الأحد، 30 ديسمبر 2012

لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

فجأتنا وسائل التواصل الحديثة بأنباء نتائج اختبارات بيلرز وتيمز(PIRLS and TIMMS) لعام2011 وإن غابت عن الصحافة المحلية. إلا أن الحقيقة التي لابد أن نقر بها و نشير إليها هي شجاعة
http://www.omandaily.om/node/120337
فجأتنا وسائل التواصل الحديثة بأنباء نتائج اختبارات بيلرز وتيمز(PIRLS and TIMMS) لعام2011 وإن غابت عن الصحافة المحلية. إلا أن الحقيقة التي لابد أن نقر بها و نشير إليها هي شجاعة وزارة التربية والتعليم باشتراكها في هذه الاختبارات. ولا أظن أن أي واحد من التربويين وأولياء الأمور كان يتوقع نتيجة أفضل مما سمعنا نظرا لإحاطتنا بالنظام المدرسي والمناهج و التغييرات العشوائية و المتسارعة منذ النصف الثاني من عقد التسعينات. ففي السنوات السابقة كانت نتائج التقييمات المتعددة تبشر بخير( كما كنا نسمع).. لكن حديث الواقع الذي كان متداولا بين المعلمين والمعلمات ومديري المدارس والتربويين من خارج إطار أصحاب القرار أو القائمين على هذه التغييرات هو ما أظهرته نتائج هذه الاختبارات. ورغم التوقع إلا انها شكلت صدمة وخيبة لآمال الكثير من المواطنين الذين رغم كل ذلك الأسى كان لديهم أمل في أن يظل اسم عمان دائما في صدر القائمة لا ذيلها!
شاركت العديد من الدول العربية من ضمنها سلطنة عمان في الاختبارات الدولية بيلرز وتيمز. وتعنى الاولى (بيلرز) بقياس مهارات الطلبة في مادة القراءة أما الثانية (تيمز) فتعنى بقياس مستوى الطلبة في مادتي الرياضيات والعلوم. اختبارات بيلرز«تنظم من قبل الجمعية الدولية للتحصيل التربوي والتي مقرها أمستردام بهولندا ويشرف على تطبيقها مركز الدراسات الدولية بكلية بوسطن في الولايات المتحدة»، وتقام هذه الاختبارات مرة كل خمسة أعوام. أما اختبارات (تيمز)فتهدف إلى معرفة مدى فاعلية المناهج الدراسية و النظم التعليمية و طرق التدريس وغيرها من العوامل الأساسية في تقدم التعليم في مادتي الرياضيات والعلوم . ويقدم اختبار تيمز مرة كل أربعة أعوام. وقد صادف هذا العام ظهور نتائج الاختبارين تيمز وبيلرز في العام نفسه.
قلت إن الصحافة العمانية لم تتسابق في نشر نتائج اختبارات تيمز وبيلرز كما هي عادة هذه الصحافة في تسابقها في عرض ونشر الإنجازات.وقد اقتصرت الأخبار حول هذا الموضوع على وسائل التواصل الاجتماعي التي غدت السباقة الى نشر كل ما هو «غث وسمين». وللتأكد من صحة الأخبار، فقد أسعفتنا ماكينة البحث (جوجل) بكل ما نريد معرفته. وأيضا كانت مقالات الإعلام العربي زاخرة بتأبين الواقع العربي الذي لم ينل الشرف الذي ناله الصهاينة في سباقهم نحو التسلح بالعلم . واللافت للانتباه ما جاء في المقابلة التي جرت مع بعض المسؤولين في الوزارة بأن أبناءنا حققوا «المركز الرابع في مادة العلوم للصف الثامن ضمن خمس دول خليجية ( قبل الأخير) والمركز الخامس في مادة العلوم للصف الرابع من ست دول خليجية (قبل الأخير)!فهل هذه هي طموحاتنا؟ أن نكون أقل من المتوسط على المستوى العالمي بل في ذيل القائمة ثم الحال نفسه على مستوى دول الخليج!
إلا أن الجميل في الأمر هي المقابلة التي أجرتها جريدة«عمان» مباشرة بعد إعلان النتائج مع معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم لتعلن عن «الانتهاء من بناء معايير وطنية للمناهج بنهاية العام الدراسي الحالي». كما أن ما استقطبني في المقابلة هو عدد من الأمور التي لا شك أنها استُلْهِمَت من الخطابات السامية لحضرة صاحب الجلالة. ومن بين تلك الأمور ما تطرقت إليه معاليها حول التزام الوزراة بفتح باب الحوار الراقي والجاد مع الحقل التربوي. وهذا الهدف السامي الذي نادى به جلالته لابد أن تكون له مصاديق واقعية وفاعلة. فالحوار في الحقل التربوي ملبد بالكثير من السحب إلا أن الانطلاقة الجادة نحوه وعسى ان نتمكن من تلمسه - لا بد من أن يسهم في تخفيف كثافة تلك السحب الملبدة.وأتمنى أن أستطيع الإشارة في مقالة أخرى عن جهود الوزارة في تبديد تلك السحب و في فتح باب الحوار مع الحقل التربوي بالشكل المطلوب حتى تستفيد من تلك التجرية النيرة التي نرجوها ونطمح اليها بقية المؤسسات والوزارات. لقد استحوذت مقابلة وزيرة التربية والتعليم على اهتمام كلمة جريدة «عمان» والتي اشادت بالمقابلة داعية الى«الاستجابة الى أوسع مدى مع ما أشارت اليه معالي وزيرة التربية والتعليم من فتح باب الحوار مع الحقل التربوي حول عملية تطوير العملية التعليمية بكل جوانبها .... لتواكب العملية التعليمية مع احتياجات الحاضر ومتطلبات المستقبل»إلا أن سؤال: «كيف ستتم عملية الحوار ؟ » كان غائبا.
