الأحد، 4 ديسمبر 2011

جذوة الحسين في شوارع منهاتن

التاريخ هو مجموعة من الأحداث من الزمن الماضي أو الفائت. والحدث المتصل بمجموعة كبيرة من البشر ذو أثار وأبعاد إنسانية كبيرة يتحول إلى حدث هام في سجل البشرية جمعاء، فيتناقله الرواة والكتاب وتوثق ...

http://alroya.info/ar/citizen-gournalist/citizen-journalist-/27758-q-q---qq

 (تم تغيير العنوان من  جذوة الحسين في شوارع منهاتن الى "أبو الشهداء" في شوارع "منهاتن" الأمريكية)
التاريخ هو مجموعة من الأحداث من الزمن الماضي أو الفائت. والحدث المتصل بمجموعة كبيرة من البشر ذو أثار وأبعاد إنسانية كبيرة يتحول إلى حدث هام في سجل البشرية جمعاء، فيتناقله الرواة والكتاب وتوثق في الكتب التاريخية والوثائق المختلفة. ولقد كان للسرد الشفهي للتاريخ دورا في عملية نقل الأحداث التاريخية كما أسهم الشعر في حفظ الكثير من تلك الأحداث والتي انتقلت من بقعة من الأرض إلى آخر ومن جيل إلى آخر. تأخذ بعض من تلك الأحداث التاريخية أبعادا كبيرة في الفكر الإنساني وأخرى تنمحي وتنتهي. والتاريخ الإسلامي تاريخ حافل بالكثير من الأحداث التي من الممكن أن تشكل دروسا لنا في شتى مناح الحياة. إلا أنه ومع الأسف، أن واحدة من المآخذ التي تؤخذ علينا كعرب ومسلمين بشكل خاص هو عدم قراءتنا للتاريخ. وهذا ما أدركه الصهاينة وقد وصفنا موشي ديان في أعقاب حرب 67 حين قال أن "العرب لا يقرأون التاريخ و إذا قرأوه لا يفهموه..." 
مر العالم الإسلامي بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالكثير من المنحنيات والمتعرجات التي سطرت في التاريخ الإسلامي والتي انتهت باستشهاد حفيد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في عام 61 هجرية. وأصبح خبر استشهاد حفيد رسول الله تاريخا تم تدوين الكثير من أحداثه وأخباره في كتب الرواة وتناقلتها الألسن وكتب فيه الشعراء لما كان لها من وقع وصدى في حياة المسلمين أثناء وبعد الفاجعة. كما أن خروج الإمام الحسين مع أهل بيته نساء وأطفالا أسهم بشكل كبير في الجانب الإعلامي للثورة. وكلماته وخطبه وأقواله التي رددها منذ بداية انطلاقته من مدينة رسول الله (ص) كان لها الوقع الكبير في التعريف بماهية حركته وأهدافها. فقد قال في إحدى خطبه: "إني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا ظالما و لا مفسدا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق..." هذه الرسالة الواضحة تجلت في الكثير من المواقف التي تميزت بها هذه الثورة الحسينية التي وقعت أحداثها على أرض كربلاء في العراق. 
 لقد أشار رسول الله (ص) في أحاديث صريحة وفي عدد من المواقع عن الحسن والحسين ومن ضمن أحاديثه (ص): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. الحسن والحسين ريحانتاي. وحسين مني وأنا من حسين..."
لم يقتصر صدى الثورة الحسينية على عصر من العصور أو شعب من الشعوب أو أمة من الأمم. لقد رثاه وبكاه وتحدث عنه المسلم والمسيحي والعربي والأعجمي. فقد فقال الكاتب المسيحي جورج جرداق: "حينما جنّد يزيد الناس لقتل الحسين وإراقة الدماء، وكانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟ أما أنصار الحسين فكانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أخرى أيضاً". وقال ألآثاري الإنكليزي وليم لوفتس: "لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة". أما غاندي فقال: "علمني الحسين كيف أكون مظلوما فانتصر". وأما أنطوان بارا فقد قال في كتابه (ثورة الحسين في الفكر المسيحي): "و أزاء رسالة الحسين يجدر بالعالم الإسلامي أن يقدمها كأنصع ما في تاريخ الإسلام إلى العالم المسيحي، وكأعظم شهادة لأعظم شهيد في سبيل القيم الإنسانية الصافية الخالية من أي غرض أو أقليمية ضيقة وكأبرز شاهد على صدق رسالة محمد (ص) وكل رسالات الأنبياء التي سبقتها". ثم أضاف "وفي رأيي أن أي فكر يطلع على السيرة العطرة لسيد الشهداء لا بد أن تتحرك في وجدانه نوازع الحب لهذا الشهيد المثالي".... وكتب في الحسين بن علي الكثيرون منهم العقاد في كتابه الرائع "أبو الشهداء" حيث قال: " ليس في العالم بأسره أنجبت من الشهداء من أنجبتهم أسرة الحسين عدة وقدرة وذكراً وحسبه انه وحده في تاريخ هذه الدنيا: الشهيد ابن الشهيد أبو الشهيد في مئات السنين" .
كذلك لم تقتصر الأحزان والعبر على أمة من الأمم أو حي من الأحياء أو شارع من الشوارع فهناك في شوارع منهاتن في مدينة نيويورك حيث مراكز المال،  توقفت الحركة وقام رجال الشرطة بإدارة المرور وأغلق الشارع وفتح آخر لتمشي المواكب الحسينية التي تحمل الرايات واللافتات بشعارات وأقوال من الثورة الحسينية. رأيت ذلك قبل عامين حيث عايشت الموقف وتلك المواكب الحسينية التي التحفت بالسواد وخيم عليها الحزن وهي تسترجع ذلك التاريخ الأغبر. تمشي مواكب العزاء وهي تهتف باسم الحسين وبمبادئ الحسين التي استقت من مبادئ الإسلام. وعلى جانبي الطريق وقف مجموعة من الناس الذين أثارت تلك المشاهد لديهم أسئلة واستفسارات. وشدهم ما يجري فوقفوا متسائلين عن الحدث. وحين أتاهم الجواب إنها مناسبة استشهاد الحسين حفيد نبينا. توالت أسئلتهم كيف وأين ومتى؟؟. وما أن عرفوا إن استشهاده قد حدث قبل 1400 سنة حتى اعتلت وجوههم علامات الاستغراب التي تجلت بوضوح في سؤالهم الاستنكاري: "قبل 1400 سنة! كيف؟ وما هذا الحزن الذي يعتريكم كأن ما حدث يحدث الآن؟" هناك فقط أدركت... 1400 سنة وهذا الألم والحزن ما زال يعتصر بعضا من المسلمين من محبي رسول الله (ص). لا بد أن هناك حكمة ما تجعل هذا الحزن على فقد حفيد رسول الله (ص) يتجدد كل عام كأنه حادث جرى في يومنا هذا أو ساعتنا هذه. إننا لا نعتصر حزنا على فقد ذوينا بهذه المرارة والألم.. إلا أن هذا الحزن والجزع هو مصداق لقول رسول الله (روحي له الفدا) الذي نعى حفيده في أيام حياته.. وصدق عليه الصلاة والسلام حين قال: "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا".