الثلاثاء، 22 يناير 2013

يا الأحمر.. «الجحلةُ» بَعْدُ لم تنكسِر

في الفكر التربوي هناك تشجيع على الأحلام لأنها قد تكون المفتاح في شحذ الهمم. فالطالب الذي يبدأ يومه بحلم يقظة جميل وتتهيأ البيئة السليمة من حوله، فقد يصبح هذا الطالب يوما...

http://main.omandaily.om/node/122923

في الفكر التربوي هناك تشجيع على الأحلام لأنها قد تكون المفتاح في شحذ الهمم. فالطالب الذي يبدأ يومه بحلم يقظة جميل وتتهيأ البيئة السليمة من حوله، فقد يصبح هذا الطالب يوما ما ابن سينا أو الفارابي أو أحمد ابن ماجد أو الكندي. فالحلم باب واسع تتحقق من خلاله الكثير من أحلام اليقظة.. لكن المعالي لا تُنالُ بالأحلام وحدها. لأن الحلم الذي لا يسنده عمل دؤوب و بيئة مشجعة وركائز سليمة للنجاح فسيظل حُلُمَ يقظة لا أكثر.
 
«الأحمر» هو ما ترسخ في الذاكرة منذ السبعينات حينما كنا نتابعه ونحن لا نفقه في لعبة كرة القدم شيئا، لكنه الأحمر الذي ارتبط في أذهاننا بلون علمنا العماني المرفرف دائما في العلا. ورغم أن الأحمر كان يحتل المرتبة الأخيرة أو قبل الأخيرة لكن ذلك لم يكن مهما لأننا كنا نعيش ذلك الحلم الذي كان يراود الجميع. حلم الفوز بــ»الكأس».. حلم التربع على عرش الفائزين.. فنحن كنا نمني أنفسنا بأننا ما زلنا في مرحلة البناء والنمو. ومضت أربعون سنة وما زال ذات الحلم يراودنا. ولكن من حسن الحظ أننا استطعنا أن نحقق ذلك الحلم لمرة واحدة. حينها لم تسعنا الفرحة، لأننا كنا ننظر الى أبعد من تلك اللحظة التي كانت تخيل لنا، إنها لحظة البداية.. البداية نحو الكثير من النجاحات والإنجازات. ولأننا تصورنا «إنها البداية» فقد عشنا أحلام يقظتنا في أن يرى ويصفق أبناؤنا للأحمر وهو يحمل كأس آسيا. ولكننا لم ندرك ذلك لأن «الجحلة سقطت ولكنها لحسن الحظ لم تنكسر».
 
 حينما تم اختراع الجحلة كانت هناك أسس ومعايير في عملية هندستها بهذا الشكل الذي من الممكن أن تتربع على الرأس أو توضع على الأرض او تعلق على حبل يتدلى من سقف الدار. ونادرا ما سقطت من على رؤوس تلك النساء اللواتي برعن في حملها و تفنن بالمشي بها وهي على رؤوسهن، تَحْملنَ بها الماء. ففي صناعتها مهارة و في التعامل معها مهارة.. وحينما افْتُقِدَتْ تلك المهارة و سُلِّمَتْ إلى من هم بأحلام اليقظة وحدها لاهثين و قتها فقط .. سقطت!
 
وسقوط الجحلة لم يكن بسبب الأحمر فقط. فالأحمر ما هو إلا واحد من معوقات أخرى برزت مؤخرا . فقبل عدة أسابيع تناقلت وسائل التواصل الحديثة أنباء نتائج اختبارات بيلرز وتيمز(PIRLS and TIMMS) لعام2011 . لم تكن نتائجنا في تلك الاختبارات إلا في المراتب الأخيرة شبيها بحال الأحمر. لكن لم تكن صدى تلك النتائج كبيرا لأن تلك المباريات (الاختبارات) لم يشاهدها الملايين. لكن نتائج الأحمر دخلت في كل دار وتناقلت بين جميع الهواتف ووسائل التواصل.. وتناولها بالتحليل الكبار والصغار.. فالكرة أصبحت واجهة البلدان العربية. وما نتائج تلك الاختبارات بأقل ألم من نتيجة الأحمر.. لكن للشعوب مقاييسا وأولويات!
 
علميا، لو أن نتائج تلك الاختبارات كانت نتائج مشرفة، والأحمر كان قد حقق هذه النتيجة المتدنية لكنا بحاجة الى دراسات معمقة لمعرفة السبب الذي جعل الأحمر لا يسير بالاتجاه نفسه. لأننا لا نستطيع التعامل مع قطعتي الصورة الواحدة من وجهتي نظر مختلفتين. فنتائج الامتحانات العالمية و المستوى العلمي والدراسي للطلبة يرتبط أشد الارتباط بمختلف المستويات الحياتية الأخرى. فالطفل يكتسب الثقة من الأسرة ثم من المدرسة ثم من المجتمع. و يكتسب استراتيجيات التعامل والقيادة و المبادرة من الأسرة ثم من المدرسة ثم المجتمع. و هؤلاء اللاعبون ما هم إلا نتاج هذا التعليم المدرسي و حصيلة تلك الركائز التربوية التي يستقي الطالب منها. وهذا الترابط غير مقتصر فقط على المدارس و الأسر والمجتمعات وإنما هو نتاج نظام كامل للحياة.

