الثلاثاء، 11 يونيو 2013

من أجل إعلام مبدع

كل كاتب أو مؤلف لديه في البدء دافع ما يحثه على الكتابة والتواصل مع جمهور افتراضي. وتتنوع وتختلف دوافع الكتابة من كاتب الى آخر. فمن ...
http://main.omandaily.om/?p=1834

كل كاتب أو مؤلف لديه في البدء دافع ما يحثه على الكتابة والتواصل مع جمهور افتراضي. وتتنوع وتختلف دوافع الكتابة من كاتب الى آخر. فمن الكُتاب من يكتب لرغبة داخلية تحثه وتجبره على الكتابة وهناك من يكتب من منطلق المسؤولية الاجتماعية وهناك من يجد في الكتابة متعة وراحة. كما أن هناك من يتخذ من الكتابة طريقا للشهرة. وتتعدد الأسباب التي من أجلها يمسك الكاتب ورقته البيضاء وقلمه أو يجلس أمام حاسوبه وتبدأ أنامله تخط ما يمليه عليه ذهنه وتفكيره. وهذه الدوافع المختلفة للكتابة التي تفرض على البعض منا الاستمرار رغما عنا تحتاج الى وسيلة لنشر ما نكتب. وككتاب فنحن نرى في هذه الجريدة او تلك القناة وسيلة تربطنا وتساعدنا على توصيل تلك الكتابات والأفكار ووجهات النظر إلى الطرف الآخر (أي القارئ) بغض النظر عن دوافعه. فمن هذا المنطلق فالكتابة لها طرفان الكاتب والقارئ وحلقة الوصل هي وسيلة النشر سواء كانت كتابا او صحيفة او مجلة أو وسيلة مرئية أو مقروءة أو غيرها.

هذه الحاجة الملحة للبعض إلى الكتابة (خصوصا كتابة المقالات) تجعله يلاحق الصحف والمجلات رغبة منه في نشر ما يكتب. وهذه الرغبة الجامحة لدى الكتاب هي التي اسست لثقافة معينة في مجال النشر وأسهمت في تكريسها وبالتالي لا يتم تطويرها او تغييرها رغم تطور وتغير الكثير من النظم. فرغم حاجة المجلات والصحف الى أقلام تنشر فيها لكونها من الدعائم الأساسية في استمرارية تلك الصحيفة أو المجلة، إلا أن الواضح أن حاجة الكاتب للنشر تبدو أكبر من حاجة الناشر الى مقاله. فلهذا فرغم قلة العائد المادي إلا أن الكثير من الكتاب يواصلون الكتابة.

وقع في يدي مقال للكاتب Bryan Goldberg عنوانه: « “writers should be paid أي: «الكُتَّاب ينبغي أن يُدفَعَ لهم»، وقد كنت حينها أعد لكتابة مقال يناقش ثقافة إعطاء الكاتب حجمه المناسب ودوره الإجتماعي والفكري. يناقش هذا المقال عدة نقاط مهمة ومنطقية حول العلاقة بين الكاتب ووسيلة النشر المتمثلة في الصحف والمجلات. يقول الكاتب وهو أحد مؤسسي الشبكة الإعلامية الامريكية المعروفة بـ(B/R) Bleacher Report: حينما بدأنا شبكة B/R لم نكن حينها ندفع لكتابنا ولم تكن عملية الدفع لهم من الأمور المهمة بالنسبة لنا بسبب ضعف قدراتنا المالية أو حتى من حيث المبدأ. فمن حيث القدرة المالية فقد بدأنا شبكتنا برأسمال ضعيف جدا ومن حيث المبدأ فقد كنا نشعر بأن الكُتاب لا يحتاجون الى من يدفع لهم، كما أنهم أيضا لم يسألونا عن مقابل مادي لما يكتبونه. وكنا نرجع عملية عدم الدفع لهم إلى أن هناك الآلاف من الكتاب الهاوين الذي يرغبون في نشر ما يكتبونه ولم تكن لهم أية وسيلة للنشر لمشاركة القراء أفكارهم وآراءهم إلا من خلال ما ينشرونه من خلال شبكتنا. لكننا بعد فترة اتخذنا قرارا بضرورة الدفع لهم رغم أن المبلغ الذي كنا سندفعه لهم كان كبيرا جدا بالنسبة لنا إلا أننا اعتبرناه (استثمارا جاريا أو بعيد المدى) (outstanding investment). والسؤال: ما الذي دفع القياديين في تلك الشبكة (المحررين) للقيام بهذا التغيير المفاجئ؟

