الأحد، 23 أكتوبر 2022

وقفة مع قصة “البطل الخارق”


عند الكتابة عن الأبطال فالقلم يعجز عن احتواء سمات أولئك الأبطال. فالبطولة لها صور متعددة في حياتنا ابتداء ....من بائعة الخبز وسط الطرقات، مرورا بأصحاب الأقلام الذين تركوا بصماتهم على حياتنا، وانتهاء بأولئك... 



مجلة رأي اليوم

https://www.raialyoum.com/الدكتورة-فاطمة-أنور-اللواتي-وقفة-مع-قص/


عند الكتابة عن الأبطال فالقلم يعجز عن احتواء سمات أولئك الأبطال. فالبطولة لها صور متعددة في حياتنا ابتداء من بائعة الخبز وسط الطرقات، مرورا بأصحاب الأقلام الذين تركوا بصماتهم على حياتنا، وانتهاء بأولئك المجهولين في شتى مناحي الحياة من المرضى الذين لم يرضخوا لما يعانونه وإنما ليحولوا ما لديهم من طاقات إلى مشاعل تنير دروب الآخرين وليعلموهم معاني الصبر. 

 انطلقت قصة "البطل الخارق "الكتاب الفائز بجائزة اتصالات لعام 2021 للدكتورة نسيبة العزيبي وبريشة الفنان حسان مناصرة، لتقدم لنا قصة البطل الخارق الذي نجد له نماذج في حياتنا ونستلهم منهم العبر. من تلك النماذج الخارقة انطلقت الكاتبة لتصيغ فكرتها في قصة تقدمها للطفل العربي، لتوصل عبرها رسالتها في أهمية أن نعلم أطفالنا القناعة والرضى بما كتب الله لهم. 

 تربويا، حينما نقدم للأطفال قدوات حية من واقعنا وبيئتنا فإن أطفالنا باستطاعتهم تلمس أثر ذلك، فيسهل عليهم التأثر بها والسير على هداها. هذا ما فعلته الكاتبة، فقد القت الضوء على نماذج حية لأبطال في حياة كل واحد منا ممن فقدوا الكثير بسبب المرض إلا أنهم ظلوا أبطالا خارقين يقدمون ما لديهم من عطاءات متنوعة الصور بصبرهم وشجاعتهم وحكمتهم. 

 جسدت المؤلفة الكثير من أمثال هؤلاء الأبطال في شخصية جمعت فيها الكثير من الصفات الخارقة وأسمته "البطل الخارق"، فلا اسمَ معينا له، وإنما استمد اسمه من صفاته الخارقة. لقد كان البطل الخارق يطير بجناحيه، ويجر بشعره الطويل الشاحنات والطائرات، ويدفع بيديه البنايات الضخمة والصخور. البطل الخارق لديه عينان تخترقان الجدران ليرى أدق الأشياء، والهواء الذي ينفخه بفمه يثير رياحًا وزوابعا. تصاحب هذه الكلمات رسومات معبرة وجميله وعميقة جدا. فالطفل قد يفهم تلك الكلمات إلا إنه يعي أكثر صور الميداليات وشهادات التقدير التي رسمتها ريشة الرسام بإبداع. 

 هكذا وصفت الكاتبة شخصية بطلها الخارق لتقدمه كشخصية "سوبرمان" التي نراها في الرسوم المتحركة والتي يحبها الصغار ويتفاعلون معها بسبب سعيها في مساعدة هذا وإنقاذ ذاك. لكن "البطل الخارق" في قصة الدكتورة نسيبة يقعده المرض الذي عجز الأطباء عن معالجته. وبدأ يفقد القوة الخارقة لأعضائه تدريجيا.. وأدرك أنه غير قادر على إسعاد الناس وتقديم خدماته فقرر... قرر البطل الخارق أن يترك ناسه ومدينته فيرحل ليلا ليستقر في خيمة على جبل كبير.. لكن هل نسي الناس البطل الخارق؟ 

 تتسلسل أحداث القصة لتبين محاولات الناس إعادة البطل الخارق إلى مدينته وناسه إلا أنه استبد به اليأس بسبب قلة حيلته في معالجة مرضه أو كما تصفه الكاتبة "فيغشاه اليأس من جديد، وتنسكب دموعه على وجهه كشلال". استعان البطل الخارق بحكيم مر عليه على الجبل لعلاج مرضه وبدأ الحكيم بسلب كل نقاط القوة لدى البطل الخارق واحدة بعد أخرى والتي لم تعد لها أهمية. التزم البطل الخارق بتنفيذ كل طلبات الحكيم التي جعلته أقرب إلى الطبيعة البشرية وفي نفس الوقت اوقدت فيه حب تأمل الكون الذي حوله. 

أما أهل مدينته فقد واصلوا إرسال الرسائل محاولين عبرها إرجاعه إليهم، إلا إنه بقي في خيمته على الجبل الكبير. وتتتابع محاولات أهل المدينة في حثه على الرجوع. لكن شيئا ما يتغير في البطل الخارق بعد أن انتهت طلبات الحكيم فبدأ ينظر إلى العالم بعين مختلفة. ومع هذا التغير الداخلي يرجع الحكيم إليه بعد مدة ليطلب منه الرجوع الى مدينته وناسه... 

