الأحد، 20 نوفمبر 2011

موهوبون ومجيدون.. فلنقطف الثمر

لم نكن لننتظر من يدلنا على مواقع النفط والغاز لدينا. ولم نكن بحاجة إلى من يوعينا بأهمية إنشاء مؤسسات وشركات للاستثمار وشق الآبار واستخراج تلك النعم الإلهية من النفط والغاز للاستفادة منها في عملية بناء الوطن...


لم نكن لننتظر من يدلنا على مواقع النفط والغاز لدينا. ولم نكن بحاجة إلى من يوعينا بأهمية إنشاء مؤسسات وشركات للاستثمار وشق الآبار واستخراج تلك النعم الإلهية من النفط والغاز للاستفادة منها في عملية بناء الوطن.
لقد أسهمت كل هذه المصادر الطبيعية في تطور أوطاننا سواء من الناحية المادية أو العلمية وأمام ذلك شقت سبل وطرق وعرة للخوض في مجاهلها بغية حصاد متميز. مصدر واحد فقط من المصادر والمتمثل في النفط كان كفيلا بأن يسدل ستار الجهل والتخلف، ولكن الله سبحانه وتعالى عدد لنا وسخر لنا نعما كثيرة وعلى رأس تلك النعم الطاقة الكامنة في الإنسان صاحب العقل ذي القدرات المتعددة.
لولا تلك الطاقة الإنسانية الكامنة في عقل الإنسان الصغير في حجمه لم يكن ليتم شق تلك الآبار والأنفاق ولما عرف الإنسان الكهرباء وغيرها من زخارف الحياة ولما كنا في هكذا حال.. فالحاجة والطموح المتأجج مع ذلك العقل النير هما اللذان قادا أولئك العلماء والنوابغ ليهيئوا للإنسان حصادا متميزا في حياته. هذا الاهتمام بتلك العقول النيرة لم يكن وليد عصرنا هذا، ففي المجتمعات التقليدية الإفريقية كان ينظر الى الرب على أنه مصدر النبوغ، لكن هذه العقيدة لم تمنعهم من الاعتراف بدور الوراثة (على الرغم من أنهم لم يكونوا على علم بتأثير الجينات على الفرد). فعلى سبيل المثال في قبائل البلاري الإفريقية يقال إن الجرذ يدين لأمه أو لأبيه على وجود ذيل طويل لديه. فالأفراد في المجتمعات الإفريقية التقليدية كانوا يعتقدون بأنهم موجهون بمبادئ عامة لاكتسـاب خصائص اسـتثنائية تزودهم بإمكانات خاصة تنمو عن طريق إقامة بيئة إيجابية. لهذا بدأ تعليم الطفل في القبائل الإفريقية مبكرًا كما أنهم أيضا عرفوا بأن الإمكانات الذكائية أو الذهنية لبعض الأطفال تؤهلهم لتلقي تعليم خاص. على غرار المجتمعات نفسها في غرب إفريقيا كانت نظرة المصريين القدماء إلى أن الرب هو مصدر النبوغ. إلا أنهم وجدوا أن هناك تلازمًا قويًا بين إيمانهم بأن الرب هو مصدر النبوغ وبين دور العوامل الوراثية. لذلك آمنوا بأن عقيدتهم لا بد ان تتحالف بشـكل كبير مع الجهد البشـري.
لقد وضع المصريون القدماء أصول علم التدريس منذ 300 سنة قبل الميلاد وقسمت المدارس لديهم إلى ثلاثة أنواع: (أ) المدارس الدينية التي تعنى بتعليم الكتابة، (ب) المدارس القضائية والتي تعنى بتعليم آداب وقواعد التشـريعات، (ج) المدارس التي تعنى بتعليم المهارات. كما تم ترشيح أفضل الطلاب للالتحاق بمدرستين من هذه المدارس المميزة. وكذلك كان الحال بالنسبة للمجتمع الروماني والمجتمع السامي. ثم جاء الإسلام فعزز الفكر الإسلامي ذلك