السبت، 9 فبراير 2013

عنوان المقال تم تغييره الى "لجنة الموهوبين كيف يمكن الاستفادة منها ؟"

كم يسعد المرء حينما يجد أن لكلماته صدى ولمجهوده وإن طال به الدهر ثقلا واعتبارا. وهذه السعادة تعود إلى أن عملية إقناع الآخرين بأهمية آرائك وأفكارك تتطلب منهم وقتا واستعدادا ...
عدد كلمات المقال قبل الرقابة (1355) بعد الرقابة ( 908) الفارق (447) كلمة محذوفة و اضافات بسيطة!
 
 
(المقال كما تم نشره في جريدة عمان)

كم يسعد المرء حينما يجد أن لكلماته صدى ولمجهوده وإن طال به الدهر ثقلا واعتبارا. وهذه السعادة تعود إلى أن عملية إقناع الآخرين بأهمية آرائك وأفكارك تتطلب منهم وقتا واستعدادا لفهمك و منك كصاحب الفكرة معاناة وجهدا وصبرا. لذلك، فحينما ترى الفكرة النور وتظهر الى الوجود فإن صاحبها يزهو فخرا و إن تم استثناؤه منها، لأنه يظل صاحب الفضل في وجودها. والمعاناة التي يلاقيها صاحب الفكرة ترجع لعدد من العوامل منها: 1) ذهنية بعض المسؤولين وبالتالي رفضهم التغيير البناء. 2) انشغال بعض المسؤولين و بالتالي حاجتهم الى بعض الوقت في أن يغيروا قناعاتهم و ممارساتهم القديمة بقناعات و ممارسات أخرى جديدة . 3) قصور البعض احيانا في التواصل مع الكفاءات المؤهلة في مؤسساتهم لفهم الأفكار واستيعابها. ولهذا نجد أن هناك الكثير من الأفكار التي تم تقديم مقترحات بشأنها كانت تواجه أبوابا موصدة أو تنتهي الى أرفف وأدراج مهجورة. فعملية التغيير والرغبة فيه هما من أكثر الأمور صعوبة يواجهها من يسمون بدعاة التغيير.
قبل عام تقريبا كتبت في جريدة عمان بتاريخ 20 نوفمبر2011 مقالا كان عنوانه: (موهوبون ومجيدون.. فلنقطف الثمر) والذي يمكن الإطلاع عليه في مدونتي. وقد قلت في المقال: «إننا نحتاج في وطننا الى استنهاض الهمم الجادة لتتواصل مع الجهود المضنية في فتح أبواب الجامعات ومجالات التعليم العالي لنسبر غمار بحار المواهب ونغوص فيها من أجل لآلئ مكنونة ترفد التعليم العالي بعقول متفتحة نيرة وترصع سماءنا بلآلئها الناصعة بياضا، فتعليم الموهوبين والاهتمام بهم من الأولويات الحضارية التي لا يمكننا تجاهله. ومن أجل ذلك نحتاج إلى غواصين يتقنون فنون الغوص. فالتجارب الماضية علمتنا أنه ليس كل من يفتي فقيها.. فالطريق طويل.. ولنعد النظر!.» وانطلاقا من الإيمان بضرورة إرساء تعليم متميز للموهوبين فقد كتبت العديد من المقالات و خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، قدمت برنامجا إذاعيا بعنوان «أبناؤنا الموهوبون». كما كانت لي سلسلة من المقالات قبل عدة أعوام في مجال الموهوبين في جريدة عمان وعددا من الدراسات والاقتراحات أثناء عملي في الوزراة.
الجميل في الأمر، أنه بعد كل تلك الأعوام من المناشدات والمقترحات و بعد عام من نشر المقال في جريدة عمان، وجدت مقترحاتي- كما اعتقد - أخيرا أذنا صاغية، فقد كان لها الفضل - كما ازعم - في أن تطرب كل من يريد خيرا لهذا الوطن. ولله الحمد، فقد أصدرت معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم قرارا وزاريا بتاريخ 22/1/2013 بتشكيل فريق عمل لإعداد برنامج لاكتشاف الطلبة الموهوبين ورعايتهم. وبهذا أهنئ نفسي على أن جهودي بجانب جهود البعض ممن عمل معي في وزارة التربية و التعليم على مشروع تعليم الموهوبين قد أثمر . وثمرة نتائج هذه الجهود الطيبة