت سعيد الى ‘تفعيل العقل وتأمل أحداث هذا الكون .. من خلال الاستفادة من وسيلتين أكرمنا الله بهما وهما: الآفاق (أحداث الكون والأنفس ) القوى الواعية في الانسان’. فإذا توفر في الإنسان هذان العاملان كانت له القدرة على رسم معالم واضحة لما يحدث. ويكون قادرا وقتها على أن يدير دفة الأحداث المحيطة به. وتأكيدا لوجهة النظر الإسلامية ، فإن النظرة التربوية الحديثة تشدد على أهمية تنمية قدرة التلميذ منذ المراحل الأولى من دراسته، بالتدرب على أسلوب النقد البناء والتفكير الناقد. ومن هنا فإن المناهج الغربية تعد التلميذ أثناء مراحل دراسته الأولى، لفهم ومعرفة والتدرب على أنواع عدة من الكتابات منها ما يسمى بالكتابات النقاشية أو الإقناعية. 
النقطة الأخرى التي قد تفسر الحالة السلبية عند بعض الكتاب العرب هي الوضع السياسي، يتعلم الإنسان في الأنظمة الديمقراطية التعبير عن آرائه بحرية، إلا أن الأنظمة الديكتاتورية تقمع هذه الفطرة الإنسانية وتقيد تصرفاته وحرياته. والمواطن العربي الذي نشأ في هذه البيئة الدكتاتورية التي أثرت على طبعه، من الصعب عليه تغيير تلك السلوكيات وانتهاج أسلوب أكثر انفتاحا حتى بعد ما يسمى بـ’الربيع العربي’. سألتني احدى الكاتبات يوما: ألا تعيشين هاجس الرقابة حينما تكتبين؟ لم أنفِ، فذلك الهاجس يعشش فينا. لكن السؤال: إلى أي مدى نستطيع التغلب عليه؟
يشير الإمام علي ‘عليه السلام’ إلى الواقع الاجتماعي الذي قد يسهم في تشكيل الحالة السلبية عند بعض الكتاب وذلك في قوله: ‘ما أبقى لي الحق من صديق’. فالواقع الاجتماعي ليس بأفضل من الواقع العربي السياسي. الواقع الاجتماعي الذي عبر عنه الإمام علي ‘عليه السلام’ لا يمكنه تقبل النقد أو مخالفة رأي عالم الدين أو الشخصيات المتنفذة في المجتمع. فانتقاد أو تحليل الحوادث التاريخية، وإبداء آراء تخالف المتعارف عليها، قد تقضي على مستقبل كاتب أو مفكر. ففي هذا الواقع العربي يتعلم الإنسان العربي، بمن فيهم الكاتب العربي، كيف ‘يمسك العصا من الوسط’ سواء من خلال عدم التعبير عن جميع آرائه، أو من خلال مسايرة الوضع القائم، وبذلك يأمن خطا للرجعة الى بر السلام. 
لا يمكن للإنسان أن يقلل من غلواء المؤثرات التي تسلك بالكاتب الى انتهاج أسلوب سلبي في طرح القضايا الشائكة من حوله، فهذه عادات تأصلت فينا وتغييرها وقلعها بحاجة الى إرادة وعزيمة، كما أنها بحاجة الى فهم وعلم. إلا أن انتهاج الأسلوب السلبي في تناول المواضيع تمنع الكاتب من الوصول الى ذروة عطائه، لأن اتخاذه أسفل الهرم مسندا ووقاية يفصله كثيرا عن القمة. أما الكاتب واضح الرؤية فهو يتخذ من أحد جوانب المنحنى مركزا له غير مُبَالٍ بقلة العدد من حوله، فتراه مصوبا بصيرته نحو هدفٍ ينشد الوصول إليه. أما في حالات ضبابية الرؤية فمن الحكمة توخي الحذر واتباع وصية الامام علي ‘كن في الفتنة كابن اللَّبون، لا ظهْرَ فيُركَب، ولا ضرْعَ فيُحلَب’. ولهذا يقتضي.. إعادة النظر!