الثلاثاء، 2 أبريل 2019

قصة "الحنين" تحت المجهر!

"الحنين" قصة للكاتبة العمانية عائشة الحارثية التي فازت بجائزة الاتصالات لعام 2019   "كتاب العام". القصة تتناول حكاية فلاح قرر ترك قريته للبحث عن عمل آخر في مكان ... 


    "الحنين" قصة للكاتبة العمانية عائشة الحارثية التي فازت بجائزة الاتصالات لعام 2019   "كتاب العام". القصة تتناول حكاية فلاح قرر ترك قريته للبحث عن عمل آخر في مكان آخر. وكان ذلك المكان الآخر هو "آخر العالم" حيث كان يجب أن يتوقف. استقر الفلاح في "آخر العالم" حيث بنى له كوخا صغيرا وزرع شجرة زيتون، ولم يكن معه أحد، فعاش وحيدا هناك، لكنه قفل راجعا إلىموطنه الأصلي بعد أن غلب عليه الحنين.
                                    
     تأخذك الكاتبة عائشة الحارثي بطريقة سلسلة عبر جمل ذات النفس القصير والمتناسبة مع الفئة العمرية الصغيرة. كما تنقلك جمل القصة القصيرة عبر صفحات القصة التي رُسمت بطريقة إبداعيةجميلة. 

     حينما شرعتُ في قراءة القصة تذكرت قصة للكاتبة ناهد الشوا تحت عنوان " اشتاق.. اشتاق". فقد تناولت قصة "أشتاق.. أشتاق" موضوع فقد الأب والذي يسبب عند الطفل "الفراغ" كما ورد في القصة. وقد تم عرض القصة في مقال نشر في شهر أبريل 2018 في مجلة  القافلة بمعية قصتين أخريتين تناولت فيه موضوع الموت في أدب الطفل. لكن اشارتي للقصة في هذا المقال سببه وجود شبه بسيط بين القصتين. فكلتا القصتين تناولتا موضوعا مجردا حاولتا أنسنته وتقديمه لفئة عمرية لا تتجاوز الثمان سنوات. وكلتا الكاتبتين جعلتا للإحساس المجرد إمكانيةالتضخم والنمو بحيث يسيطر على بطل القصة ثم يتحول إلى صديق للبطل. فالحنين في قصة "الحنين" يكبر ويتضخم بينما في قصة "اشتاق أشتاق" الفراغ هو من يكبر ويتضخم. تقول الكاتبة عائشة واصفة الحنين"كان قويا وجارفا كالنهر، وعميقا كالمحيط...". في نفس السياق تصف الكاتبة ناهد الشوا الفراغ أو الشوق لفقد الطفل لأبيه: "صار الفراغ وجعا يكبر ويكبر..". كما أن كلتا الكاتبتين عقدتا فينهاية المطاف علاقة حميمة بين هذين الكائنين المجردين المتضخمين وبين بطليقصتهما.  ففي قصة الحنين تقول الكاتبة: "... جنبا إلى جنب، كصديقين لا يختلفان كأخوين لا يتشابهان". وفي قصة أشتاق.. اشتاق تقول الكاتبة: "صار صديقي أعرفه ويعرفني! يذهب معي إلى المدرسة! وأحيانا يدرس معي ويستحم معي! ويأكل معي..!". لعل هذا التوارد بين أفكار الكاتبتين أوقعهما في معضلة فنية وأدبية وتربوية في عملين تجاهلا خصائص الطفولة.

     بما أنني قد تناولت قصة "اشتاق.. اشتاق" سابقا فسأقتصر في هذا المقال القصير على إلقاء الضوء على قصة "الحنين" من حيث مناقشة القصة من الناحيتين الفنية والأدبية ثم بعرض القصة لمحاولة فهم مدى ملاءمتهاللفئة العمرية او مراعاتها لمدارك وإمكاناتالطفل العقلية في هذه المرحلة العمرية. وأخيرا تقييم القصة تربويا.

أولا: قصة "الحنين"من الناحية الفنية والأدبية

    قراءتي للقصة جعلني في وضع محير في فهم حبكة القصة. فهل هو الحنين إلى الوطن كما ورد في الملخص المنشور بعد فوز القصة بجائزة اتصالات حيث أشير إليها بـ "تناولت القصة قيمة الحنين إلى الوطن من خلال شخصية حسن الذي يقرر السفر إلى...”؛ أم هو ما حددته الكاتبة في الصفحة الأولىمن القصة حين قالت: "قبل أن يقرر حسن ترك القرية والبحث عن عمل آخر في مكان آخر". إن عدم وضوح الحبكة الأساسية للقصة أخلَّ كثيرا بسير أحداث القصة، وأضعف السرد والمشاهد، فلا توجد هناك مثيراتتسير بالقصة إلى نقطة الذروة ولا يوجد تصور واضح لكيفية حلحلة الحبكة. كما أن الحبكة الضعيفة للقصة جعلت القصة تتأرجح كثيرا في قدرتها على تقديم نص واضح وقوي للطفل. إلى جانب ذلك فقد ورد في القصة العديد من التعابيرالوصفية التي لا تتناسب مع الأسلوبالقصصي فضلا عن الفئة العمرية المستهدفة، فمثلا: " إلا أنه حينما أتى كان قويا وجارفا..." 

ثانيا: ملاءمة القصة للفئة العمرية

     إذا سلمنا جدلا أن حبكة القصة هي إثبات قول الحكيم في أنه لا مفر من ضغط الذكريات الجميلة على قرارات الإنسان، فما هي رسالة الكاتبة للطفل؟ هل تريد الكاتبة أن تقول للطفل إنك لا تستطيع أن تقاوم الذكريات وعليك أن تستسلم؟ وهل تدرك الكاتبة أن الانسان - والطفل خصوصا- لا يمكن أن تسيطر عليه ذكرياته إلى درجة أن تجعله مشلولا كما هو واضح من تعابير القصة والرسومات! 
         