التي بدأت منذ عودتي من الولايات المتحدة بشهادة الدكتوراه عام 2004 حول تعليم الموهوبين ستعود بلا شك إلى ابنائنا الطلبة بالخير. وحينما يجد المرء أن مولودا له أزف وقت ولادته فإنه بلا شك يلتمس كل السبل السليمة الممكنة لضمان ولادة صحيحة له. ومن هنا، فرغم ان تمنياتي لهذا المشروع أن يأخذ سبيله للنجاح و لا يتوقف أو يتعثر كما حدث ويحدث للبعض من المشاريع، غير انه يبدو أن طريقة ادارة الوزارة للمشروع (وأتمنى ان أكون مخطئة) قد تكون من أهم العوامل التي تثير هواجسي لاحتمال عدم نجاحه - لا قدر الله. وأرجو أن يكون قولي هذا محفزا للوزارة على العمل بجد على إنجاحه وتعديل وتغيير بعض قراراتها.
الأمر الآخر الذي تشكر الوزارة عليه هو عدم اعتمادها على بيوت الخبرة في مشروعها هذا وأتمنى أن يتم فهم و استيعاب خطابات صاحب الجلالة التي أكد في جميعها على أهمية الاعتماد على الإنسان العماني. وقد كرر جلالته تأكيده هذا في سيح الشامخات أثناء حديثه الذي انطلق من القلب الى القلب مع أبناء شعبه. الا أن الملاحظ في هذا المشروع أن الوزارة استعانت بدكتور وافد من الجامعة بدلا من بيوت خبرة خارجية ، لكن تبقى عملية الإغفال التي تمارس مع بعض الكفاءات العمانية قائمة ولا تعرف أسبابها .. فلمصلحة من يتم ذلك التغافل؟
هناك عدد من الملاحظات بالنسبة لقرار الوزارة إلا أنني لست معنية بتفصيل كل النقاط التي من المتوقع أن أصحاب المعرفة يكون لهم فهم بها. إلا أن من أبرز الملاحظات هل هناك مصلحة ما في وضع أشخاص غير متخصصين في هذا المشروع الكبير و الذي تعقد الآمال عليه من قبل أبنائنا الطلبة وأسرهم؟ أليست هذه مسؤولية يجب أن نلتزم بها خير التزام؟ ألم يمر أبناؤنا الطلبة بالكثير من التجارب غير الإيجابية؟
فقرار مثل هذا كان من المفترض الإعداد له منذ فترة وتكوين كوادر (وليس التخلص من الكوادر) وإعدادهم بشهادات الماجستير والدكتوراه وفق خطة واضحة ومدروسة. كما أن عملية الإعداد لا تقتصر على أولئك الكوادر بل لابد أن تشمل المجتمع والأسر من خلال إقامة ندوات وتوعية المجتمع لفهم من هم الطلبة الموهوبون وكيفية الاهتمام بهم. ولن يكون غريبا ان عددا من أفراد اللجنة ما زالوا بحاجة الى فهم مدلول لجنة الموهوبين التي هم أعضاء بها!
وكذا هو الحال بالنسبة لعقول الناس. فالمسؤول الماهر في أي موقع كان لابد له من استراتيجية واضحة يبدأ العمل عليها بتأنٍ ووضوح واضعا هواجسه الشخصية جانبا. فمن غير تلك الاستراتيجية ومن غير التجرد من تلك الهواجس فإن مآل ما يقوم به الى هباء. ولعل فهم قانون أرخميدس في هذا المجال سوف يكون له أثر فعال. فقانون أرخميدس يقول: «إن القوة الممارسة على جسم ما في وسط سائل أو غاز تساوي قوة وزن حجم السائل أو الغاز الذي يزيحه الجسم.» فلتحقيق أي تغيير نحن بحاجة جادة الى عملية إزاحة و تجديد وتغيير الممارسات غير العلمية و الأسس غير التربوية التي تحتل مساحة كبيرة في حياتنا وممارساتنا. إننا نرجو أن تكون لجنة الموهوبين حقيقة وليس سرابا يتسلل جوهره من بين أطراف أناملنا. ولهذا فقد آن الأوان لإزاحة الممارسات التي تشكل عبءً في طريق العطاء و إحلال ممارسات تتواءم مع الندوة الوطنية المزمع عقدها حول (التعليم وكفايات القرن الحادي والعشرين). فالكفايات التي بدأت الوزارة التفكير فيها الآن تتطلب: أن نعيد النظر!