الاثنين، 31 يوليو 2023

الوعي الوالدي وكتاب الطفل

أتذكر حينما كنت أعمل في وزارة التربية والتعليم كان من ضمن مهامي مراجعة الكتب الإنكليزية التي كانت المدارس الخاصة تقتنيها من أجل وضعها في المكتبة المدرسية. لقد كانت من المهام الجميلة، لأنها أتاحت لي قراءة الكثير من الكتب وخصوصا كتب الأطفال. كنت أعمل كمساعدة لشخصية نبيلة...ة

مجلة العربي

العدد 667 شهر يوليو 

أتذكر حينما كنت أعمل في وزارة التربية والتعليم كان من ضمن مهامي مراجعة الكتب الإنكليزية التي كانت المدارس الخاصة تقتنيها من أجل وضعها في المكتبة المدرسية. لقد كانت من المهام الجميلة، لأنها أتاحت لي قراءة الكثير من الكتب وخصوصا كتب الأطفال. كنت أعمل كمساعدة لشخصية نبيلة طيبة وهادئة، إلا أنني لم أكن استوعب أمرا واحدا وهو: قرارها إبعاد الكتب التي تظهر فيها رسم او صورة " الخنزير". كنت أناقش الأستاذة الفاضلة حول ذلك إلا انها كانت ترى وجود الخنزير يعني أننا نروج له بينما هو محرم علينا أكله. كنت احترم رأيها لكنني كنت أقول لها: إنه مخلوق من مخلوقات الله ووجوده في القصة كوجود أي حيوان وهناك الكثير من الحيوانات التي يحرم علينا أكلها. هذه الذكريات تأججت في ذاكرتي أثناء حديثي مع أحد المهتمات بأدب الطفل قبل فترة بسيطة حينها قلت: سبحان الله ما أشبه اليوم بالبارحة مع اختلاف بسيط في المفردات!ى

في نظر استاذتنا الحالية المهتمة بأدب الطفل أنها لا تضع في يد الطفل كتابا فيه رسم أو صورة الصليب أو الكنيسة بأي حال من الأحوال لأن ذلك ترويج للديانة المسيحية وبالتالي هو أمر غير مقبول. مجرد وجود صورة الكنيسة أو الصليب ضمن قصص الأطفال في نظرها أمر غير مقبول، وإن كان مضمون القصة غير متعلق بهما.  
 س
واقعنا العربي الإسلامي لا يخلو من كنائس وتراث شركائنا في الوطن العربي من المسيحيين، فهل يعني ذلك نسف تراث الطرف الآخر لوقاية الطفل من عدم اعتناق المسيحية؟ وهل الشريعة الإسلامية من الضعف بحيث تهتز بصورة أو برسمة؟ ماذا يوجد في القدس بجانب المسجد الأقصى من تراث حافظ عليه المسلمون أليست كنيسة القيامة. ألم يحافظ المسلمون على هذا الواقع؟  أليست هناك الكثير من آيات القرآن التي تتحدث عن المسيح والنصارى. لقد استعرضت سورة مريم قصة السيدة مريم سلام الله عليها وكانت معظم أحداثها تدور في تلك الأماكن وهو واقع نؤمن به، ناهيك عن الاحترام الشديد الذي كان يبديه رسول البشرية تجاه ادور العبادة المختلفة.س

