الجمعة، 20 فبراير 2015

ثقافةُ مدن الكتب!

إذا نظرنا إلى الظواهر الإجتماعية الحياتية فإننا نجد أن لها وجهين، وجه ظاهري واضح و وجه باطني غير واضح للعيان. الوجه الظاهري هو ما نراه عبر الصور الخارجية المعبرة ...
مقالي المنشور بمجلة المسار (308 جامعة قابوس)
 




إذا نظرنا إلى الظواهر الإجتماعية الحياتية فإننا نجد أن لها وجهين، وجه ظاهري واضح و وجه باطني غير واضح للعيان. الوجه الظاهري هو ما نراه عبر الصور الخارجية المعبرة التي تبرز هوية المجتمع أو الأفراد. أما الوجه الباطني غير الواضح فهو الذي يعطي لتلك الظاهرة صبغة ما أو صورة واضحة المعالم. وهذه الرؤية الاجتماعية تنطبق على معظم التفاصيل الحياتية التي يحركها الوجه الباطني حيث تكمن المعتقدات و اتجاهات الأفراد والمجتمعات والأمم وثقافتهم.

نلاحظ في زياراتنا الى أية مدن أو دول، أن هناك سمات معينة يتصف بها أفراد تلك المدن أو الدول سواء كانت تلك السمات ايجابية أم سلبية. هذه السمات نلمسها عبر تعاملاتهم أو عاداتهم وتقاليدهم أو عن طريق ما يلبسونه أو يتفاخرون به ويمارسونه. لهذا فإن المدن في الدول المتقدمة حينما تقام، فإنها تقام وفق رؤى إنسانية لذلك المجتمع أو لتلك الجماعة. وهذه الرؤى لا تكون وليدة نزوة عابرة أو مشروع آني وإنما هي حصيلة ثقافية تراكمية لتلك المجموعة البشرية. والمدن في تلك الدول تراعي الثقافة الاجتماعية عند تخطيطها وبنائها عكس الدول التي لا تعير للإنسان أية أهمية فهي لا تعطي لثقافة المجتمع أية قيمة ولا تعير لها أية اعتبار، وبالتالي تغلب على تلك المدن الفوضى والعشوائية. ومن هنا نلاحظ أن تغيير اتجاهات أو ثقافات المجتمعات والافراد ليس بالأمر السهل والهين ما لم تكن هناك خطة وطنية واضحة المعالم والرؤى تتضافر مختلف الجهود من أجل بلورتها وبأسلوب وشكل دقيق ومدروس.

"مدن الكتب" فكرة انطلقت من مخيلة إنسان عاش ضمن مجموعة بشرية آمنت بأهمية الكتاب والكلمة. وهذا الإيمان بأهمية الكتاب والكلمة تبلور في سلوكه فانطلق في بناء مدينته وتخطيطها بأسلوب يعكس ثقافتها الاجتماعية القائمة على تقديس الكتاب. لكن هل من الممكن لمثل هذه الأفكار أن تجد لها مشجعا وداعما في مجتمعات لا تتبنى ثقافة مشابهة؟ هل يمكننا أن نفهم أو نثمن الفكر والكلمة في ظل غياب الإيمان بقيمته الحضارية؟ هل يمكن أن يتضافر أفراد المجتمع صغيرهم وكبيرهم على المشاركة في فعاليات اجتماعية قرائية؟

حينما كنت أدرس في الولايات المتحدة قررنا في السكن الجامعي الذي كنا نعيش فيه أن نقوم بفعالية قرائية. فعلقت الحبال بين المساكن وكلما انتهى أحد افراد المجمع من قراءة كتاب عُلقت أوراق على الحبل تمثل عدد صفحات الكتاب. وقد كان الهدف هو قراءة عدد محدد من صفحات الكتب في فترة زمنية، إلا أننا تخطينا العدد المقرر من الصفحات لأن الأبناء والآباء والأمهات وكبار السن من الزائرين لأبنائهم عاشوا جميعا تجربة القراءة الجماعية. فهل فعالية قرائية مثل تلك ستنجح في مجتمعاتنا؟ هل المجتمع بأكلمه سيكون مستعدا للمشاركة؟ هل سيجد الأطفال آباءهم و أمهاتهم يشاركونهم تلك الفعالية؟ هل سيكون الكتاب متوفرا لدى الجميع؟ إن عدم نجاح فعالية قرائية كتلك (على سبيل المثال) لا يشير الى أن هناك خللا في الأفراد، بل في النظام التعليمي الاجتماعي الذي لم يغرس أهمية الكتاب كركن أساسي من حياة أفراد المجتمع. فالكتاب في حياتنا لم يكن ينظر إليه إلا لحفظ مادة دراسية من أجل اجتياز امتحان مدرسي، ولم نعرف أن للكتب أوجها أخرى كصديق أو رفيق. إن ثقافة الأمة هي التي تصنع مدناً حية للكتب أو للقيم وما تلك المظاهر سوى الصورة البارزة لتلك الثقافة. فمن أجل أن نبني مدينة كتبٍ حية تتألق فلابد أن نحيي ثقافة ونغير اتجاهات.. و من أجل ذلك لابد أن نعيد النظر!