الأربعاء، 8 فبراير 2012

بين المصطلحات والواقع

 قالوا لنا: ديمقراطية وشورى.. مصطلحات لم نعرفها من قبل لكن الربيع العربي - ولله الحمد- سقاها ورواها فكادت تخضر.. إلا ان الخريف والذي لم نكن نعرفه في واقعنا المناخي إلا كمصطلحات ....


 قالوا لنا: ديمقراطية وشورى.. مصطلحات لم نعرفها من قبل لكن الربيع العربي - ولله الحمد- سقاها ورواها فكادت تخضر.. إلا ان الخريف والذي لم نكن نعرفه في واقعنا المناخي إلا كمصطلحات حفظناها كسابقاتها من المصطلحات الحياتية، كان الأوفر حظا احيانا في قاموسنا الحياتي. ربيع وخريف ولا غرابة إن كان للبعض منا شتاء قارس ايضا كما كان للآخرين ممن سبقهم نصيب منه! لكن.. سرعان ما ننسى.. يقال: «ان النسيان نعمة».. لكني أقول: «إنه أيضا نقمة»!
يقال: «من شب على شيء شاب عليه» هذا المثال من صميم معاناتنا وتاريخنا. فنحن شبنا على فلسفة الإدارة الواحدة ورفضنا التشاور احيانا . ولم نعرف كلمة الديمقراطية إلا في تلك الكتب المستوردة. ففي البيت الرجل يقرر لنا الصالح من الطالح وفي العمل رب العمل يقرر لنا ما نحتاج اليه وفي القطاع الخاص صاحب المؤسسة الذي هو (الرازق!) يقرر ما يشاء من قوانين.. هنا لا عتب ولا غرابة فهو صاحب المصلحة والمال! لكن الغريب أن يحدث ذلك في بعض من مؤسساتنا الحكومية. فبعض من يتولاها ينسى بمرور الزمن أنه ما هو إلا موظف وليس صاحب المؤسسة. فتتحول تلك المؤسسات بقدرة قادر وبفعل عامل النسيان الى مؤسسة الشخص وجماعته. هذه هي المعاملة التي أقررنا بها وأبينا ان نرى لها من بديل وكلما تولى علينا شخص جديد أقر تلك الممارسات وصفقنا له بحرارة وان كنا نغلي من الداخل بلهب الرفض.. لكن تعلمنا أننا لا بد أن نحجم عن الكلام فلعل لنا في الوليمة نصيبا.!
مع الأسف هذه المظاهر التي كنا نأمل بأن تبدأ في الضمور، ان لم يكن انطلاقا من الإيمان بمخالفتها للقيم الانسانية والعدالة والمنطق ، فعلى الأقل حياء وخجلا من ممارستها بشكلها الظاهر، خاصة ان معظم أصحاب المعالي والسعادة وأصحاب الكراسي الأخرى يحملون ما يدل على أنهم وصلوا الى درجات متقدمة من العلم الذي يأمل كل عماني ان يراه فاعلا في حياتهم. فاحترام قوانين الدولة وحقوق الموظفين والمواطنين والتعامل على أسس العدالة هي من مظاهر الرقي. والقلم السحري الذي سخر لتسيير أمور من ارتضى عنه المعالي والسعادة لا بد ان يصبح قلما يستمد مداده من القيم الاصيلة التي تربينا وترعرعنا عليها فنهاية السحر والسحرة لا تبشر بالخير إذ «لا يفلح الساحر حيث أتى» كما حذرنا الباري عز وجل في كتابه العزيز.
هناك الكثير من الصور التي هي نتاج لتلك الاقلام التي تخط ما تشاء وكيفما تشاء من غير رادع يردعها أو ضمير يؤنبها ويمنعها. واذا فعل القلم السحري فعله فكوفىء غير المستحق ، فلا يعني ذلك سوى مزيد من الاستحقاقات التي لا بد ان تغدق على غير المستحق، لأن الرغبة في المزيد تتعمق في النفسية الانسانية التي تعودت على حصول ما لا تستحق.!
من ناحية أخرى فإن هذا القلم الذي استمد قوته من ذلك المنصب البراق تراه يصول ويجول في تقرير من يستحق ومن لا يستحق. فتركة الدورات والعلاوات لها «حسبة» كما نقول بالعماني، وتركة المناصب والمسميات لها «حسبة» اخرى. وهذه «الحسبات» نادرا ما يتم فيها مراعاة إمكانيات او قدرات الشخص وكفاءته او حتى التفكير في مصلحة المؤسسة من قريب او بعيد. فهي خاضعة كلية لعوامل مختلفة تقرر وتنفذ وعلمها عند ربي.
الأدهي والأمر ما نراه بعد ربيعنا العربي هو: فكما أن المواطن أعطي بعضا من الحرية في كتابة مقال كهذا فإن المسؤول في مؤسسة رسمية أيضا أصبح لا يتورع عن نشر إعلان عن وظائف وأمام وظيفة أستاذ جامعي توجد كلمة (وافد) أي أن هذه الوظيفة محفوظة للوافد (أي غير العماني) والأدهى أن هذا الإعلان تم نشره في صحف محلية وفي أول يوم من أيام العام الجديد ومداد الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة الذي حث فيه على الاهتمام بالكفاءات الوطنية بعدُ لم يجف. والغريب ان إعلانات تلك المؤسسة بشأن وظائف الأستاذ الجامعي لا تعلن إلا خارج السلطنة وإن أُعلن في موقعها الإلكتروني فهي ليست إلا للوافدين. إنه القلم السحري لذلك المسؤول الذي يخط كيفما يشاء وهو في نفس الوقت ما زال ينتظر اللجان لتطور العمل.. أي عمل؟.
نعم.. إنها مؤسسات وطننا الغالي التي تربع على بعض منها من يمنعك حتى من تمثيل الوطن. وقواميسهم لا تحمل مبادرة من غير ثمن، فلهذا لا تجد مبادراتك سوى آذان صماء.. فهم ما زالوا غير قادرين على التخلص من ذاتية ذلك الطفل الصغير.. فحينما كنا صغارا نلعب بالحارة كنا نرفع إصبعنا الخنصر معلنين عن زعلنا على اتفه الأمور.. لكن سرعان ما نرفع اصبعينا السبابة والوسط مبادرين الى الصلح.. وهم ما زالوا يتذكرون فعل الخنصر لكن فعل السبابة والوسطى لم يستوعبوه.
هذه الأمثلة وغيرها لا أطرحها من فراغ، وإنما هي نتاج تجارب لمواطنين يحلمون بمسؤولين ينزلون من أبراجهم العاجية ليجولوا بين البشر ويسمعوا.. ويفتحون ابوابهم لتنفتح قلوبهم. لقد تربينا منذ صغرنا في هذا الوطن وتعلمنا في مناهجه «أن حب الوطن من الايمان» فلنحرك هذا الحب.. ولنحلم به ليلا ونهارا.. ولْنُقَيِّم أنفسنا قبل ان نقيم مؤسساتنا .. فحسابنا الأول والآخر ليس في ربيع العرب أو خريفهم وإنما «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم»... فلْنُعِدِ النظر!.