الأحد، 4 مارس 2012

بين الاستسلام و التسليم

هناك ذخيرة من الأقوال المأثورة مؤطرة بلغة جميلة تتدفق بانسياب و تناغم عند كل من يشكو أو يشتكي او يتأوه أو ينتقد أو .. من قبيل أن يقال لك: «لا بأس إنه القضاء الإلهي المحتوم» أو...

 

هناك ذخيرة من الأقوال المأثورة مؤطرة بلغة جميلة تتدفق بانسياب و تناغم عند كل من يشكو أو يشتكي او يتأوه أو ينتقد أو .. من قبيل أن يقال لك: «لا بأس إنه القضاء الإلهي المحتوم» أو «هي المشيئة الإلهية». فليس هناك من تناقض بين هذه الأقوال و الواقع. فلولا الإرادة الإلهية او المشيئة الربانية لما كان ما كان. فنحن كمسلمين لابد أن نعيش التسليم والرضا بقضاء الله وقدره. والتسليم بالقضاء الإلهي من المسلمات والبديهيات التي هي من الأهمية بمكان بحيث ينبغي التركيز عليها وتربية الأولاد وفقها. فمهما بلغ شدة أو عسر ما يمر على الفرد أو الأمة أو الوطن من صعوبات، فستظل المشيئة الإلهية هي الحتم، و التسليم بالقضاء الرباني هو قمة الإيمان.
هذا هو التسليم القلبي الذي أراده الله لبني البشر من أجل أن يتحقق لهم التوازن والكمال النفسي و العقلي. ولولا ذلك التسليم القلبي لانفطرت القلوب ودمرت الطاقات وانفجرت العقول و انتشر الفساد. فالتسليم بقضاء الله وقدره يمد الإنسان بالكثير من عوامل الصبر والقوة والحكمة في التصرف والفعل. إلا إن هذا التسليم القلبي لا يتنافى مع السعي الى التغيير البناء الذي يدعو اليه الإسلام والذي يهدف إلى الإصلاح والصلاح ويأبى السكوت ويصف الساكت عن الحق بـ»الشيطان الأخرس»! فقد قال تعالى في كتابه الكريم: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.» فنحن نفتقد الكمال المطلق لكننا ننشده لان الفطرة الإنسانية جبلت على السعى نحو الكمال.
فكما ان التسليم أمر ضروري ومهم في تحقيق التوازن حين يؤمن المرء بقلبه وروحه بأن ما يصيبه ما هو إلا ابتلاء إما بسبب تقصير منه او من غيره أو تعسف ممن لا وازع له ولا ضمير. إلا أن الاستسلام لذلك الواقع هو سمة الضعفاء والساكتين عن الحق الخاضعين للواقع المستسلمين لما فيه من نقوصات ومساوئ من غير أن يقوموا بأية عملية تغيير تقود الى واقع أفضل أو وضع أحسن. وحينما نتحدث عن التغيير فإن التغيير المطلوب والمرجو هو ذلك التغيير الذي يهدف إلى صلاح الأمة والوطن والفرد من غير إلحاق ضرر أو أذى بأحد او حرق وتكسير. فالكلمة الطيبة والفعل البناء واستخدام الوسائل المتحضرة والمتمدنة والنصح والتثقيف جميعها من صور التغيير البناء.
اكتساب هذه السمات أو الصفات الأخلاقية المتعلقة بالتسليم والتغيير سواء على مستوى الفرد أو الأمة هي من عوامل الرقي والتقدم. فعمليتا التسليم والتغيير تلعبان دورا متكاملا في تحقيق التوازن الفردي والاجتماعي والوطني. ولو فقدتا لدى أفراد أية أمة، لأصاب تلك الأمة الخلل. فالاختلال في الشخصية قد ينتج عن عدم التسليم لقضاء الله وقد يؤثر على اختلال الأسرة والمجتمع وهنا تظهر أهمية التسليم البناء لأمر وقضاء الله عز وجل. وأما الاستسلام على مستوى المجتمع والأمة والوطن والرضى بكل ما يسودها من ظلم وحيف فإنه أيضا من المسوغات التي تؤدي إلى اختلال تلك الأمة والوطن فتزول عنها بوادر الخير والرقي والتحضر. لهذا فإن هذين العاملين يكملان بعضهما البعض بشكل يحقق ذلك التوافق.
هذه المفاهيم التي تعكس التسليم و التغيير هي التي تسعى إليها بعض من الشعوب من أجل تحقيق وإقرار حقوقها في حين تتعامل شعوب أخرى بأساليب عشوائية وتتناقض مع المفاهيم السامية للتغيير.
من هنا فإن المتتبع للأحداث الدولية أو العربية بالأخص يجد أن الأسلوب السلمي رغم أنه قد لا يحقق نتائج سريعة الا أن نتائج تلك الحركات تكون أقوى واصلب على أرض الواقع لأنها تنطلق من قلب محب للوطن وعقل تقوده الحكمة وروح مؤطرة بالحرص على المقدرات والمنجزات.. فالهدف الذي ينشده الكل ما هو الا الخير ومصلحة الجميع. والمعادلة التي يجب ان نحافظ عليها ونعيها هي ليست التسليم فقط أو التغيير فقط وانما هي عملية التوازن بين التسليم والتغيير... فلنعد النظر!