الجمعة، 12 ديسمبر 2014

الإنسان الخليجي… ماذا بعد النفط؟

شكل الموقع الجغرافي لدول الخليج العربية نافذة كبيرة لإطلالة شعوبها على العالم. فالموقع الجغرافي المتميز لهذه الدول أهّلها لأن تكون ممرا تجاريا مهما يربط العالم بالعراق وبلاد فارس من جهة، وبشرق أفريقيا ودول ...

http://www.alquds.co.uk/?p=264082

شكل الموقع الجغرافي لدول الخليج العربية نافذة كبيرة لإطلالة شعوبها على العالم. فالموقع الجغرافي المتميز لهذه الدول أهّلها لأن تكون ممرا تجاريا مهما يربط العالم بالعراق وبلاد فارس من جهة، وبشرق أفريقيا ودول المحيط الهندي من جهة أخرى. فطريق التوابل البحري القادم من جنوب شرق آسيا يتفرع في بحر العرب ليتخذ من دول الخليج أحد فرعيه. وقد كان هذا الفرع التجاري يتفوق بميزة قصر المسافة التي تقطعها التجارة من آسيا وقلة العقبات الطبيعية في بحر عمان. من هنا استمدت منطقة الخليج أهمية كبيرة في التجارة العالمية، وبسبب هذه الأهمية كانت هذه المنطقة مطمعا للغزاة على مدى التاريخ. 

عاشت بلدان الخليج وفق تحالفات قبلية موزعة على شكل مشيخات وإمارات ومملكات لاستباب الأمن والأمان في ما بينها. ورغم موقعها الجغرافي المفتوح على الحضارات الأخرى ورغم حضارة بعض تلك الدول الخليجية التي تضرب في القدم، إلا أنها ظلت تحت قيود البداوة، كما ظلت موزعة بين قبائل متناحرة. أما الذي ساعد على استباب الأمن فيها، فهو التنافس الدولي على المنطقة، المنطلق من أهميتها الجغرافية لتظل لعقود طويلة تحت الحماية البريطانية. يقول احد الباحثين إنه في عام 1800 عقدت أول معاهدة حماية بين عمان وبريطانيا وتبعتها بقية دول الخليج. وبموجب هذه الاتفاقات أصبحت بريطانيامسؤولة عن الشؤون الخارجية والدفاع لدول هذه المنطقة، فضمنت بذلك سيطرتها عليها قرابة قرن ونصف القرن.

هذا الموقع الجغرافي لدول الخليج لم يسهم في رخاء شعوب المنطقة.. وبسبب صحراوية معظم الأراضي الخليجية، لم تكن مؤهلة معظمها لأن تكون من الدول الزراعية، ولهذا اتجه الكثير من أبناء الخليج نحو البحر لصيد اللؤلو والأسماك. وبسبب الاحتكار وتسلط ونفوذ بعض التجار لم تكن عملية الصيد كافية إلا لتلبية الحاجات الضرورية للأسر الخليجية. 

في الثلاثينات من القرن الماضي تم اكتشاف النفط في دول الخليج العربية لتنتقل المنطقة من حالة البداوة المطلقة إلى حالة أصحاب رؤوس الأموال، ومن محدودية في الموارد الاقتصادية إلى طفرة اقتصادية كبيرة. لم تصاحب تلك الطفرة الاقتصادية أي تهيئة سليمة أو إعداد مسبق وتدريجي للإنسان الخليجي، وذلك لكون المنطقة كانت تحت الوصاية الغربية من جهة، ولانتشار الجهل والأمية بالإضافة إلى بداوة حكام تلك المناطق، بشكل عام، من جهة أخرى. 

صاحب الطفرة الاقتصادية استقطاب الكثير من الوافدين إلى منطقة الخليج، ما ساهم في إهمال تربية وإعداد المواطن الخليجي والاستفادة من الخبرات الاجنبية بشكل صحيح وممنهج، وبالتالي تحول المواطن الخليجي ظلا للوافد، سواء كان عربيا أم أجنبيا. هذه السياسة التي تم اتباعها خدمت الوافد بشكل كبير، فأصبح هو الخبير وأصبح المواطن صورة وواجهة يطل عبرهما الأجنبي. وقد عمل الوافد على تركيز هذه الصورة للمواطن الخليجي بشكل كبير في جميع الميادين سواء الثقافية منها أو التعليمية أو الاقتصادية أو الصحية أو غيرها. 

