الأربعاء، 11 يناير 2012

بين ديباجات الماضي وتحديات المستقبل

لقد بدأت بعض الصحف من حولنا تنشر عن الوضع الإيراني بكل شفافية والبعض الآخر على استحياء من خلال مقالات كتابها ومفكريها حول نمو القوة الإيرانية ووقوفها في وجه... http://main.omandaily.om/node/80378

لقد بدأت بعض الصحف من حولنا تنشر عن الوضع الإيراني بكل شفافية والبعض الآخر على استحياء من خلال مقالات كتابها ومفكريها حول نمو القوة الإيرانية ووقوفها في وجه التحديات الغربية. فخلال الأسابيع الماضية قرأت مقالين لكاتبين عمانيين استعرضا الوضع الإيراني  .
 
لقد طرح المقالان بكل شفافية وحيادية الوضع الإيراني في مواجهة القوة الغربية التي أرادت أن تنهك الجمهورية الإسلامية إلا أن نتائج هذه التحديات كانت في صالح الأمة الإيرانية. فعلى سبيل المثال يقول الكاتب خميس بن حبيب التوبي في مقاله بعنوان (العظم الإيراني في الحلق الأمريكي) في جريدة الوطن بأن الغرب "... أعطى إيران أكبر هدية وقدم لها أعظم خدمة بأن تعتمد على خبراتها وتطور كفاءتها وتتجه إلى البحث العلمي والتقني وتحدث نقلة في عمليات التصنيع والانتاج لا سيما في المجال العسكري..." كذلك أشار الاستاذ عيسى بن محمود الزدجالي في مقاله بعنوان (ارفعوا أيديكم عن إيران النووية) في جريدة الشبيبة "...الكثير من الدول الواعية المستنيرة ترى أن إيران قوة إيجابية في منطقة الشرق الأوسط وتعززه وتسير في خطوات ثابتة نحو التقدم التكنولوجي الحديث بشكل يعضد من قوتها وتعد حاليا "أنموذجا" كبيرا ومتطورا في مجالات عديدة ووصلت بالمراحل العلمية والتكنولوجية المتقدمة إلى مصاف كبرى وأصبح لها صوت مسموع في الكثير من المحافل الدولية،..". هذه الكتابات بدأت تطغى على تلك الكتابات التي كانت لا ترى من إيران سوى دولة فارسية أو رافضية تحاول سلب العربي خيراته. و إن كان ما زال هناك بعض الذين ما زالوا على رؤيتهم السطحية للأمور. وليس من المتوقع تغيير جميع الرؤى حول إيران كدولة لأن البعض سيظل يطبل و يزمر أملا في تغيير يخدم مصالح دول بعيدة عن جغرافيتنا وتاريخنا و أمتنا وحضاراتنا. الا أن الطرح الواقعي لما يجري في إيران هو خدمة لنا و لابنائنا ولأجيالنا. فتلك الكتابات الهادئة والعقلائية والتي تنطلق من طرح الواقع كما هو من غير أن تنمق و تلمع صورتنا من ناحية أو تشوه وتنتقص من صورة الآخرين من ناحية ثانية تضعنا في موضع المسؤولية والمساءلة. فدولنا (ولله الحمد) لم تعن حصارا اقتصاديا ولم تدمر بحروب أنهكتها لسنوات عجاف ولم تعان العوز والحاجة والجوع والقحط نتيجة الحروب الخارجية. وهناك الكثير من المصطلحات والمسميات التي لم تعرفها قواميسنا المعيشية أو نفهم عمق آلامها في واقعنا المعاش. هذه الحياة المترفة بدرجة ما وبمقاييس مختلفة من دولة إلى أخرى جعلتنا نتناسى التحدي العالمي الذي نحن بصدده. فمعظم الدول غير العربية بدأت تدرك أهمية العلم والتعليم والبحث العلمي لخوض غمار المستقبل. وإدراكنا لهذه المفاهيم الحديثة القديمة إدراك سطحي غير مخطط أو من غير رؤية واضحة وطموحات واقعية لن يساعدنا في تطوير ذواتنا وأوطاننا. فالأمم التي تقف أمام التحديات وقفة واقعية تنظر إلى ما حولها بنظرة ثاقبة هي تلك الامم التي تستطيع أن تخطو خطوات ثابتة نحو التغيير نحو الأفضل. والتغيير الذي تنشده تلك الامم ليس ذاك المقتصر على أطروحات جوفاء لتمد الاعلام بعناوين براقة تتصدر الصحف في مجالات مختلفة.
 