يضيف  Bryan Goldbergوهو أحد مؤسسي (B/R) التي تأسست عام 2007 وتسهم في نشر 1000 مقالة يوميا موجهة لملايين القراء حول العالم) أن هناك عددا من الأسباب التي حدت بنا إلى التفكير في عملية الدفع للكاتب. وتتمثل هذه الأسباب في النقاط التالية:1) نوعية المقالات في الشبكة لم تكن في المساق الذي كنا نريد لها أن تكون. فهناك الكثير من المقالات بعضها جيدة إلا أن الجيد منها كان يضيع ضمن المقالات غير الجيدة التي كان يتم نشرها. فبدأنا بحذف المقالات غير الجيدة واستكتبنا أولئك الكتاب الجيدين منهم و الذين واصلوا الكتابة معنا.  2) أدركنا أن الإبقاء على الكتاب الجيدين كان مكلفا، ولم تكن كلفة مالية فحسب بقدر ما كانت الكلفة متمثلة في البحث المستمر عن الكتاب الجيدين والمواضيع الجيدة والمتميزة. فالبحث المستمر للحصول على الكتاب الجيدين واستبدالهم بمن تركنا من الكتاب الجيدين كان يكلف الكثير من الوقت والجهد. وأيضا فإن معظم الكتاب الذين تركونا كانوا قد نموا مهاراتهم من خلال الكتابة معنا. فلهذا كان من الصعب علينا تركهم لنا، وبهذا فإن عملية الدفع للكتاب حلت لدينا تلك الإشكالية. 3) وجود الإعلانات التجارية في الشبكة أوجدت لنا مسألة أخلاقية مزدوجة. ففي الوقت الذي نتقاضى فيه عن الإعلانات المنشورة لدينا أفلا يستحق الكاتب الذي أوجد هذا المضمون الجميل لتأخذ الإعلانات طريقها، أن يكون شريكا في هذه الكعكة (كما يقال). 4) يقول الكاتب: لقد وجدنا ان معظم كتابنا لديهم أعمال أخرى، وأن عملية الدفع لهم مقابل ما يكتبون يجعلهم أكثر تركيزا في كتاباتهم. كما أننا حينما ندفع لهم فإننا بذلك نسهم في التخفيف عن بعض أعبائهم المعيشية والتي بدورها تمنحهم وقتا إضافيا للكتابة.  5) أخيرا يضيف الكاتب: إننا كنا نهدف لأن تكون هناك علاقة حميمية نتواصل من خلالها مع كتابنا ونساعدهم على تنمية إمكانياتهم كما أنهم يساعدوننا في التخطيط لبرامجنا. ولأننا كنا نقوي من أواصر هذه العلاقة فعملية الدفع لهم كانت منطقية ومبررة. ثم يواصل المقال مضيفا عددا من النقاط الأخرى.. لكن السؤال: كم من الصحف والمجلات في السلطنة تتبع مثل هذه الفلسفة الوطنية التي تقوم على أن هناك عملية تبادلية سواء بين الكاتب والناشر أو بين الناشر والقارئ؟ وكم من صحيفة أو مجلة أو غيرها من الوسائل الإعلامية تُعنى بما تقدمه للقارئ من مادة سواء من ناحية المحتوى أو الأسلوب؟ وكم منها يراعي تلك النواحي الأخلاقية في مسألة تقاسم العائد؟

لعل من باب الحق أن نذكر أن صحفنا وبعض مؤسساتنا الإعلامية تدفع أسوة بهذه الشبكة التي انطلقت من باب الحس الخلقي في ضرورة الدفع للكاتب، لكن المقال الأجنبي لم يذكر كم يدفع للكاتب؟ إلا أن الحقائق توضح بأن عملية التفرغ للكتابة في أمريكا من الممكن ان تغنيك عن البحث عن مصدر آخر للكسب من أجل لقمة العيش بل يمكن أن تجعلك من تعداد الميسورين. فهل هذه الحقيقة تنطبق على السلطنة؟ هل من الممكن بتلك المبالغ المدفوعة (20) ريالا عمانيا للمقال أن تجني كتابات إبداعية؟ وهل مبلغ 100 ريـال عماني وعدة مئات من البيسات من الممكن أن توجد لك برامج إذاعية مبدعة ومحتوى صحيحا لا تستهين بعقول المواطنين؟ وما هي الكتابات والبرامج التي تزخر بها الساحة الإعلامية؟ و ما هي مستويات البرامج سواء الإذاعية أو بالأخص التلفزيونية التي يشاهدها المواطن العماني ولا تسمح له بأن يغير القناة هاربا منها وباحثا عن برامج تناسبه في قنوات عربية أخرى؟ وكم من الصحف والمجلات أو وسائل الإعلام الأخرى يعنيه المحتوى أو الأسلوب أو الإبداع في العمل؟ وكم منها يهتم بالطرف الآخر من المعادلة سواء كان قارئا أو مشاهدا أو مستمعا عندما يعرض أو يقدم المادة الإعلامية؟لقد سبق لي أن اشرت عدة مرات إلى بعض المؤسسات لتقديمها مواد غير سليمة من الناحية العلمية او التربوية ناهيك عن المستوى المتدني للمادة. وعدم سلامة أو صحة المادة المقدمة تعكس عددا من النقاط. 1) الاستهانة بالقارئ أو المستمع أو المشاهد الذي يتابع تلك الوسيلة الإعلامية، 2) الترويج لتلك الأقلام أو الأشخاص التي تكتب في مجالات ومواضيع من غير علم وبالتالي تسهم في نشر ما هو غير سليم (عديم الصلاحية)، 3) قتل الإبداع، فالبيئة المحيطة بالشخص هي التي تسهم في رفع مستواه الإبداعي وعند غياب تلك البيئة فمن أين يتعلم الشاب أو الطفل أو غيرهما تلك العناصر المفقودة (كما هو الحال في الكثير من برامجنا الإعلامية بمختلف أنواعها)؟ ناهيك عن المحسوبيات التي تُوجد من عديم الموهبة مبدعا أو من متدني العلم صاحب رأي؟ هذه هي بعض الاسئلة التي تحتاج من الجهات الإعلامية وقفه جادة تحاول من خلالها أن.. تعيد النظر!.