 رجع البطل الحكيم إلى ناسه، وهنا تؤكد المؤلفة بإنه ظل بطلا خارقا رغم أن جناحيه لم يرجعا كما كانا وأن شعره وكل أعضائه وحواسه الخارقة لم تعد كما كانت من قبل، لكنه رغم ذلك ظل بطلا خارقا... ظل بطلا خارقا من غير تلك الخوارق فقد عاش مثل بقية الناس، "وازدحم جدوله اليومي" وظل وسط الناس يمد إليهم يد المساعدة... وللقصة نهاية سعيدة، ولكن.. 

 هل هو حقا بطلٌ خارقٌ؟ 

 هنا تبدأ تساؤلات الأطفال حول معنى "البطل الخارق" الذي قام بكل الأعمال الخارقة التي هي وليدة قوة خارقة. إلا إن انتكاسة تصيب البطل الخارق فتسحبه من حياة الناس وتحوله إلى رقم سلبي وخالٍ من الصبر والرضا والقناعة والعمل لاستعادة حياته، إلى أن يتدخل الحكيم فينصاع إليه مستسلما. 

 هنا مربط الفرس فرغم جمال الفكرة إلا أن بعض الأمور ساهمت في إضعاف القصة. 
 - افتقاد البطل الخارق إلى الفعل الحقيقي الذاتي في إعادة حياته. فحينما نقدم بطلا في قصص الأطفال، 
فينبغي أن يكون البطل هو الفاعل الحقيقي في القصة ويكون له دور كبير في إحداث التغيير لا أن يهرب من الحياة يائسا قنوطا حتى يأتي إليه من يقدم إليه يد المساعدة. لقد كان المتوقع من البطل الخارق أن يبحث عمن ينصحه ويعالجه بحيث يكون هو الذي يقود حركة التغيير لا أن يكون سلبيا يائسا ينتظر من يمر عليه فيستسلم له ويسلمه أمره تماما. 
 - ثم لا أفهم لماذا "الحكيم"؟ لقد وجدت الحكيم في عدد من القصص، فعلى سبيل المثال "قصة حنين" الفائزة بجائزة الاتصالات 2019 ومن نفس دار النشر حيث يتدخل الحكيم لحل مشكلة الشاب الباحث عن العمل. فهل هناك تعريف واضح في ذهن الطفل عمن هو الحكيم؟ ولماذا الحكيم؟ فإذا كانت المؤلفة بينت منذ البداية بأن بطل القصة أصابه مرض خطير. فهل الحكيم هو الطبيب؟ يبدو أن الجواب "لا" لأن مؤلفة القصة أوضحت أن الأطباء لم يستطيعوا مداواة جراحه... فكيف استسلم البطل الخارق للحكيم؟ هل هو استسلام اليائس القنوط؟ 

 هكذا يشعر الطفل القارئ عبر قراءة القصة، أن البطل الخارق مر عليه الحكيم فاستسلم له موقنا أن كل ما يقوله الحكيم ويفعله صحيح لأنه كان تحت ضغط نفسي ورغبة جامحة في الرجوع الى مدينته. قد تكون المؤلفة ترغب في تقريب فكرة الإذعان للأطباء لكن لماذا الحكيم وليس الطبيب؟ هل لأن مرضه مختلف فهو مرض الأبطال الخوارق مثل ما ذكرت؟ وهل أمراض الأبطال الخوارق تختلف عن أمراض الناس العاديين؟ قد تكون هناك معانٍ مجازية للقصة لكننا يجب أن نقرأ القصة بعدسة الصغير الذي لم يتجاوز عمره الثامنة أو أقل من ذلك. فلا ننسى أن القصة لم تكتب للكبار حتى نغوص في معانيها فنقول أن هناك معانٍ عميقة وفلسفية ونخبوية! 

 وأخيرًا، النص طويل كما أن الفقرات وبعض الجمل طويلة لا تتناسب مع أسلوب الكتابة للأطفال بشكل خاص والكتابة الأدبية بشكل عام. فحبذا لو خففت الكاتبة النص مع إمكانية بقاء المعنى.
 إن اطلاع الدكتورة نسيبة على الأدب العالمي والعربي له أثر جميل على محاولاتها في تقديم مواضيع مختلفة برؤى متنوعة الا أننا نحتاج إلى عمل جماعي، وهنا أنادي لتكوين مجموعة تحاول العمل معا من أجل تطوير أدب الطفل. 

 وأخيرا، أود ان أشير بأن الدكتورة نسيبة أهدتني "البطل الخارق"، وأنا أعتز كثيرا بهذا الاهداء وهذه من صفات الأبطال الخارقين الذين لا يشكل لهم النقد سوى سمو ورفعة، فهم الأصل والأصل ينمو ويتفرع.