التوجه في الاهتمام بالتعليم. وأتت الدعوة الإلهية لتقول للإنسان «يا أيها الإنسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه». وفتحت أمامه أبواب النور الإلهي والقدرة اللامتناهية من خلال قوله تعالى: «قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا». فاستلهم أولئك العلماء العمالقة من المنبع الحق ليكونوا لنا رجالا أعلاما. فكان لنا علماء في الطب والفلك والجبر والرياضيات والسياسة والاقتصاد والهندسة والفلسفة والموسيقى وغيرها. وبرزت تلك الأسماء العربية في سماء الشرق كابن سينا وابن رشد ومحمد بن الهيثم البصري وابو بكر الرازي وجابر بن حيان ومحمد بن موسى الخوارزمي وغيرهم.
وفي حلكة الليل المظلم بدأت تلك الأسماء العربية الخالدة تتوارى ليحل محلها البرت اينشتاين ونيوتن وجيمس كلاريك ماكسويل وأديسون. وانقلبت المعادلة بتغيير المفاهيم الأساسية التي كانت تتربى عليها تلك العقول العربية التي استقت من معين الإسلام وامتزجت بالدم الشرقي الشهم فكانت تتفتق عن ولادة اختراع جديد وعلم نافع استهوى الغريب والقريب. استبدلت تلك الأسماء العربية الناصعة بأسماء أجنبية غريبة عنا والتي كانت قد استقت جرعتها الأولى من حبر عربي رضعت منه أوراق شابها اصفرار الكادح وامتزجت بريشة عقل نير فكانت منارة من غير سقف يحدها، بينما توقفت المحبرة عن الجريان على الصفحات الإسلامية الشرقية وتفتت الريشة الملهمة عن الانسياب فلم تعد يا أيها العربي غير «مستهلك»!.
في دراسة وحيدة في العالم العربي حول مفهوم النخبوية عند مواطني دول الخليج أشارت الباحثة بأن مواطني دول الخليج يؤمنون بأهمية الاهتمام بتعليم الموهوبين أو المجيدين. كما أنهم لا يرون في تخصيص برامج خاصة لتلك الفئة من الأطفال أي تمايز لهم عمن سواهم. وهذه الفكرة في الاهتمام بالموهوبين تجدها أكثر بروزا بين الفئات ذات الشهادات العليا عن غيرهم. كما أنها أكثر ظهورا بين المعلمين عن غيرهم من الفئات المهنية.
لقد عاش المجتمع الخليجي البداوة بأشكالها وخاض غمار البحر تحت أمواجه العاتية، لكنه بدأ يعي أسس المعادلة التي تغيرت، فتلك اللؤلؤة التي كان يغوص من أجلها في محيط خليجه العملاق أصبحت قرب كفيه الصلبتين تتمايل بدلال. إلا ان أمام تلك اللؤلؤة الخليجية المتمايلة بقيت أقطار تتهادى في تردد لتناولها.. تردد يخالجه امل في صياغة مرتكزة لخطوات جادة بدأ الكل يستحثها في الانتفاض. إننا نحتاج في وطننا الى استنهاض الهمم الجادة لتتواصل مع الجهود المضنية في فتح أبواب الجامعات ومجالات التعليم العالي لنسبر غمار بحار المواهب ونغوص فيها من أجل لآلئ مكنونة ترفد التعليم العالي بعقول متفتحة نيرة وترصع سماءنا بلآلئها الناصعة بياضا.. فتعليم الموهوبين والاهتمام بهم من الأولويات الحضارية التي لا يمكننا تجاهله. ومن أجل ذلك نحتاج إلى غواصين يتقنون فنون الغوص. فالتجارب الماضية علمتنا أنه ليس كل من يفتي فقيها.. فالطريق طويل.. ولنعد النظر!.