الأربعاء، 26 يونيو 2013

المواطنة الصالحة: مفهوم باهت المعالم

قلت في أحد مقالاتي إنّ مفهوم المواطنة الصالحة من المفاهيم الباهتة المعالم. وهذا المفهوم الباهت المعالم اجتذب اهتمامًا منقطع النظير سواء رسميًا أو اعلاميًا أو...


http://www.alroya.info/ar/citizen-gournalist/citizen-journalist-/62299-----

قلت في أحد مقالاتي إنّ مفهوم المواطنة الصالحة من المفاهيم الباهتة المعالم. وهذا المفهوم الباهت المعالم اجتذب اهتمامًا منقطع النظير سواء رسميًا أو اعلاميًا أو تربويًا. وهذا الاهتمام من الممكن تفسيره من خلال رصد الأحداث المثيرة والمختلفة داخل العالم العربي سواء قبل أو بعد ما يسمي بالربيع العربي. فقبله عاش المواطن العربي حالة كبت وحرمان ونهب لثرواته سواء من الداخل أو الخارج، وتحكم عددًا من أصحاب المناصب والنفوذ في حياته. وبعد ذاك الربيع العربي أعطي القليل من الحرية ليواجه حالة انعدام الأمن والأمان. وأخيرًا بدأت تلك الحرية الموهومة تسحب من تحت رجليه كالبساط. فكل تلك الوجوه الشابة والمثقفة و التي أدعي بأنّها عانت من الحرمان تم إحلالها محل تلك المتهالكة نزعت أقنعتها الجذابة. فجاذبية المنصب والسلطة أكبر من أن يتم مقاومته وبهذا عادت الحالة على ما كانت عليها، فالكل قد نزع القناع وظلّ المواطن العربي على ما كان عليه.

في ظل هذه الأحداث سواء قبل أو بعد ذاك الربيع العربي تمّ تكريس بعض المصطلحات وعرضها وصياغتها بحيث تتلاءم مع التوجهات العامة. فإذا قلنا جدلا بأنّ الدين استخدم أفيونًا لتخدير الشعوب كما ادعى الماركسيون فإنّ نوعية الأفيون تتغير بتغير الزمن والعصر والثقافة.مفهوم "المواطن الصالح" هو مفهوم نسبي وله عدد من الأوجه والأقنعة ويمكن أن يتم تحويره وتعديله حسب الواقع أو الظرف. إلا أنّه من حيث الشخوص يبقى الطالب والموظف الصغير (طبعًا) والمواطن العادي والتاجر الصغير وكل من صغر من حيث السلطة والمال والمكانة الاجتماعية أو كل من عمل بإخلاص وأضحى عقبة في وجه الفساد هو المعني الأول بتكريس هذا المفهوم لأنّه هو المستهدف. والاستهداف هنا لخدمة أهداف أخرى تضع الفعل الحقيقي للمواطنة الصالحة في اللاقائمة. وحينها لابد أن تتجلى أحد صور ذلك المفهوم خدمة لبعض تلك الأهداف المستحقة. العالم الإسلامي زاخر بالكثير من تلك الأفكار النابغة التي يتم تأجيجها من أجل تخدير الشعوب والأمم و المواطنين. كيف لنا أن نفهم المواطنة الصالحة حينما يتم علاج الوزير في الخارج والمواطن المسكين لا يجد من يستأصل دودته الزائدة على أسس سليمة؟ وكيف تتحقق تلك المواطنة الصالحة حينما يتم إعفاء متخصص متميّز بإسهاماته الصحية عالميًا وهو في مهمّة وطنيّة ومن غير علمه؟ و ماهي حدود المواطنة الصالحة حينما يتم الاستغناء عن الكفاءات الوطنيّة واستبدالها بأخرى وافدة؟ أو كيف تتحقق المواطنة الصالحة عند ذلك المسكين الذي عمل في تنظيف حمامات المدارس أو قام بالاهتمام بالطلبة أو عمل عن قرب مع تلك الأمراض المعدية كانفلونزا الخنازير ليقوم بعد ذلك مسؤوله الكبير بتقاسم المبالغ على بطانته والتي كانت مخصصة له ولأمثاله الذين عرّضوا حياتهم للخطر؟ وكيف يتم فهم المواطنة الصالحة حينما يعين المسؤولون أقاربهم وأصدقاءهم برواتب كبيرة والمواطن المستحق ما زال يبحث عن لقمة عيشه؟ أم كيف تتحقق حينما تتحول ملكيّة حديقة عامة لـ "مسؤول"؟ وكيف تتحقق المواطنة الصالحة، وأنت ترى المواطن الضعيف يبحث عن قطعة أرض، وذاك صاحب القلم السحري يوزع كيفما يشاء بين مجموعته؟ وما هي المواطنة الصالحة في وضع تنعدم فيه أبسط أنواع الإنسانية وتقاس الأمور بالمناصب والمصالح؟ هناك العديد من الأسئلة التي من المفترض أن يفهم في ضوئها مصطلح "المواطنة الصالحة"! لحسن الحظ أننا تركنا عصر الظلام خلفنا وولجنا في عصر سعة الفضاء الذي يحيط بنا والذي يظهر لك عن كل ماهو مختبأ تحت تلك الغيوم الرمادية أو السوداء العقيمة من أمطار الخير. فهكذا مفاهيم في هذا العصر إن لم يتم تناولها بشكل صحيح ومحاكاتها وفق أسس الواقع تظل مفاهيم يتيمة يحتفل بها عند تدشين كتاب أو نشر مقال أو إلقاء محاضرة.

المواطنة الصالحة لابد لها من أن تولد وتترعرع في مجلس الوزراء وفي الدوائر العليا سواء في المؤسسات الحكوميّة أو تلك الشركات الخاصة التي استهوت الغش وتفننت في الخداع. إنّها تحتاج إلى أشخاص مرادفين لأولئك الذين استطاعوا التغيير من خلال تكريس جهود صادقة في الواقع العملي، ليرى الطالب والموظف الصغير والتاجر الصغير وطفل الروضة والحضانة أنّها مصطلح حي وليس كلام كتب!..

لهذا فإنني أدعو إلى عكس معادلة زرع المواطنة الصالحة لأنّه لا يمكن أن تنمو إذا لم يقطف الأبناء ثمارها أثناء نشأتهم.. فمعادلة تربية المواطنة الصالحة تبدأ من مجالس المعالي وأصحاب السعادة لتنتهي في المدارس والحضانات بثمار شهية.. فلنعد النظر!