فعلى الرغم من تأهل المواطن الخليجي علميا، إلا أنه انضوى تحت السياسة العامة لدول الخليج بشكل عام التي تعطي للوافد ثقة كبيرة وتلغي المواطن. وهذا الإلغاء تستطيع تلمسه في الجامعات الخليجية التي تسيطر عليها جنسيات معينة أو المؤسسات الاقتصادية والتجارية التي تسيطر عليها جنسيات أخرى مختلفة باختلاف الدول. وهذا ينسحب أيضا على المؤسسات الثقافية التي تجد أن المواطن ما هو إلا الصورة الاسمية للمؤسسة، الذي يقدم المال ويقوم بتوزيع الجوائز، بينما يظل الوافد هو صاحب الكلمة التي يعتنقها ويطبقها المؤسس بكل ترحاب. وإذا ما نظرت إلى معظم الصحف والمجلات فإن الوافد هو المكون الفعلي لتلك الصحيفة أو المجلة. أما في المجال الاقتصادي فلكل مسؤول خبير وافد هو صاحب الفعل الأساسي بينما يقتصر دور المسؤول على التوقيع. لقد لعب الوافد دورا حيويا في تشكيل عقلية المواطن العادي والمواطن المسؤول، بحيث جعلهما يؤمنان من حيث يشعران أو لا يشعران بأنه لا يمكن لهما أن يقوما بأي عمل بمعزل عن مساعدته المباشرة أو غير المباشرة. 

وقد ساهم التركيز على مثل هذه الممارسات بجعل الكثير من مسؤولي دول الخليج يبادرون إلى إبعاد المواطن أو تجميده، ومن ثم جعلوا ثقتهم في الوافد وأغدقوا عليه العطاء. ففي أي دولة من دول العالم تجد المواطن يتقاضى راتبا أقل من الوافد حتى إذا تساوى معه في المؤهل التعليمي إلا في هذه الدول؟ وقس على ذلك مختلف المؤسسات بكل أصنافها، التي خذلت المواطن وقامت بتدمير تام لقدراته وإمكانياته وحولته إلى صورة إعلامية لا أكثر ولا أقل! 

في ظل هذه الظروف النفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يمر بها مواطنو دول الخليج العربية، والتي كانت ثمرة عهد السيولة المالية نسأل.. ماذا بعد النفط؟
ماذا بعد النفط، وماذا بعد مغادرة الوافد الذي قال لك يوما: لا أولوية لدينا للعماني؟ فظلت الكفاءات الوطنية إما خلف حدود الوطن أو انزوت بعيدا عن العطاء، لينعم الوافد بخيرات الوطن وينمو ويكبر على حساب أصحاب الأرض.. ليغادر في ما بعد قرير العين عندما تلم المنطقة الخطوب والأرزاء!

ماذا بعد النفط؟ إنه سؤال كبير والأمر لا يقتصر على إعداد الكوادر عبر التدريب والإحلال فقط. فإنسان الخليج في وقتنا الحالي اختلف كثيرا عن إنسان الخليج ما قبل النفط. إن عملية إعداد المواطن لما بعد النفط لا يمكن اختزالها في عبارة «أهمية إعداد الكوادر المحلية» التي نسمعها منذ عقود، فلدينا من حملة الشهادات والمؤهلات العليا الكثير، والإمكانات التي يحملها العماني لا تقل عن إمكانات الوافد، لكن السؤال هو: ما هي نسبة تحرر حملة الشهادات من عقدة النقص تجاه الوافدين؟ ما نسبة أولئك الذين تحرروا من خلفيات التغني بالماضي والقبائل والعشائر؟ ما نسبة أولئك الذين ينادون بالوطنية في كل محفل لكنهم من أوائل الذي يخونون تلك الوطنية؟ ما نسبة من نال الشهادات، ولكنه لا يستطيع أن يصمد أمام نقد بسيط ليطور ذاته أو وطنه؟ ما نسبة الكفاءات الحقيقية التي عملت بجد من بين الأعداد التي نالت الشهادة؟ ما نسبة قدراتنا على تحمل بعضنا بعضا والعمل معا من أجل مستقبل أفضل بكل المعايير؟ هذه والكثير من علامات الاستفهام الأخرى تبرز كلما قرب النفط على النضوب. وحينما نعرف كيف نشيد بذواتنا المستقلة ونتغنى بــ»ها أنا ذا» بدلا من «كان أبي».. حينها قد تكون لدينا بعض الإجابات الصائبة. ومن أجل ذلك ..لابد أن نعيد النظر!