     لم تضع الكاتبة تصورا واضحا يبين عمر الطفل، إلا أن ذلك يمكن فهمه عبر الرسم. فقد ظهر الطفل في الرسم بين العاشرة إلى الثانية عشر من عمره. فلا تتناسب فكرة الهجرة من أجل العمل لطفل في هذا العمر إلا عبر أساليب أدبية أخرى. تقول القصة: " مرت سنوات طويلة قبل أن يقرر حسن الفلاح ترك القرية". فكم من السنوات مرت على حسن قبل أن يقرر الهجرة من أجل العمل؟ وكم كانعمره حينما هاجر؟ وهل القصة ملائمة لهذه المرحلة العمرية؟ ما يلمس من القصة هو عدم تحديد الكاتبة لبيئة الطفل وعمره أو أية معالم قبل شروعها في الكتابة. لقد أتت الأحداث بطريقة عشوائية وهذا ما جعل في القصة تناقضا بين الجمل مثل "مرت سنوات قبل أن يقرر..."  ولا يوجد وضوح كم عدد السنوات التي مرت وكم من السنوات قبلها كان حسن الفلاح فلاحا... وكم كان عمره حينما قرر السفر! 

ثالثا: احترام إدراكات وإمكانات الأطفال

     تبين القصة أن حسن الفلاح قرر أخيراالهجرة "حتى وصل إلى آخر العالم كان يجب أن يتوقف... هناك" فهل هناك "آخر"لهذا العالم؟ وهل تقصد الكاتبة العالم أم الأرض؟ وماذا عن كروية الأرض؟ وهل للأرضبداية ونهاية (آخر)؟ ولماذا كان يجب على حسن أن يتوقف في تلك النقطة من العالم؟ هل لأن هناك نقطة نهائية مرتبطة بآخر العالم منعته من مواصلة المسير؟ 

    بعد أن توقف حسن عن المسير بنى "كوخا و زرع شجرة زيتون". لماذا يا ترى اختارت الكاتبة أن يزرع حسن "شجرة زيتون"؟ هل كانت نهاية العالم في منطقة مناخها يساعد على زراعة شجرة الزيتون؟ ورغم أن الكاتبة تبين أنه كان في تلك البقعة من الأرضوحيدا، فهل البقعة التي سيكون فيها وحيدا سيجد له هناك عملا مناسبا ويكون قادرا على زراعة شجرة الزيتون؟ ثم أليس من الطبيعي أن يشعر الانسان بالوحدة والحنين حينما يعيش وحيدا في بقعة في "آخر العالم"؟ أوليس من الطبيعي أن يحن إلى وطنه في تلك الحالة او إلى أية بقعة في الأرض مؤهلة بالناس من حوله؟ وما الذي دعا حسن إلى السير إلى آخر العالم؟ ثم ما الذي جعله يرجع إلى وطنه ؟ و ما الذي جعله يشتاق الى "زيت الزيتون" وهو زرع شجرة الزيتون في مكانه الجديد؟ ثم ما هو تعريف المؤلفة لكلمة (حنين) فما هو "الحنين"؟ وهكذا تركت الكاتبة الطفل في دائرة كبيرة من الأسئلة التي لا يجد لها إجابات في القصة. كما أنها قدمت له معلومات لا تتفق مع الواقع العلمي في كون الأرض كروية. وهذا يقودنا إلى احتمال أن الكاتبة لم تصغ القصة وفق تصورواضح و إدراك لسير الاحداث، بل طغت العشوائية على سير الاحداث بشكل كبير.

رابعا: القصة من الناحية التربوية

     قصة "الحنين"، الحنين إلى الوطن والارتباط به هو ما كانت الكاتبة تهدف إليه عبر قصتها، إلا أن الرسالة التي استقبلها الطفل مخالفة تماما لما ارادته الكاتبة. إن الرسالة التي تضمنتها القصة هو الاستسلام وعدم مقاومة الحنين او الغربة من أجل أهداف نبيلة كطلب الرزق مثلا. وهذا ما يتنافى مع القيم الإسلاميةوالقيم العالمية التي تدعو إلى السير في أرض الله الواسعة من أجل العيش الكريم، ناهيك عن أن الحكمة التي قدمها الحكيم لا تمت إلى الحكمة بشيء،بل العكس هو الحاصل فقد كرست الضعف والاستسلام... فأي حكيم هذا نعتمد عليه؟! 

     رغم أنني كنت أتشوق في أن اجعل تبريكاتي محور مقالي بفوز الكاتبة بجائزة اتصالات والتي نتشرف بأن تنالها ثاني مؤلفة عمانية، إلا أنني أصبت بالصدمة بقراءة القصة التي أراها لا تصمد أمام النقد فنيا وأدبيا وعلميا وتربويا. ويؤلمني أن أقول ذلك إلا أن الأمانة العلمية تقتضي منا أن نكون صادقين ومخلصين في تقييماتنا التي تنطلق من حرصنا على تطوير أدب الطفل ونموه. 

     وأخيرًا أتساءل: من هم المحكمون في جائزة اتصالات الذين لا يتمكنون من إدراك الضعف الشديد في القصة، رغم أن هناك العديد من القصص التي اطلعت عليها والتي شاركت في المسابقة كانت أحق بالرعاية لكونها رفدت ساحة أدب الطفل بأعمال جميلة تتلاءم مع متطلبات الطفل العربي علميا وفنيا وأدبيا!