الأربعاء، 22 فبراير 2006

فعل و ردة فعل

قبل عدة أعوام وبالتحديد في عام 2000 استفز شارون المسلمين بتدنيسه المسجد الأقصى. وهبّ العالم الإسلامي مستهجناً فعله المسيء للمسلمين بشكل عام وللفلسطينيين بشكل خاص.


قبل عدة أعوام وبالتحديد في عام 2000 استفز شارون المسلمين بتدنيسه المسجد الأقصى. وهبّ العالم الإسلامي مستهجناً فعله المسيء للمسلمين بشكل عام وللفلسطينيين بشكل خاص. وتلا ذلك العديد من الأحداث المهمة مثل أحداث مخيم جنين التي راح ضحيتها الكثير من الشباب والنساء والأطفال وحتى المقعدين والشيوخ. هذه الأحداث جرت خلفها الكثير من ردات الفعل العربية والإسلامية على المستوى الشعبي بشكل خاص، على أساس أن الأمة الإسلامية كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. فتصاعدت صيحات الاستنكار والمؤازرة، وسارت الشعوب الإسلامية والعربية بمسيرات لمؤازرة الشعب الفلسطيني. كما علت الأصوات بمقاطعة جميع المنتجات الصهيونية وأيضا منتجات الشركات الداعمة لعملية التوطين اليهودي في فلسطين المحتلة. هذا الاستنكار والتحرك الشعبي كان ردة فعل ضد الإرهاب الصهيوني الموجه تجاه الشعب الفلسطيني. وفي مقابل هذا الاستنكار الشعبي لعبت الشركات الغربية دوراً قوياً في إثبات وجودها في الأسواق العربية والإسلامية بشكل أكبر سواء من حيث نوعية منتجاتها ورقيها أو من حيث اهتمامها بفرض الكماليات لتغدو جزءاً من أساسيات حياتنا. علاوة على ذلك ركزت هذه الحركة الغربية على تصدير جوانب مختلفة من الحياة الغربية إلى الفرد العربي المسلم ومحاولة غربلة أسلوب حياته. فغدا المسلم في الوقت الذي يلعن فيه أمريكا كونها رأس المصائب أصبح لا يستغني عن منتجاتها.. أما لماذا وكيف؟ حتى لا يفكر العربي والمسلم في أي أسلوب من أساليب المقاطعة بعد أن غدت البضاعة الغربية جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية.
وحيث إننا شعوب مسالمة كما قال الشاعر: “أسد علي وفي الحروب نعامة”، فلم نعرف سوى ردات الفعل وافتقدنا الفعل في موقفنا اليومي فضلا عن مواقفنا الحياتية. وردة الفعل حسب قانون نيوتن هي: إن لكل فعل رد فعل مساوياً له في المقدار ومضاداً له في الاتجاه. وبالتدريج تبدأ ردات الفعل تندثر أو تتلاشى.. لأنها ما هي الا ردات فعل.
وبعد كل فعل من جانب من يستهدفون أمتنا وتاريخنا وحضارتنا وقيمنا تكون لنا ردات أفعال حسب قوة الفعل. الفعل الأخير استهدف صميم عقيدتنا بعد أن كان في السابق يستهدف حرياتنا وحقوقنا، إنه استهداف لرسول الإنسانية النبي محمد عليه صلوات الله وسلامه. ولقد حرك الكثير من المشاعر وامتد إلى أبعد من تحرك شعبي فشمل برلمانات وحكومات ومنظمات، وهذه ردات الفعل ما زالت قائمة ومستمرة وفي الوقت نفسه أفعال المناوئين مازالت مستمرة تحت عناوين حرية الرأي.
وهذه الأفعال التي تستهدف العالم الإسلامي تأخذ منحنيات مختلفة من حيث القوة والمستوى. فتارة تتحرك على مستوى أفراد أو ما يمكننا أن نسميهم بعديمي الضمير، كما هو الحال في جوانتانامو حينما تعرض القرآن الكريم إلى الاهانة والتمزيق، ومرة أخرى يتم استهداف الممارسات الإسلامية ومحاربتها، كما هو الحال في فرنسا حين أجبرت الطالبات المسلمات على خلع الحجاب في المدارس. وفي كل مرة تصدر عنا ردات فعل وأقوال تشجب وتندد وتتوعد وتتظاهر على قاعدة أضعف الإيمان. فأين منا من أباطرة “إسرائيل” الذين يزلزلون الدنيا قياماً وقعوداً متهمين كل من سولت نفسه بأن يتفوه بما لا يرضيهم ب “معاداة للسامية”.. حتى أصبحت هذه الجملة كقذيفة ينأى الجميع عن أن تلحقه.
ولكن، إلى متى ستبقى أمة المليار ونصف المليار تقريباً تنطلق من ردات الفعل؟ متى سنتحرك بفعل نعلن فيه كياننا كأمة عظيمة ذات تاريخ وحضارة ودستور؟ متى سنعرّف العالم بكياننا، وبأننا نملك من مقومات الرقي والأفعال العظيمة ما يجعلنا خير أمة أخرجت للناس؟ متى ستتحول ردات أفعالنا إلى أفعال، ونحاول أن نحيي تاريخنا وحضارتنا بأفعالنا ومنجزاتنا لا بردات أفعالنا.