"متطلبات المستقبل» .. لقد تردد صدى هذه العبارة في العنوان العريض في جريدة «$» «الاستشراف المستقبلي يركز على المواءمة مع متطلبات سوق العمل»، فرغم جمالية هذا العنوان إلا أن معالي الدكتورة والمعنيين بالمجال التربوي والتجاري يعرفون أن متطلبات سوق العمل ليست ثابتة. لهذا فإن جهود التعليم لا يمكنها ان تتوافق او تتواءم مع متطلبات سوق العمل و إنما لابد ان تكون رؤية وزارة التربية والتعليم هو " التعليم من أجل التنمية المستدامة ".
وهذه الرؤية تسمح لكل إنسان أن يكتسب المعارف والمهارات والمواقف والقيم اللازمة لتشكيل مستقبل تنموي مستدام. يطرح أحد المفكرين التربويين في هذ الشأن قائلا: «إن تعليم أبنائنا الصغار والكبار لابد أن يكون من أجل التنمية المستدامة التي تهدف الى تنمية المهارات والمواقف والحوارات والتفاهمات اللازمة لديمومة الفرد أو الجماعة ليسهم في مستقبل صحي ومستدام ». ففي هذا النوع من التعليم يتم كما يشير المفكر التربوي الى عدد من المهارات مثل: عملية تنمية الذات، اكتشاف، استكشاف، تحقيق، تصور، توثيق، بحث، فحص (scan) . وقد يقال أن كل هذه المهارات تزخر بها مناهجنا( كما هي العادة) .. إذن ففي هذه الحالة فالمثل العربي الذي يقول « فاقد الشيء لا يعطيه» ينطبق علينا!
في مقابلة جريدة «عمان» أشارت وزيرة التربية والتعليم الى «تشكيل فريق نظير لبيت الخبرة من الخبراء العمانيين لإجراء تقييم شامل للتعليم »، وهذه الإشارة لها أهمية كبيرة لسببين. الأول: هذا الإعلان هو تطور كبير في رؤية وزارة التربية والتعليم الذي كان من أكبر المتحمسين لجلب الدعم الخارجي على حساب الكفاءات العمانية. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو دور الفريق النظير لبيت الخبرة؟ وما هي مسؤولية بيوت الخبرة في هذه الحالة؟ هل الفريق النظير هو الذي سيتولى دائما المهام الضيقة التي لا تحتاج سوى الى حركة دؤوبة بينما بيت الخبرة هو الذي يخطط و يقود ويأمر و..؟ ومن ثم ما ضرورة بيت الخبرة بعد صرف كل تلك الأموال الطائلة في تعليم العمانيين و تسليحهم بشهادات عليا من نفس دول بيوت الخبرة تلك؟ لماذا لا يتم تشكيل فريق عماني بامتياز مع الاستعانة بأساتذة الجامعة من العمانيين والوافدين؟ لماذا لا ندرس التجارب العالمية التي سبقتنا ونبدأ بالخطوة الأولى و نفسح المجال لكوادرنا و كفاءاتنا؟ واذا تعرقلت علينا الأمور او إذا كنا بحاجة إلى دم غربي او عربي فلا بأس من الإستفادة منه من خلال السفرات غير المتناهية للمسؤولين. حينما كنت اقرأ تقرير «أمة في خطر» رأيت الانموذج الوطني الذي كرس مفهوم الكفاءات المحلية لتحتل بذلك الولايات المتحدة موقع الصدارة في سباقها العلمي مع الإتحاد السوفييتي. هذه التجربية الإمريكية الناجحة جديرة بالإستفادة منها بدلا من الالتهاء في عملية جلب بيوت الخبرة وتكريس المناهج الغربية. الثاني:لقد سبق أن تم الاستعانة بالعديد من بيوت الخبرة لوضع مناهج وتقييم مناهج وها هي الآن تدرب العمانيين، فماذا تم تحقيقه من ذلك خلال السنين الماضية؟ ذكرت معاليها:«حاليا يعمل فريق من الخبراء مع كادر عماني كأعضاء مناهج لإعداد كادر عماني متمكن في بناء معايير وطنية فالخبير العماني هو الأساس وبناء هذه المعايير يمر بإجراءات منها... ومن المتوقع الانتهاء منها بنهاية العام الدراسي 2013/2012». أقول: ارحموا أبناءنا .. فوفق أية رؤية و وفق أية اسس وأية معايير كانت تصاغ المناهج سابقا؟ أقول: إذا كان لابد من الاستعانة ببيوت الخبرة الغربية او النيوزلندية، فأنا أضم صوتي إلى من ينادي بأهمية تشكيل هيئة وطنية مستقلة لتقييم التعليم أولا لأن هذه ستكون خطوة حديثة في واقعنا العماني، فلا بأس بعد ذلك من الاستعانة بتلك الدور وإن كنت أؤمن ان الكفاءات العمانية قادرة على الخوض في ذلك من غير أن تكون نظيرا لبيوت الخبرة.
إننا ندعو الله ونتوسل به أن لا تتكرر تلك اللدغات المؤلمة لأن المسيرة التعليمية في واقعنا العماني (مع الأسف الشديد) ليست عملية تكاملية ضمن أطر ورؤية و إنما هي خطط على شكل حلقات منفصلة ووقفات متقطعة تبدأ مع قدوم كل مسؤول. لقد لُدِغْنا من جحور دور الخبرة تلك مرات ومرات و نتائج الاختبارات العالمية تشهد بعجزها.. لكن ماذا يمكننا أن نقول. رغم «أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين» .. فلْنُعِدِ النظر!