السبت، 14 مايو 2011

مناهجنا والشراكة الوطنية

لم تعد الإملاءات الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر على العالم الإسلامي بخصوص عدد من القضايا ومنها المناهج الدراسية خافية على أحد. ولم تكن التغييرات ....


لم تعد الإملاءات الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر على العالم الإسلامي بخصوص عدد من القضايا ومنها المناهج الدراسية خافية على أحد. ولم تكن التغييرات التي طرأت على المناهج في معظم الدول الإسلامية والمعونات التي قدمت من مختلف المؤسسات العالمية لبعض من هذه الدول من أجل ما يسمى بتنقية المناهج تهدف إلى إيصال العالم العربي والإسلامي إلى التحدي العلمي المتسارع ورفع مستوى التعليم ودفع تلك الدول إلى الولوج في عالم الفضاء والصناعة والإبداع والتفوق. لا .. لم تكن أي من هذه الأهداف هي التي حدت بتلك المنظمات والمؤسسات والحكومات بضخ تلك المبالغ الباهظة وإنما كان الهدف الأساسي من تلك الحركة هو تفريغ المناهج من المحتوى الإسلامي النقي ليقتصر الدين بالتالي على المساجد ودور العبادة كما هو حال المسيحية. والإملاءات الأمريكية تلك وغيرها في هذا المجال قد سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في بعض من الدول كمصر مثلا. فبعد اتفاقية كامب ديفيد 1979 تم تنقيح المناهج المصرية من أي تاريخ يشير إلى الحروب التي قامت بين العرب ودولة إسرائيل. ولم يتم الاكتفاء بذلك بل تم تنقية المناهج من جميع الآيات القرآنية التي تشير إلى اليهود. فتشير بعض المعلومات أنه في عام 1981 حين زار بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس أنور السادات وأثناء محادثاتهما أكد الرئيس المصري لـ"بيجن" الرغبة المصرية في التطبيع مع إسرائيل، فكان رد بيجن عليه: كيف تريدني أن أصدق نيتكم بالتطبيع وطلابكم ما زالوا يقرأون الآية التي تقول: (لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ..). فلم يتردد الرئيس السادات من حذف كل ما يشوب علاقة التطبيع تلك.
ولكن السؤال هل تمكنت تلك المحاولات البائسة من تجريد الشباب المصري من تاريخه وهويته وتراثه ومنعته من أن يقوم بثورة 25 يناير؟ وهل أثمرت تلك المحاولات في تحويل الكيان الصهيوني من عدو الى صديق؟ وهل المحاولات البائسة التي امتدت إلى التعاليم الإسلامية لمنع المرأة من الحجاب وتلك التي سعت لتضييع الهوية الإسلامية للشعب التونسي حالت دون قيام الشباب التونسي من ثورته؟ وهل المحاولات التي جرت في عهد كمال أتاتورك من تفريق وتمزيق للوحدة الإسلامية بمباركة الحركة الاستعمارية الصهيونية وتغيير الهوية الإسلامية ومحاولة علمنة الشعب التركي أوقف الشباب التركي من السير بسفينة الحرية «مرمرة» لنجدة أخوتهم في غزة؟
تلك المحاولات المضنية التي انفق عليها الكثير من المال لتغيير الهوية الإسلامية والعربية لتلك الشعوب لم تنتج سوى شباب وعوا الحركة التاريخية وفهموا المخططات العدائية ضد أمتهم. لم يعد المنهج مقتصرا على المنهج الدراسي حتى نظل نتشدق به من أجل برمجة عقول وأفكار أبنائنا أو بناتنا. ففي علم التربية هناك ما يسمى بالمنهج الخفي (hidden curriculum) وهذا المنهج الخفي يتشكل من كل ما يدور حول الطالب أو الطالبة من أحداث تنقل عبر مختلف وسائل الإعلام والاتصال والتواصل. فلهذا لم تعد عملية تشكيل هذه العقول للتأقلم مع الأهداف المرجوة ممكنة التحقق دائما من خلال ما يقرؤه الطالب ما بين دفتي كتابه المدرسي.
لهذا فإن تغيير أسماء المواد الدراسية أو حذفها أو زيادتها لا يجب ان تنطلق وخصوصا في مادة التربية الإسلامية من غير ان تستند الى: 1- الفقهاء في البلد. 2- معرفة اراء التربويين. 3- ادراك أهمية القيم الوطنية والدينية عند الشعب. فالطلبة في مدارسنا هم أبناء الشعب وتقرير مصير ما يدرسونه لا بد أن يكون بمشاركة أفراد الوطن من متعلمين وتربويين وعلماء دين. فلم تعد العلوم كما كانت سابقا حين كان ابن سينا فيلسوفا وطبيبا و.. و. بل إن التخصصية في العلوم من المفترض أن تثري سعينا في عملية تجديد وتحديث مناهجنا. فكما إن التربوي يملك المفاتيح والأداة لكيفية بناء المنهج الدراسي على أسس تربوية سليمة، فإن أصحاب التخصصات الإنسانية والاقتصادية والفكرية والدينية والهندسية والرياضيات والعلوم وغيرها لديهم ما يقدمونه في عملية تكاملية تجمع مختلف التخصصات في نسق متكامل تتبنى مبدأ الشراكة وتتخذ من الأهداف الوطنية نبراسا لها. فلنعد النظر.