الثلاثاء، 30 يوليو 2013

النهضة المباركة و واجب الشكر..

من الطبيعي أن نشكر فالشكر واجب على كل صغيرة و كبيرة  في السراء و الضراء في النعمة و المصيبة. و كما هو الحال مع الشكر على الأنعم الالهية كذلك وجب...



 
          من الطبيعي أن نشكر فالشكر واجب على كل صغيرة و كبيرة  في السراء و الضراء في النعمة و المصيبة. و كما هو الحال مع الشكر على الأنعم الالهية كذلك وجب علينا أن نشكر لبعضنا البعض وأن نشكر لآبائنا و أبنائنا و مسؤولينا و لكل من ساهم في خدمة هذا الوطن. و في هذه المناسبة (مناسبة الثالث و العشرين من يوليو) ينبغي أن نشكر لقائد هذا الوطن و حاميه. فرب العباد يقول "لئن شكرتم لأزيدنكم.." فشكر النعمة تجلب النعمة..  إلا أن للشكر أوجه و مستويات !
في الحياة هناك انسجام و تكامل بين الحقوق و الواجبات، و أي اختلال بين هذا الانسجام ينعكس بشكل كبير على علاقة الأفراد ببعضهم البعض سواء كانت هذه العلاقة قائمة على أسس إجتماعية أم إدارية أم غيرها. و التكامل بين هذه الحقوق و الواجبات تنعكس بشكل كبير على الانسجام بين العلاقات البشرية. فالمسألة تنحصر بشكل كبير على التكامل بين ما عليَّ من واجبات و ما لك من حقوق.. فإن استطاعت هذه المجتمعات أن تقدم ما عليها و تطالب ما لها فإنها بذلك ستحقق الوئام بين أفرادها. و في هذه الحالة فالفرد و المجتمع هما شريكان في تحقيق ذلك الانسجام و الوئام و هذه الحالة تسري أيضا على الأوطان. فالوطن عليه حقوق كما أن على أفراده واجبات و تكاملهما يضمنان سريان  تلك الحقوق و الواجبات لتصب في النهاية في مصلحة تطور و بناء الوطن و مواطنيه. و هذه العلاقة ليس فيها منٌ و لا أذى، فالفرد لا يمن على وطنه بما يؤديه من واجبات و بما يسهم به من أجل تطوره و رقيه و كذلك فالوطن لا يمن على أفراده بما يقدمه من حقوق. إلا أن البعض منا (و مع الأسف الشديد) يعيش حالة شعور وكأن ما حدث خلال النيف و الأربعين عاما لم نكن نستحقة. و كأننا ما زلنا من المفترض أن نعيش على أرض لا تغني و لا تسمن من جوع، و كأننا لا نستحق سوى أن نتنقل على ظهر حمير.. و نمشي حفاة الأقدام و نأكل من بقايا ما يمن به علينا الآخرون. لا أستطيع تفسير هذه الحالة النفسية التي تحاول أن تظهر الشكر بشكل محصور في مراتب حسية بسيطة بحيث يتحول شكر النعمة بها الى ذم و إساءة! و كم استغرب من أولئك الذين ما زالوا يتغنون بشكل و كأن معجزة حدثت فأصبحنا نستخدم السيارات بدلا من الحمير و غدت طرقنا مرصعة بدلا من تلك التي كانت وعرة و شاقة.. و أسأل هل نحن من اخترعنا تلك الوسائل.. لنظل نتباهى بها؟  
        إن حصر عملية الشكر في الإشادة و التبجيل أجدها خارج إطار حكمة صاحب الجلالة التي يحاول البعض إظهارها خارج الإطار الإنساني. فالإنسان في تطوره الحضاري بين مد و جزر، فهناك إنجازات تحققت إلا أن هناك إخفاقات كان لابد من تفاديها. و عملية التفادي تلك تتداخل فيها عدد من العوامل و المكونات الإنسان واحد منها بل هو أهمها. و بما أن الإنسان هو العامل الأساسي في عملية التقصير بمختلف أشكاله فلهذا كانت هناك أهمية كبيرة لمفهوم التقييم و المحاسبة. هذا المفهوم يسهم في عملية التكامل على مستوى الذات و الوطن. لهذا فمن باب الشكر أن نستعيد إيجابيات و سلبيات مسيرة نهضتنا المباركة.. و قد يكون يوم الثالث و العشرين من يوليو هو أجمل يوم نقف فيه مع الذات و الوطن في عملية تقييمية شاملة.