 قلنا إن لبناء الجحلة مهارة معينة توارثها الأبناء الذين لم يغيروا إلا في أشكالها و ألوانها وظلت هي بنفس هيئتها كأنها وجدت بأيدي أولئك المهرة الذين تلمسوا أسس الكمال بها. إلا أن التعامل مع العقل الإنساني لا يمكن أن يكون نظير التعامل مع الجحلة أو صناعتها لأن عقل الإنسان في حركة دائمة و دائبة وهو يتأثر بما حوله من متغيرات عالمية وداخلية. لهذا فحين يأتي المسؤولون وكل واحد منهم يستنسخ أسلوب من كان قبله في الأساسيات مع تغيير بسيط في الشكليات فإن عجلة الحياة لن ترحم لعدم قدرة ذلك المسؤول على إدراك الأسس الكونية في التغيير. واذا كان هذا المسؤول فاقدا للإبداع والابتكار والمرونة فالحال لا شك تكون أسوأ. إن عدم فوز الأحمر والتذبذب في مستواه منذ عقد السبعينات من القرن الفائت ، كما قيل، ليس بسبب خلل في كفاءة اللاعبين أو لنقص في قدراتهم، وإنما الخلل يتمحور في عدد من الجوانب:

الجانب الأول: حين تدار مؤسسة أو شركة أو غيرها من قبل أشخاص يفتقدون الكفاءة والإبداع والابتكار فإن مآل هذا النوع من المؤسسات الى الضمور سواء كانت ضمن القطاع الخاص أو القطاع العام فلابد لها أن تسير - إذا كُتب لها السير- على عكاز. فالشخص غير المبدع أو المبتكر والذي ترقى و ارتقع ضمن منظومة لا تعير للكفاءة اعتبارا فإن أخوف ما يخاف منه ذلك الشخص هو أن يفقد موقعه. ولهذا فكل من يبدع أو يقدم أفكارا تسهم في التطور يكون مآله التجميد والإبعاد. وبهذا تفقد تلك المؤسسات خيرة كفاءاتها وبذلك فإما ان يكون تقدمها بطئيا او أن الايام تظهر ما يحاولون اخفاءه كما حدث للكثير من المؤسسات.
 
الجانب الثاني: حينما تفتقد المؤسسة العقول المبدعة والأساليب المبتكرة في حل المشاكل أو التعامل معها حينها فقط تصاب تلك المؤسسات بالعجز التام على العطاء.. فيتحول كل فرد من أفراد تلك المؤسسة إلى ساعي البريد ينفذ من غير أن يكون لعقله أو تفكيره دورا في صنع القرار. وهنا يتحول الفرد الى آلة بدلا من إنسان مبدع وهذه الآلة يتم برمجتها بحيث أنها تستطيع أن تجيب على: 1+1=2 لكنها لا تستطيع أن تستعيض بدل الـ(س) أي رقم آخر. وفي المواقف الصعبة يظهر الضعف.
 
الجانب الثالث: حينما تدار المؤسسات من قبل أفراد وجماعات ليس لهم هم إلا المصلحة الذاتيه فإن الجانب الانساني لدى أفراد تلك المؤسسة بمرور الزمن يبدأ بالضمور. وحينما أقول الجانب الإنساني فلا أعني به الأحاسيس والعواطف وإنما إحساس المرء بقدراته وإمكانياته. و يتعاظم إحساسه بتدني قدراته وإمكانياته أمام أشخاص آخرين قد يخيل له أنهم ينتمون الى منظومة أفضل من المنظومة التي هو فيها أو للكثير من الأسباب غير الواضحة او المدركة بسهولة. لكن هذه التجارب السيئة تشكل منحى سلبيا في ذاته تجعله يعيش الإحساس بأنه أقل من الآخر حتى و إن كان أكثر قدرة و تأهلا.. لأن وجوده ضمن منظومته غير المتكافئة يولد لديه ذلك الإحساس: «الإحساس بعدم الأهلية او القدرة». لهذا فإن اللائمة في كثير من الاوقات لا تقع على المنظومة وانما على عوامل خارجية. وهذا ما عبر عنه عموم الناس في إحدى نوادرهم. فيقال (حسب ما وصلني من خلال هاتفي) عندما لعب الأحمر ضد الاردن كانت النتيجة: هدف الأردن الأول في الدقيقة 89. وحينما لعب ضد اليابان كان هدف فوز اليابان في الدقيقة 86. وحينما لعب ضد قطر حققت قطر فوزها في الدقيقة 88 وهذا ما حدث مع الإمارات في المبارات الأخيرة ، فكلا الهدفين جاءا في الدقائق الأخيرة .. فلهذا كانت المطالبة بتغيير مدة المباريات من 90 دقيقة إلى 85 .. فهل يا ترى سوف تتغير المعادلة؟

 إنها قراءة لواقع يعيشه كل عماني يتألم مع تألم فريقه و يتجرع مرارة نتائج اختباراته العلمية ويرى تدني مستويات بعض من صروحه العلمية التي غدا البعض يهجرها. لكن هذا العماني ما زال يحمل جحلته (التي سقطت ولم تنكسر) معه أملا في أن تفقس أحلام يقظته عن بيئة يكللها حب الوطن ويسيج مرابعها كفاءات مخلصة ويسير هو بجحلته بثقة وثبات.. ولهذا علينا أن نصدح جميعا بضرورة أن: "نعيد النظر"!