إنني احترم وجهات النظر المختلفة وأقدر بشدة للأهالي والتربويين الذين لا يقدمون أي كتاب للأطفال إلا بعد التدقيق فيه. فنحن في واقعنا الحالي بحاجة الى التدقيق في الكثير من الجوانب والأمور عند تقديم قصص أو كتب للأطفال. فهناك الكثير من الكتب التي تحمل مفاهيم مغلوطة أو مفاهيم منافية لقيمنا الإسلامية مثل الكذب أو السرقة أو السلوك المشين أو إظهار صور لمصطلحات بدأ الترويج لها مثل المثلية وغيرها من الأمور التي تتنافى مع تعاليم الدين. لكن احترام وتقدير الديانات الأخرى هو من جوهر ديننا، فلا بد أن نعلم الطفل على احترامها وعدم الاستهانة بمقدسات الآخرين.  هذه النقطة ظلت موضع نقاش كالكثير من النقط الأخرى التي تمر علي حاليا وأنا في موضع آخر ككاتبة وناشرة في مجال أدب الطفل بالتوازي مع كوني متخصصة في القضايا التربوية والتعليمية. أنا اتفهم فكرة الطرف الآخر الذي يحاول أن يقي الأطفال من التعلق بحيوان كالخنزير الذي نهانا الباري عزوجل من أكل لحمه لكن وجود هذا الحيوان على هذه الكرة الأرضية واقع فهو حيوان خلقه الله سبحانه وتعالى لحكمة يراها سبحانه. كما أن تغييب الواقع من أجل الحرص على أطفالنا من أكل لحم هذا الحيوان لا يندرج تحت معايير التربية السليمة. كما أن تجاهل الكنيسة أو الابتعاد عن الاخوة المسيحيين وعدم التعرف عليهم أو على غيرهم من الأديان الأخرى (طبعا بعيدا عن الصهيونية) هو ما قد يخلق إنسانا متعنتا لا يحترم الآخرين ومعتقداتهم.  تعتمد علاقة الوالدين مع أطفالهم بشكل كبير على الوضوح والصراحة والنقاش والتفاعل والاستماع والحديث الطيب الشيق بعيدا عن التزمت وفرض الآراء خصوصا في واقعنا الحالي. لم يعد الطفل في هذا العصر طفلا محصورا فيما يقدمه له الكتاب المدرسي او المكتبة البيتية، فقد غدى مطلا على العالم من أبواب مختلفة حتى وإن وضع المربون اقفالهم على بعض منها. س

إن تفاعل الطفل داخل المدرسة مع جنسيات مختلفة هوأحد تلك الأبواب التي يطل الطفل من خلالها على العالم. والكتب بمختلف أنواعها متوفرة لديه من خلال التبادل بين الأصدقاء. وهناك الكثير من الأبواب والنوافذ التي قد يطل من خلالها الطفل على العالم، ولهذا وجود اقفال هنا وهناك قد لا تفيدك بقدر ما تحتاج الى إقامة جسور من المحبة والثقة بينك وبين طفلك.   لمد هذه الجسور بينك وبين طفلك لابد أن تبدأ بفهم المرحلة العمرية التي يمر بها. فكل مرحلة عمرية لها متطلبات وأسلوب وطريقة. انطلق من مرحلة طفلك العمرية لتوضح له المفاهيم التي من حوله سواء عبر قصص أو رسومات، أو إذا وقع تحت يديه أمر لا يتناسب مع سنه فتدارك ذلك بطرق حكيمة. النقاش والحوار وإعطاء الطفل الحرية بأن يتحدث من غير شعور بالخوف من أنه بحديثه أو بطرحه سوف يثير الوالدين أو يغضبهما هي النقطة الأولى التي لا بد أن يتم التركيز عليها حتى يشعر الطفل بالاطمئنان و يجعله يتحدث ويناقش بسهولة ويسر ويفتح أمام والديه عالمه الداخلي الغامض.  أما حرمان الطفل من الأمور المباحة مثل رؤية الخنزير أو رسمة الكنيسة فهذه من الأساليب التي تسهم في بناء عقول منغلقة على ذاتها لا تحترم الآخر ولا تبني جسور التواصل مع الذين يحملون فكرا او معتقدا مختلفا. وفي نفس الوقت هذه التربية قد تؤدي بنا الى تربية طفل يصبح عما قريب رجلا متعنتا أو رجلا منحرفا عن الخط الإسلامي. وهنا أتذكر قصة أخرى سمعتها عن شاب كان يأكل لحم الخنزير انتقاما من والده المتعنت والقاسي. هذا الشاب لا شك أنه تربى على العصا والمنع بدلا من أن يتربى على والنقاش والانفتاح و احترام الآخرين. التربية لا تأتي من قراءة الوالدين كتابا للطفل فقط، انها تتطلب أن يكون القارئ واعيا ومدركا ومنفتحا لمتطلبات الطفل حسب عمره الزمني والعقلي. والمربي لا يكون من الذين يحملون فكرا ضيقا ومتعنتا وانما ذلك الذي يحمل روحا وعقلا وفكرا يقبل التغيير ويحاول أن يستوعب ما حوله. ومن هنا فلا بد ان يكون سعينا دائما في أن نعيد النظر!س