إنها حقيقة ليست خافية على أحد أن يوم النهضة هو يوم انطلاقتنا لتحقيق ذواتنا التي كادت أن تغيب أو تُغيب في اللازمان و اللامكان اللذان كانا يسيطران عليها. إنها حقيقة لا يمكن أن نسهو عنها. إن يوم النهضة هو اليوم الذي مهد لنا السبيل في أن نخطو الى مستقبل أكثر اشراقا.. في ذلك اليوم عرفنا أن هناك عزيمة و إرادة في أننا سوف نتعلم "و لو تحت ظل الشجر" ، في ذلك اليوم تعاهد القائد و الشعب في أن يتغير وجه عمان لتصبح في طليعة الأمم،  فقد قال جلالته حفظه الله: "أيها الشعب سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل، و على كل منكم المساعدة في هذا الواجب".  لكن .. هل كل ما حلمنا به تحقق؟ هل كل ما تم التمهيد له من علم و صحة و رفاهية و اقتصاد قوي تم نيله؟ هل كل منا ساهم بشكل إيجابي في أداء ما عليه من  واجبات؟
لقد ذكر صاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله في خطابه بمجلس عمان بتاريخ العاشر من نوفمبر 2012، " وخلال الفترة المنصرمة طبقت في عمان أنظمة ومناهج تعليمية متنوعة وبرامج تدريبية وتأهيلية متعددة إلا أن الأمر يتطلب إيلاء عناية أكبر للربط بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. لذلك فإنه من أولويات المرحلة التي نمر بها والمرحلة القادمة التي نستشرفها مراجعة سياسات التعليم وخططه وبرامجه وتطويرها بما يواكب المتغيرات التي يشهدها الوطن والمتطلبات التي يفرضها التقدم العلمي والتطور الحضاري وصولا الى بناء جيل مسلح بالوعي والمعرفة والقدرات المطلوبة للعمل المفيد".
 فكلمات جلالته هذه هي صدى للفكر الإنساني الذي يرى من الأهمية التركيز على عنصر المراجعة و المحاسبة لأن الزمن يتغير و متطلبات الحياة تختلف و لابد أن تكون خطواتنا متوافقة مع التطورات الحياتية التي هي في سباق مع الزمن. فالأنموذج القديم للعمل قد لا يتوافق مع السوق و متطلباته.. و الأسلوب القديم في التربية لا يتلاءم مع أجيال الكمبيوتر و الآي بود.. و هذا ما هدف له جلالة السلطان حفظه الله وصولا الى بناء جيل مسلح بالوعي والمعرفة والقدرات المطلوبة للعمل المفيد. و هذا لن يتأتى إلا في ظل مراجعة دقيقة و سليمة و شفافة مع النفس، فعملية الإشادة و التبجيل عندما تكون خارج الإطار المعقول فإنها لا تعبر سوى عن كلام منمق و مجامل لا يسمن و لا يغني من جوع.
يقول المفكر العربي جودت سعيد في كتابه "العمل قدرة و إرادة":  "إن اعتقاد المسلمين بأن النجاح ليس نتيجة حتمية للسعي الصالح، هو من أشد المعوقات التي تمنع المسلمين من مراجعة أعمالهم و نقدها لأنهم لا يفرضون فيها الخطأ بل يفرضون أنها كانت صائبة و لكن لم تأت النتيجة المطلوبة لأمر أراده الله. إن مواجهة هذه النقطة أمر جوهري لتحويل نظر المسلم في رؤية سبب الإخفاق". كما أنه يذكر قصة طريفة عن المؤذن الذي تأخر في إقامة صلاة الفجر حتى كادت الشمس أن تشرق. قال بعضهم: إن ساعتك متأخرة، و لقد أخرتنا؟ فأجاب بكل بساطة: إن ساعتي صحيحة، و لكن الشمس أسرعت في الشروق". إننا في يوم النهضة المباركة لا نريد ان نكون مثل هذا المؤذن أو أن نقلد النعامة حين تدفن رأسها في التراب و لا تجد نفسها الا وقد و قعت في الفخ. إنه من الحري بنا ان نأخذ من يوم الثالث و العشرين من يوليو المجيد يوما للشكر على ما تحقق و في نفس الوقت يوما ..لإعادة النظر!