حينما ننظر إلى الوضع الإيراني كدولة قريبة منا ونشاركها عددا من الخصائص وخاصة الجغرافية و الدينية والتاريخية في الوقت ذاته ندرك أن تجاربنا لم ترق إلى مستوى معاناتها مع قوى السيطرة العالمية التي ارادت أن تنهكها تارة بالحصار الاقتصادي وأخرى بزرع زبائن وقتل وارهاب الشعب وأخيرا باتهامها بتجاوز المواثيق الدولية من خلال ولوجها في العالم النووي كل هذه الأمور ما زالت بعيدة عن تجاربنا التي تتسم (و لله الحمد) بالهدوء. هذه المعاناة والتحديات التي مرت بها إيران لم تجعلها منهكة القوى ضعيفة البنيان بل ولدت منها قوة تتحدى القوى العالمية تلك في مختلف الجوانب المخابراتية والتكنولوجية والعسكرية والصناعية وغيرها. إن المستجدات التي طرأت على الجمهورية الاسلامية الإيرانية في فترة زمنية قصيرة نسبيا تشكل دافعا قويا لنا لدراستها وفهمها والتمعن فيها. فهل تلك التحديات الدولية التي وقفت أمامها كانت العامل الوحيد الكفيل بإحداث كل ذلك التغيير؟
 
بمراجعة التاريخ قليلا تبرز أمامنا تجارب شبيهة لدول أخرى من بينها اليابان على سبيل المثال. فرغم تعرضها لقنبلتين نوويتين امريكيتين خلال الحرب العالمية الثانية حيث تحول سكان مدينتي ناجازاكي وهيروشيما إلى أشلاء، نجد أن اليابان تحولت بدلا من أرض للأموات إلى أرض استقت بدم قتلاها لتنتعش بحضارة و قيم راقية. وفي مثال آخر، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية حين رأت الاتحاد السوفييتي في عام 1957 قد لامست مركبتها الفضائية أرض القمر اتخذت خطوات جبارة لتغيير مناهجها الدراسية و أساليب التعليم بما يلائم احتياجات المرحلة. من هنا نجد أن الخطاب السامي لصاحب الجلالة في مجلس عمان بتاريخ 31/10/2011 كان قد أدرك ما تمر به المنطقة وما يجب أن نكون عليه كشعب مدرك لتاريخة وحاضره ومستقبله.
 
مع الأسف ما زلنا في دولنا العربية و الخليجية بشكل خاص نتغنى بديباجات الماضي العتيد وما زالت خطواتنا المنمقة تطغى على واقعنا المتخلف. وما زال بعض المسؤولين غير مدركين في غمرة انغماسهم بالأهداف الصغيرة أهمية وعي واستيعاب أهداف أكبر ورؤى أعمق تتماشى مع الزمن. فالأهداف الكبيرة هي نتاج أناس كبار يحملون رؤى ومفاهيم تتناسب مع تلك الأهداف. والواقع الحالي و القادم من المستقبل يحتاج إلى تلك الكفاءات التي تنظر بعين ثاقبة إلى مصلحة الوطن لتستثمر إمكانياته وطاقاته في المضي قدما نحو تلك الأهداف الكبيرة بروية وبصيرة. إننا في وطن لا بد أن يعلو الصوت فيه لصالح احتضان كفاءاته الوطنية ومبدعيه الصغار وأبنائه المجيدين من خلال مناهج ترقى إلى مستوى التحديات التي نواجهها. إننا بحاجة إلى دراسة التجربة الإيرانية وتجارب دول أخرى التي حولت التحديات إلى انتصار. دراسة هذه التجارب عن قرب وفهم معالمها ومدارسها سوف تساعدنا على أن نبدأ من حيث انتهى اليه الآخرون تماشيا مع المقولات العقلائية.. فلْنُعِدِ النظر!